لندن ـ وكالات
من أهم المعالم التي ميزت سوق عقارات لندن في العام الأخير تألق الأسعار فيها في الوقت الذي كان التراجع هو السمة السائدة في بقية قطاعات العقار البريطانية. وكانت نسبة كبيرة من الطلب العقاري في لندن من مصادر أجنبية سواء من الشرق الأوسط أو روسيا والصين وأنحاء أوروبا الأخرى. ولاحظ خبراء أن إقبال المستثمرين الأجانب تركز على قطاع الشقق الفاخرة التي حققت أسعارها أرقاما قياسية غير مسبوقة كانت بداياتها من مشروع «وان هايد بارك». ومن المتوقع أن تستمر توجهات الإقبال على قطاع الشقق الفاخرة في لندن هذا العام وفقا لآراء خبراء استطلعت «الشرق الأوسط» آراءهم. ولاحظ مارتن بخيت، الذي يتخصص في بيع العقارات الفاخرة إلى مستثمرين عرب في لندن، أن توجهات المستثمر العربي تحولت من شراء العقارات المرموقة التي قد لا تكون عملية ولكنها تصلح للمظاهر، ويطلق عليها اسم (Trophy) إلى عقارات مفيدة تولد دخلا إيجاريا وليست بالضرورة في المواقع التقليدية التي يشتري فيها العرب في نايتسبريدج ومايفير. فهذه المواقع بلغ من ارتفاع أسعارها أنها لا تكاد تحقق إيرادات إيجارية أكثر من 2 إلى 3% على أكثر تقدير. ويتوجه المستثمرون العرب والأجانب في الوقت الحاضر إلى استثمارات في مواقع جديدة توفر فرصا أعلى لارتفاع قيمة العقار ودخلا إيجاريا بنسب أعلى للمستثمر. وتحافظ هذه الاستثمارات على مستوى الفخامة المعهودة في المواقع التقليدية في العاصمة ولكنها تقام في مناطق جديدة لها مزاياها المتعددة من الارتباط الوثيق بقلب العاصمة من ناحية، وإمكانية النمو السريع كنقاط عقارية ساخنة من ناحية أخرى. من ناحيته يقول روب سوننيغ، مدير شركة «لندن نيوكاسل» العقارية في لندن إن الأنظار تتجه الآن إلى منطقة شرق لندن وخصوصا «كناري وارف» التي تعتبر من المناطق الجديدة للأعمال والسكن. فهناك نحو مائة ألف شخص يعملون في المنطقة، وتصل معدلات الإشغال في العقارات التجارية إلى نحو 95%. وهناك أيضا طلب إيجاري قوي على السكن في المنطقة. وبالتالي ظهر الكثير من المشاريع الجديدة لتلبية هذا الطلب المتنامي. وهو يعتقد أن المنطقة نجحت في اختبار الزمن لأنها تخطت أصعب فترة كساد مرت بها لندن من دون أن تتأثر كثيرا في قيمتها. كما انتهت الآن تهديدات نقل الشركات إلى خارج بريطانيا، إلى مواقع تقل فيها معدلات الضرائب مثل جنيف. وتستفيد منطقة كناري وارف من شبكة مواصلات جيدة من بينها امتداد خط الأنفاق (جوبيلي لاين) وخط القطارات الخفيفة وأيضا مطار لندن سيتي القريب. ويقود الاستثمار في هذه المنطقة مستثمرين من الشرق الأقصى والصين سعيا وراء ارتفاع القيمة الرأسمالية وأيضا العوائد الإيجارية. وهي منطقة تستوعب المزيد من الطلبة الذين يدرسون في بريطانيا ويسعون للالتحاق بمجالات مصرفية أو خدمات مالية. ويتوجه الاستثمار الآسيوي إلى هذه المنطقة لأنها أقل تكلفة من وسط العاصمة وأيضا لأنها توفر عقارات فاخرة ذات عوائد إيجارية عالية. ويتوقع سوننغ أن ترتفع القيمة الرأسمالية لعقارات شرق لندن الفاخرة بنسبة 18.9% بحلول عام 2016. كما أن الإيجارات سوف تنمو بنسبة 16.9% خلال الفترة نفسها. وتعتبر منطقة كناري وارف بعيدة جدا عن نايتسبريدج التي بدأت فيها مشاريع الشقق الفاخرة السوبر التي جذبت انتباه المستثمرين حول العالم. وكان الأخوان كاندي وراء مشروع «وان هايد بارك» الذي حطم الأرقام القياسية في القيم العقارية في لندن وانعكس إيجابيا على بقية أنحاء لندن. ولكن الأخوين كاندي لم يكونا أول من ابتكر فكرة الاستثمار في الشقق الفاخرة فقد سبقهم إليها المستثمر السويدي كلاس نيلسون الذي نفذ الكثير منها في مناطق مثل ساوث كينزنغتون وتشيلسي. واستفاد نيلسون من تجاربه الناجحة في هذا المجال ونفذ أكبر مشروعاته على الإطلاق وهو مشروع «لانكاستر» الذي اشترى فيه أمير خليجي ثلاث شقق متلاصقة في صفقة واحدة قدرها الإعلام البريطاني بنحو 100 مليون إسترليني. وكان الجديد في مشروع «لانكاستر» أن نيلسون انتقل بالعقار الفاخر إلى خارج النقاط الساخنة التقليدية من جنوب هايد بارك إلى شماله، ووجد أن الإقبال على عقاره الفاخر من المستثمر الأجنبي لا يقل حماسة عنه في المواقع التقليدية. وربما كانت تلك هي بداية انطلاق مشروعات الشقق الفاخرة في كافة أنحاء لندن الأخرى. ويقول نيلسون عن مشروعه إنه فريد من نوعه لأنه مشروع مكون من بناء جديد وراء واجهة تقليدية تراثية. والمستثمر يشتري قطعة من تراث لندن مع كل الخدمات الحديثة في موقع يطل على هايد بارك وقريب من مايفير ونايتسبريدج وكنسنغتون. ويوفر المشروع مساحات أفقية واسعة، وهذا غير متاح في معظم المشروعات الأخرى. ويعد نيلسون من كبار الخبراء العقاريين بعد أن قام بتطوير 15 مشروعا في عقارات تاريخية وتكوين فكرة جيدة عما يريده المستثمر الدولي. وهو يعمل حاليا على وضع اللمسات الأخيرة في مشروع آخر في منطقة كنسنغتون. وساهم الكثير من العوامل في زيادة الطلب على عقارات لندن الفاخرة، حيث يقول ليام بيلي من شركة «نايت فرانك» إن أزمة منطقة اليورو دفعت المستثمرين للبحث عن ملاذ آمن في لندن، كما أن موجة الشراء الأجنبي لم تتوقف في لندن وزادت المنافسة من جنسيات آسيوية من الجمهوريات السوفياتية السابقة والصين. وبينما زادت أسعار العقار الفاخر في العام الأخير بنسبة 12% في لندن، إلا أن فئة العقار السوبر حققت نموا منذ فترة الكساد في عام 2009 بلغت نسبته نحو 40% وفقا لإحصاءات «نايت فرانك». وتعلل الشركة ذلك بأن لندن تضم الآن أكبر عدد من الأثرياء بين المدن الأوروبية. ووفقا لأبحاث شركة اسمها «ويلث – إكس» يقطن لندن الآن نحو ستة آلاف ثري لديه أصول سائلة تفوق قيمتها 30 مليون دولار، وبمجموع ثروات يقدر حجمه بنحو 10.7 تريليون دولار. وبالمقارنة لا تضم باريس إلا أقل من نصف هذا العدد (2850)، بينما تضم مدينة زيوريخ السويسرية 1775 ثريا فقط. وتلا مشروع «لانكاستر» مشروع «شارد» الطموح لبناء أكبر ناطحة سحاب في غرب أوروبا تعتبر الآن من معالم لندن السياحية التي تطل على العاصمة من موقع بانورامي من الطابق 72 من ارتفاع ألف قدم. واكتمل المشروع في صيف العام الماضي 2012 وانعكس في صيغة تجديد شامل للحي الذي يقع فيه البرج وشمل محطة قطارات وعشرات المنافذ التجارية والترفيهية. وتعد الناطحة أول مشروع عالمي بهذا الحجم يأخذ في الاعتبار توصيات المعهد الأميركي للمقاييس والتكنولوجيا الذي أصدر توصيات لمنع تكرار انهيار ناطحات السحاب على غرار ما وقع لبرجي التجارة في نيويورك بعد الهجمات الإرهابية في عام 2001. ومنذ بداية عمليات البناء حققت الناطحة «شارد» الكثير من الأرقام القياسية بالفعل، فهي مثلا أول مشروع للمصمم الإيطالي رينزو بيانو في بريطانيا، وهو أول بناء يتم العمل فيه بالتوازي بين قلب المبنى وقشرته الزجاجية الخارجية في الوقت نفسه. وهو المبنى الوحيد الذي استمر فيه صب الإسمنت المسلح بلا توقف لمدة 36 ساعة ثم خلالها صب 5500 متر مكعب من الإسمنت الجاهز. وتبدو أهمية «شارد» أيضا في موقعه جنوب نهر التيمس على الجانب الآخر من الحي المالي، أو «السيتي»، وفي الماضي لم يحظ جنوب النهر بالأولوية في جوانب التطوير والاستثمار العقاري. وتحاول السلطات المحلية في المنطقة تسويق الناطحة على أساس أنها المركز المالي الجديد في لندن. ويصف مصمم «شارد» المبنى بأنه ينبع من الخيال حيث يرتبط بالأرض ويعكس الطقس ويعانق السماء. ويقول جيمس سيللر، الرئيس التنفيذي لمجموعة سيللر التي تبني الناطحة أن التأثير الجانبي للمبنى العملاق سوف ينعكس على المنطقة بأسرها. وهو يؤكد أن الجهود التي تبذلها مجموعة سيللر الآن تنصب على الحفاظ على شخصية الموقع والحفاظ على تراث المنطقة. وهناك الكثير من المشروعات الأخرى التي تتوجه إلى المستثمر الدولي من لندن من بينها: - مشروع «هيرون»: وهو يقع في شرق لندن ويقدم أعلى مستويات الفخامة في شقق سكنية يمكن الاستثمار فيها للإقامة أو التأجير. ويقدر مارتن بخيت القيمة الإيجارية بنحو 5% من قيمة الاستثمار في هذا المشروع. وهو يجاور الكثير من المصارف وشركات المحاماة العالمية ولا ينافسه في الموقع سوى مشروع «باربيكان» الذي مضى عليه أكثر من نصف قرن ولم يعد يوفر المعايير التي يطلبها المستثمر العصري. وتؤكد مصادر السوق وجود الطلب الإيجاري على المشروع نظرا لوجود عدد كبير من الشركات في الحي نفسه، وسهولة الوصول إلى الموقع لأنه يجاور محطة مترو الأنفاق «مورغيت». ومن المتوقع أن يكتمل المشروع في ربيع عام 2013. ويقول عنه جيرالد رونسون، المدير التنفيذي لشركة «هيرون» الدولية إنه يشعر بفخر خاص لتنفيذ هذا المشروع أكثر من أي مشروع آخر خلال فترة خبرته العملية في مجال العقار على مدى 50 عاما. -وذلك لأن المشروع حقق مستويات غير مسبوقة من الفخامة من حيث التجهيز الداخلي والمشاهد الخارجية للمبنى على مدينة لندن. وتتميز الشقق الباقية للبيع في المشروع بأنها توفر مزجا جيدا بين إمكانية النمو في القيمة الرأسمالية وتوفير عوائد إيجارية جيدة بمقاييس هذه المنطقة من لندن. وتقول مصادر السوق إن معظم الشقق الفاخرة، من مجموع 285 شقة، قد بيع بالفعل. - مشروع شقق «فيتزروفيا»: وهو يقع بالقرب من ريجنت بارك حيث موقع مسجد لندن الرئيسي. ويوفر المشروع فرصة شراء شقق «بنتهاوس» جديدة على أعلى مستويات التشطيب وفي موقع قريب من منطقة التسوق في غرب لندن. ولكن أبرز مميزات شقق هذا المشروع أنها لا تحمل أسعار مايفير. وتستفيد المنطقة من بعض المشاريع الكبرى للمواصلات في العاصمة مثل مشروع «كروس ريل»، مما يجعلها من أفضل 5 مواقع عقارية على مستوى لندن. - مشروع «دولار باي»: وهو مشروع يتكون من 31 طابقا صدرت له تراخيص البناء ويقع في منطقة كناري وارف في شرق لندن. قام بتصميم المشروع المعماري ايان سيمبسون لبناء 121 شقة فاخرة. ويوفر المشروع خدمات «كونسيرج» على مدار الساعة وقاعة سينما خاصة بالسكان، وقاعات خاصة للطعام بالإضافة إلى استوديو للرياضة وحدائق وأماكن آمنة لصف السيارات في طابق تحت الأرض. ويوفر البرج مشاهد على نهر التيمس من ناحية وعلى القرية الأوليمبية وقبة «أو 2» من ناحية أخرى. وبالإضافة إلى هذه الوحدات الفاخرة يوفر المشروع أيضا 59 شقة شعبية، أيضا من تصميم سيمبسون، لخدمة المنطقة التي يقع فيها. ويعتقد سيمبسون أن «دولار باي» سوف يكون مشروعا متميزا يوفر وحدات سكنية فسيحة وفاخرة، وأنه سوف يكون من معالم أبراج لندن في المستقبل.