لندن ـ وكالات
أخيرا بدأ مستثمرو الذهب يشعرون بحالة من العصبية. فبعد انطلاق المعدن الأصفر في رحلة صعود دامت عشر سنوات، عاد وتراجع هذا الأسبوع إلى أدنى مستوياته منذ تموز (يوليو) الماضي، منخفضا أكثر من 300 دولار عن مستوى قياسي بلغ أكثر من 1900 دولار للأونصة في عام 2011. وتسبب تعهد ماريو دراجي، رئيس البنك المركزي الأوروبي، بالقيام ''بكل ما يلزم'' لحماية اليورو في تقويض المعادن الثمينة خلال العام الماضي. ولأن المزاج بين المستثمرين استمر في التحسن خلال عام 2013، وضع تجار الذهب في الحسبان شيئا آخر، هو احتمال أن يلغي انتعاش اقتصادي عالمي الحاجة إلى دور البنك المركزي الذي عزز ارتفاع المعدن مؤخراً. وكان الذهب عند 1579 دولارا أمس الأول، بعدما لامس أدنى مستوى له عند 1554.49 دولار في التعاملات المبكرة. ويقول دانيال بريبنير، رئيس قسم أبحاث المعادن في دويتشه بانك: ''إذا كنا نبحث الآن عن الموقف المستدام في الولايات المتحدة دون السياسة النقدية فائقة التكيف، فمن المؤكد أن دور الذهب في موضع شك من المنظور الهيكلي''. ويضيف: ''إذا كان هذا هو الحال، فمن الممكن القول إن الدورة طويلة الأجل في سوق الذهب خلال الفترة من 2001 وحتى الوقت الحالي، من المرجح جداً أن تصل إلى نقطة انعطاف''. وعلى السطح، هناك كثير من الأسباب للعصبية بشأن آفاق الذهب. فقد ارتفعت الأسهم العالمية بقوة هذا العام، وتشير بيانات تدفق الأموال إلى أن المستثمرين بدؤوا في تدوير الأصول التي تُعتبَر ملاذات في المناطق ذات المخاطر العالية في الأسواق. وهذا تحديدا هو النبأ السيئ بالنسبة للذهب، الذي على عكس السندات، لا يقدم أي فائدة. ولاحظ أحدث محضر لاجتماعات مجلس الاحتياطي الفيدرالي حول السياسة النقدية، الذي صدر يوم الأربعاء، ارتفاعا في أسعار الأصول، واقترح تهدئة شهية البنك المركزي الأمريكي لشراء الأصول مفتوحة النهاية. وخلال الأزمة المالية تبع أداء الذهب ارتفاعا في موازنة البنك الاحتياطي الفيدرالي. واحتمال خروج البنك المركزي المبكر من تدابير الطوارئ دفع بالذهب إلى أدنى مستوى في تسعة أشهر. وفي الأسابيع الأخيرة تعزز الدولار أيضاً على حساب الذهب، الذي يتم تسعيره بالعملة الأمريكية. ويقول جون بيرجثيل، محلل المعادن والتعدين في سيتي جروب: ''لسنوات عديدة استفاد الذهب من دوره ضامنا ضد المخاطر الشاملة، واستفاد من علاقته السلبية مقابل الدولار''. ويضيف: ''ولم يعد أي من هذين العاملين يشكل ميزة، لذلك وللمرة الأولى منذ فترة يتعين علينا أن ننظر في العرض والطلب ومن الصحيح أن نسأل عن المدى الذي يمكن أن يصل إليه الانخفاض''. وبالنظر في سلوك المستثمرين مؤخراً، هناك أسباب أخرى تدعو للقلق بشأن قوة الارتفاع الأخير في الأسعار. فالحماس للذهب خلال الأزمة المالية تزامن مع تزايد استخدام صناديق الاستثمار المتداولة للحصول على وصول سهل إلى فئات ومعايير الأصول. ونتيجة لذلك تم الاحتفاظ بأكثر من ألفي طن من الذهب في شكل سبائك لدى صناديق الاستثمار المتداولة، وبصورة رئيسة من قِبَل المستثمرين الذين استخدموا الأموال للتحوط ضد التضخم. ويقول بيرجثيل: ''هذه هي المرة الأولى التي تضطر فيها فئة أصول من السلع إلى النظر في حسابات من هذا النوع''. ويضيف: ''ثمة إمكانية لأن يتم غمر للسوق بالمعدن إذا خرج المستثمرون من تلك الصناديق''. لكن مصدر الطلب المادي على الذهب يمكن أن يتغير ببساطة. فحكومة الهند، وهي واحدة من أكبر مصادر الطلب على الذهب في العالم، تحاول خنق الطلب للحد من العجز المتزايد في الحساب الجاري. لكن الطلب في الأسواق الناشئة بشكل عام ظل قوياً خلال الأزمة المالية. وبينما ينضج الاقتصاد الصيني وتزيد طبقته الوسطى من استهلاكها للسلع الكمالية، فمن المتوقع أن يرتفع الطلب على الذهب في البلاد. كذلك برزت البنوك المركزية في الأسواق الناشئة مشترية للذهب بشكل كبير في السنوات الأخيرة باعتباره وسيلة للتحوط ضد مخاطر التضخم التي أضعفت من قيمة الدولار في الاحتياطيات. وكما يقول بريبنير ''على الهامش كان المستثمر المالي الغربي هو المساهم الأكثر أهمية بالنسبة للطلب على الذهب في السنوات الأخيرة، لكن هذا الوضع يتغير الآن''. وبالنسبة لعديد من المستثمرين، من السابق لأوانه القول بانتهاء موجة صعود الذهب. ويستند المتفائلون إلى ضعف الانتعاش الاقتصادي العالمي واحتمالات ألا تكون البنوك المركزية، خصوصا الاحتياطي الفيدرالي، قادرة على مقاومة مزيد من التسهيل النقدي. ويقول بريبنير: ''شهدنا في الماضي أنه إذا كان هناك أي تمرير لأي من المؤشرات التي تحسنت، فإن البنك الاحتياطي الفيدرالي يظل هناك، الأمر الذي من شأنه أن يكون جيدا للذهب''. ويجادل مؤيدون آخرون للسبائك بأن حدوث تدفقات خارجة كبيرة من صناديق الاستثمار المتداولة المادية يُعتبَر أمرا غير محتمل. ومع أسعار الفائدة عند أدنى مستوياتها التاريخية، ومع وجود علامات قليلة حتى الآن على تغيير مسار البنوك المركزية الكبرى، فإن تكلفة فرصة الاحتفاظ بالذهب مقابل السيولة النقدية ما زالت منخفضة. ويقول جيك جرينبرج، محلل المعادن والتعدين في ''جيفريز'': ''حتى نرى ارتفاع أسعار الفائدة (...) لن يشعر المستثمرون بأنهم مجبرون على بيع ممتلكاتهم من الذهب بشكل منخفض، لذلك نحن نعتقد أن سعر الذهب يجب أن يتعافى من المستويات الحالية هذا العام''.