لندن – العرب اليوم
كشفت مصادر بريطانية رفيعة المستوى أن مناقشات مكثفة تجرى حاليا بين كبار المسؤولين في وزارة المالية البريطانية بشأن بحث إمكانية بدء مباحثات مع دول مجلس التعاون الخليجي لتوقيع اتفاقية للتجارة الحرة بين الطرفين.
وأطلعت المصادر البريطانية صحيفة "الاقتصادية" على الانتهاء من إعداد دراسة أولية من قبل المعنيين بهذا الشأن في الوزارة، حول ما يمكن أن تحققه تلك الاتفاقية من نتائج إيجابية على الاقتصاد البريطاني، ومقدار ما تمثله الفوائد الناجمة عنها من تعويض نسبي عن الخسائر التي سيتعرض لها الاقتصاد البريطاني جراء الخروج من الاتحاد الأوروبي.
وأفادت المصادر البريطانية أنه سيتم خلال الأسابيع المقبلة عرض تفاصيل الدراسة – بعد توسيع نطاقها - على وزير المالية الجديد فيليب هاموند، حيث سيقوم الوزير البريطاني - إذا ما وافق على المقترحات المعروضة عليه في الدراسة - بجولة خليجية انطلاقا من الرياض خلال الأشهر المقبلة، في محاولة لإقناع الجانب الخليجي بأهمية الاتفاقية للطرفين.
وأشارت تلك المصادر إلى أنه لا يوجد خلاف بين كبار المسؤولين البريطانيين، بشأن ضرورة المبادرة وإجراء محادثات مع مجلس التعاون الخليجي بشأن إمكانية توقيع اتفاق للتجارة الحرة بين الطرفين، إلا أن هناك تباينا في وجهات النظر داخل الوزارة حول توقيت طرح هذا المقترح على بلدان مجلس التعاون.
ويدعو التيار المنادي بأهمية تعزيز علاقات بريطانيا مع دول المجلس إلى الإسراع بقيام وفد من الوزارة بزيارة للدول الخليجية تمهيدا لقيام الوزير البريطاني بزيارته والبدء في مناقشات جادة بشأن توقيع الاتفاقية.
إلا أن هناك تيارا قويا يضم عددا من كبار المسؤولين في كل من وزارة المالية والخارجية البريطانيتين يطالب بعدم تشتيت الجهود في الوقت الحالي، والتركيز على مناقشة توقيع بريطانيا اتفاقية للتجارة الحرة مع الصين والهند أولا، قبل الإقدام على مناقشة الأمر مع بلدان مجلس التعاون الخليجي، ويشير هذا التيار إلى أن إقدام بريطانيا على بحث إمكانية توقيع اتفاقية للتجارة الحرة مع بلدان المجلس دون أن تكون قد وقعت اتفاقيات مشابهة مع دول أخرى يعطي المجلس قدرة تفاوضية أعلى ويجعله في مركز قوي.
ويعتقد الداعون لفتح مباحثات مع مجلس التعاون الخليجي في أسرع وقت ممكن، على أمل توقيع اتفاقية للتجارة الحرة، أن حجم التبادل التجاري الراهن بين المملكة المتحدة وبلدان المجلس الذي يبلغ نحو 22 مليار جنيه استرليني، ويصب فيه الميزان التجاري لصالح بريطانيا سيشجع البلدان الخليجية على التفاوض، والوصول إلى قواسم مشتركة بين الجانبين والإسراع بالتوقيع.
وأفادت المصادر البريطانية بأن الاتجاه الراهن داخل وزارة المالية البريطانية يشير إلى أنه من الأسهل على بريطانيا بدء مباحثات مع دول المجلس بدلا عن الصين من منطلق أن توقيع اتفاقية تجارة حرة مع الصين سيتطلب خمس سنوات على الأقل، وهناك عديد من المشاكل مثل أن تقوم بكين بإغراق الأسواق البريطانية بالسلع الرخيصة مثل الصلب على سبيل المثال، وهذا النوع من التحدي يغيب في حالة مجلس التعاون الخليجي.
كما أن هناك قناعة أميركية - بريطانية بأن التغول الصيني على البلدان الصغيرة في منطقة بحر الصين الجنوبي، قد يسفر عنها احتكاكات عسكرية، وعلى لندن أن تتخذ موقفا من هذا الشأن، وإذا ما تبنت مواقف معادية أو رافضة للسلوك الصيني، فسينعكس ذلك على العلاقات التجارية والاستثمارية بين البلدين، ومثل هذا السلوك مستبعد في وضعية مجلس التعاون الخليجي.
وأوضح روجر ألمون الخبير الاقتصادي، للصحيفة أن توقيع اتفاقية للتجارة الحرة بين بريطانيا ومجلس التعاون الخليجي باتت في الأغلب قضية وقت، فالمفاوضات بين مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي بشأن اتفاقية للتجارة الحرة متوقفة منذ عام 2008، ومن ثم لن يبدأ الطرفين من نقطة الصفر، فهناك شوطا تم إنجازه في السابق وسيتم البناء عليه سريعا، خاصة أن خروج بريطانيا من النادي الأوروبي يمنحها الكثير من حرية الحركة وتوقيع الاتفاقيات التجارية التي تحقق مصالحها الخاصة. وأشار ألمون إلى أن المفاوضات لن تكون بالسهولة التي يعتقدها البعض، فالظرف الاقتصادي الراهن، والمتاعب الاقتصادية التي تمر بها بريطانيا حاليا، تجعل المسؤولين في مجلس التعاون الخليجي على قناعه بأن موازين القوة النسبية بينهم وبين لندن تصب في صالحهم، وستمكنهم من فرض شروطهم التجارية على المملكة المتحدة لتحقيق مصالحهم، وبالطبع فإن الجانب البريطاني يريد تفادي ذلك سواء عبر توقيع اتفاقيات تجارة حرة مع لاعبين دوليين أكبر حجما مثل الصين أولا، بحيث يكون الاتفاق المماثل مع بلدان الخليج مكمل للمنظومة التجارية الجديدة لبريطانيا، وليس حجر الزاوية فيها.
إلا أن لويس بلاك الباحث الاقتصادي يعتقد أن سلوك دول مجلس التعاون الخليجي يكشف عن رغبة في توقيع اتفاقية للتجارة الحرة مع بريطانيا ولكن ضمن إطار أوسع من حصر العلاقات في جوانب التعان التجاري .
وأضاف، أن التيار الداعي إلى سرعة توقيع اتفاقية للتجارة الحرة مع مجلس التعاون سيكون أكثر قدرة على إقناع الحكومة البريطانية، فبلدان المجلس ترغب في تعميق آفاق العلاقات الاستراتيجية بينها وبين بريطانيا، وعلى الرغم من متانة العلاقات التجارية والاستثمارية بين الجانبين حيث تحتل استثمارات المملكة المتحدة في دول المجلس المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة، إلا أن توقيع اتفاقية للتجارة الحرة بين الطرفين سيمثل نقلة نوعية في آفاق التعاون الثنائي، وهذا حتما سيدفع إلى التزامات أخرى ذات طابع أمني وعسكري من قبل بريطانيا تجاه بلدان المجلس، في حالة توقيع تلك الاتفاقية، ومن ثم فإن نجاح الطرفين في التوصل إلى اتفاقية تجارة حرة مرضية للجانبين يعني عمليا تدشين مرحلة جديدة من التعاون الاستراتيجي.