الذهب

لا شيء يميز هذا الموزع الالي من الخارج عن الاجهزة الاخرى المنتشرة بكثرة في شوارع اسطنبول، لكن هذه الالة توزع فضلا عن الاوراق النقدية ايضا الذهب، المعدن الثمين الذي يلقى رواجا في التقاليد التركية وتطمع به مصارف البلاد.

وتقدر احتياطات الاتراك من المعدن الاصفر بحسب التقديرات ب3500 طن.

ومنذ قرون، يتم تناقله بشكل مجوهرات او قطع عند حصول قران او ولادة. لكنه يخبأ في المنازل ايضا تحسبا للايام الصعبة حتى في زمن التأمينات على الحياة وحسابات الادخار الاخرى.

ففي العام 2007 اعطى المصرف الكويتي التركي اشارة الانطلاق لتهافت جديد على الذهب طامحا الى وضع اليد على هذه الثروة.

واوضح سيدا يلماظ الذي اطلق المشروع "لقد فكرنا في افضل طريقة لاعادة دمج كل ذلك في المنظومة وقررنا فتح حسابات بالذهب"، مضيفا "لذلك اشترينا كلغ من الذهب ومن اليوم الاول طلب زبائننا منا ثلاثة كلغ. وهذا دليل على اتخاذنا القرار الصائب".

وبعد ثمانية اعوام، بات المصرف الاسلامي يضم مئتي الف حساب يمكن لاصحابها ان يودعوا فيها ما يملكونه من الذهب واطلق حزمة منتجات تسمح بشراء المعدن الثمين او بيعه ودفع ثمنه بتحرير شيك او من خلال حوالة او الهاتف الجوال.

وفي سابقة عالمية يملك المصرف شبكة من 300 موزع آلي تسمح ليس بسحب اوراق نقدية فحسب بل ايضا قطع من الذهب بزنة غرام واحد او 1,5 غرام.

ونجاح المصرف الكويتي التركي اثار الكثير من المطامع. واصبح هناك اليوم مصارف تركية عديدة تستثمر المعدن نفسه. وارتفع وزن الاحتياطات من الذهب المودعة في خزائنه من طنين في 2007 الى نحو 250 طنا.

وعلى غرار المؤسسات المالية ادركت الحكومة بسرعة اهمية مدخرات مواطنيها.

ففي العام 2011، حرك البنك المركزي كل القطاع من خلال سماحه للمؤسسات التجارية باقتناء قسم من احتياطاتها الالزامية بالذهب والسماح لها بجمع المعدن الاصفر من المواطنين. وحقق ذلك النجاح.

وقالت ايسن ايسن التي تدير اقدم مصنع لتنقية الذهب في البلاد بابتهاج "بفضل هذا التدبير ارتفع رقم اعمالنا بنسبة 85% العام الماضي"، مضيفة "وخلال العامين الاخيرين استحوذت المصارف على 40 طنا من الذهب الذي كان يحتفظ به في المنازل" و"ذلك ليس سوى جزء صغير جدا من الاحتياطات".

وفي البلاد حيث عاش الملك ميداس الذي كان يحول كل ما يلمسه الى ذهب في الميثولوجيا الاغريقية، ازدهرت ايضا الصناعة المنجمية التركية. وارتفع انتاجها من الذهب من طنين في 2002 الى 33,5 طنا. وفي هذا القطاع ايضا يبدو المستقبل واعدا جدا مع احتياطات في باطن الارض تقدر ب6500 طن.

وقال علي بولوط رئيس مجلس ادارة التنباس التي تعد المجموعة الاولى في بيع الذهب في تركيا "ان السبب الرئيسي لهذا الازدهار هو انه لا يوجد رسوم على صفقات الذهب الخام"، مضيفا "انني متفائل جدا بشأن وضع الطلب على المدى الطويل".

وبالرغم من تأثير تقلبات الاسعار حتى الان على النشاط والارباح، فان الاتراك صنفوا في المرتبة الرابعة لمستهلكي المعدن الاصفر في العالم بمعدل وسطي قدره 181 طنا سنويا وفي المرتبة الثانية للمصدرين.

ولخص اليستير هويت كاتب تقرير اخير نشره مجلس الذهب العالمي الذي يمثل المتعاملين بالذهب في العالم ان عمليات "انتاج واستهلاك وتدوير الذهب حققت رقم اعمال بلغ 3,8 مليار دولار للاقتصاد التركي".

واضاف هويت "انها مساهمة هامة جدا" تقدر ب4,6% من اجمالي الناتج الداخلي التركي.

الى ذلك، عبر الصاغة الاتراك الذين يشعرون ببعض الغيرة من النجاح الذي حققته المصارف في سوق كان محصورا بهم الى حد كبير، عن نيتهم في استحواذ حصتهم من هذا القطاع المربح.

وقال مسؤول في غرفة صاغة اسطنبول "اننا محبطون قليلا اليوم". واستطرد "ينبغي اعتماد قانون جديد يسمح للصاغة بدلا من المصارف بجمع الذهب"، مضيفا "ان الصاغة يحظون بثقة زبائنهم وبامكانهم ادخال مزيد من الذهب في المنظومة".

وقال هويت "لسنا سوى في البداية والتوقعات مغرية جدا جدا"، مؤكدا "ان تركيا تملك كل المزايا لفرض نفسها بسرعة مركزا اقليميا لسوق الذهب".