عمال غزة بين البطالة المتفشية والحقوق الغائبة

يجتهد أبو مؤيد عاشور منذ ساعات الصباح الباكر بتحضير أدوات عمله كالفأس والمنشار لبدء يوم عمل آخر في مهنة لا ترسم على وجهه سوى ملامح المشقة والتعب.
ويكابد أبو مؤيد وهو من سكان مدينة غزة، الأمرين في عمله بإنتاج الفحم من دون الحصول على عائد مالي مجد، أو ضمان على حياته وأولاده بعد تدهور أوضاعه الاقتصادية منذ سنوات.
ويقول أبو مؤيد (52 عاما) وقد غلبت ملامح البؤس على وجهه لوكالة أنباء (شينخوا)، إن ظروفه الاقتصادية المتدهورة هي التي تدفعه لمواصلة ممارسة هذه المهنة الشاقة.
ويشير إلى أن عمل التفحيم ينطوي على عدة مخاطر تفرض على من يعمل به أن يكون صاحب ممارسة وخبرة لتفادي نيرانه وتأثيراته السلبية على الصحة.
ويجمع أبو مؤيد مع عدد من أولاده أغصان أشجار الزيتون والليمون ويحرقها ومن ثم يدفنها في الرمال، لتصبح بعد ذلك فحما جاهزا للاشتعال يقوم بتغليفه بأوزان معينة ويسوقه في الأسواق المحلية.
لكن هذه العملية لا تتم بالسهولة المنتظرة، إذ تستوجب وضع الحطب في أكوام ومن ثم تغطيته بقش مبلول ورمال وإشعال النار فيه لفترة تتراوح بين أسبوعين إلى ثلاثة وصولا إلى طمره حتى تخمد النار بعد ذلك بأسبوع ليصبح الفحم جاهزا للاستخدام.
وكان أبو مؤيد تعلم هذه المهنة خلال عمله في فترة التسعينات من القرن الماضي داخل إسرائيل.
ويقول الرجل، إنه كان في حينه يعمل بدخل يتجاوز خمسة آلاف شيكل شهريا (الدولار يعادل 3.45 شيكل)، لكن منعه من العمل منذ أكثر من عشرة أعوام، وفرض الحصار الإسرائيلي على القطاع منذ منتصف عام 2007 تسبب في تفاقم أوضاعه.
وبدأت إسرائيل تدريجيا بالاستغناء عن عمال قطاع غزة البالغ عددهم أكثر من 150 ألف عامل بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000، وتزايد أعمال العنف وتردي الأوضاع الأمنية.
وأدت حالات الصدام بين إسرائيل والفلسطينيين إلى مزيد من التضييق عليهم، وكان أسوأ الأسلحة التي استعملتها إسرائيل بهذا الصدد،بحسب ما يقول الفلسطينيون، الإغلاقات والحصار والحواجز التي استمرت لسنوات وفترات طويلة.
ويقول أبو مؤيد، إنه باشر عمله في غزة بعد حظر إسرائيل دخول عمال القطاع إلى أراضيها.
وبالإضافة إلى ضيق آفاق عمله داخل غزة وبدائيته، فإن أبو مؤيد يشتكي من تجريف الجيش الإسرائيلي لأرض معمله الصغير عدة مرات خلال عمليات التوغل للمناطق المحاذية للسياج الفاصل بين القطاع وإسرائيل.
ويقول أبو مؤيد، إنه ما كان ليستمر بهذا العمل الخطر وأبناؤه لو توفرت فرص عمل في غزة التي تشهد معدلات قياسية من البطالة والفقر.
هذا الواقع دفع سعد المصري في نهاية الثلاثينات من عمره، إلى البحث بشكل شبه يومي عن فرصة عمل من دون جدوى بعد أن أغلقت الأبواب في وجهه كحال آلاف العمال في القطاع الساحلي الضيق.
ويقول المصري بنبرات من المرارة ل(شينخوا)، إنه لم يحصل على أي عمل ولو ليوم واحد منذ ثلاثة أشهر وهو ما جعله يشعر بأنه عالة على عائلته المكونة من خمسة أفراد بدلا من أن يكون معيلا لها.
وآخر فرصة عمل حصل عليها المصري لم تكن سوى عمل مؤقت ضمن برنامج يطلق عليه اسم (البطالة) لتنظيف الشوارع في حي الزيتون الذي يسكن فيه شرق مدينة غزة.
ويشير المصري، إلى ن هذا العمل "على سوئه" لم يدم سوى شهرين هي فترة برنامج البطالة الذي يتم دعمه عادة من مؤسسات أوروبية للتخفيف من حدة معدلات البطالة القياسية بين الفلسطينيين.
ومع انتهاء البرنامج الذي حصل بموجبه المصري على مبلغ 200 دولار أمريكي عن كل شهر عاد أدراجه إلى التنقل بين المؤسسات وورش العمل بحثا عن أي فرصة عمل.
وتفسر ما يواجهه المصري من مصاعب في حياته ، حالة النقمة التي تنتابه إزاء السلطات الرسمية الفلسطينية التي يقول إنها "أهملت شريحة العمال ولم تقدم لهم ما يعينهم على سوء أوضاعهم".
ومع حلول الأول مايو الذي يصادف (الخميس) وهو مخصص للاحتفاء بعيد العمال العالمي لايجد كثير من الفلسطينيين مجالات للعمل ومن وجدها منهم يفتقد إلى حقوقه المهنية في ظل ظروف اقتصادية بالغة التدهور.
وبحسب إحصائيات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، يبلغ عدد الفلسطينيين العاملين بأجر نحو 602 ألف عامل، بواقع 312 ألف عامل يعملون في الضفة الغربية، و196 ألف عامل يعملون في قطاع غزة و76 ألف عامل جميعهم من الضفة الغربية يعملون في إسرائيل، و18 ألف يعملون في المستوطنات.
وتظهر الإحصائيات ذاتها أن نسبة البطالة تبلغ قرابة 23 في المائة في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، أي نحو 270 ألف عامل ، موزعين على 141 ألف عاطل في الضفة الغربية، و129 ألف عامل في قطاع غزة.
ويقول الناشط الحقوقي في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان خليل شاهين ل(شينخوا)، إن الحصار الإسرائيلي على غزة وحالة الانقسام الفلسطيني الداخلي عصفت بأوضاع العمال
ويشير شاهين، إلى أن هذا الواقع ينعكس سلبا على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في ظل حالة "لامبالاة واضحة من السلطات الرسمية التي لم تقم بأي مبادرات حقيقية تجاه شريحة العمال".
وينتقد شاهين بشدة "تواضع" الخطط والبرامج التي تضعها السلطات الرسمية بهدف التخفيف عن كاهل الطبقة العاملة الفلسطينية ، وخضوع تلك البرامج للتجاذب السياسي عند تنفيذها.
وإلى جانب ندرة فرص العمل وسوء أوضاعها، يعاني العمال الفلسطينيون من ضعف ما يتلقوه من أجور وعدم وجود رقابة رسمية تكفل لهم حقوقهم.
وتظهر الإحصائيات الرسمية بهذا الصدد أن معدل الأجر اليومي الحقيقي للعاملين بأجر في القطاع الخاص يبلغ حوالي 53 شيكلا، بواقع 40 شيكلا في قطاع غزة، و59 شيكلا في الضفة الغربية.
ويقول رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال في غزة سامي العمصي ل(شينخوا)، إن الأجور الزهيدة لطبقة العمال تمثل صورة أخرى لمعاناتهم المتفاقمة في ظل افتقادهم لقوانين تحميهم وتكفل حدا أدنى من الأجور لهم.
ويشدد العمصي، على حاجة فئة العمال لإقرار قوانين وتشريعات تحمي حقوقهم ورقابة رسمية تتيح لهم بيئة آمنة للعمل من خلال حكومة توافق فلسطينية تعاملهم جميعا على قدر المساواة.
وأنعش الاتفاق الأخير بين منظمة التحرير الفلسطينية وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) بتنفيذ اتفاق المصالحة تطلعات العمال بتحسن أوضاعهم المعيشية.
ونص الاتفاق الذي أعلن في 23 من الشهر الماضي في غزة، على تشكيل حكومة توافق خلال خمسة أسابيع وإجراء انتخابات فلسطينية عامة خلال فترة لا تقل عن ستة شهور.
ويقول ماهر الطباع المسؤول في الغرفة التجارية في غزة ل(شينخوا)، إن حكومة التوافق المقبلة تواجه تحديا كبيرا يتمثل في خفض معدلات البطالة المرتفعة في الأراضي الفلسطينية وخصوصا في قطاع غزة.
ويشدد الطباع، على الحاجة إلى وضع خطط إستراتيجية ورؤية مستقبلية حقيقية لإيجاد حلول جذرية للحد من ارتفاع معدلات البطالة والفقر وتفشيها بين العمال الفلسطينيين.
ويؤكد الطباع، على أن أي نهوض في أوضاع العمال يستلزم تحريك الاقتصاد المحلي عبر رفع كافة أشكال الحصار وإدخال المواد الخام التي تكفل تشغيل مختلف المجالات الاقتصادية والصناعية.