أقر البنك المركزي الهندي خلال اجتماعه في 19 آذار،مارس، تخفيض سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس، بهدف تحفيز النمو وزيادة الاستهلاك والاستثمار. وشهدت الهند انخفاض معدل نموها مجدداً في الربع الثالث من السنة المالية الحالية (الربع المنتهي في ديسمبر)، ليصل إلى 4.5%، منخفضاً من 5.3% في الربع السابق. وذلك على الرغم من الارتفاع البسيط في مؤشر أسعار الجملة، المقياس الأساسي للتضخم في الهند، خلال الشهر السابق، حيث ارتفع من 6.6% على أساس سنوي في يناير، إلى 6.8%. ووفر مستوى التضخم الذي كان إما ثابتاً أو متراجعاً منذ أكتوبر 2012، فرصة جيدة للبنك المركزي لتخفيض سعر الفائدة، في أقل من شهرين. إلا أنه من غير المرجح أن يشهد الاقتصاد الهندي أي انخفاض إضافي في سعر الفائدة في الوقت القريب، حيث تستمر المعدلات العالية للتضخم، بالإضافة إلى العجز المرتفع في الحساب الجاري، الذي يعود إلى العجز الكبير في الميزان التجاري، وتدني مستوى الاستثمارات. ولهذا قد تواجه الحكومة ضغوطاً إضافية بهدف مواصلة تطبيق إصلاحاتها الهيكلية التي بدأت بالعمل عليها في سبتمبر 2012، وتخفيض عجز الموازنة الذي يشكل بدوره ضغوطاً تضخمية عبر تشجيع الاستثمار وتخفيف تدفق الاستثمارات. وبرغم الوعود بتخفيض العجز المالي في السنة المالية القادمة، سيكون الإنفاق المالي مرتفعاً. هذا لأن الهند بحاجة لسياسات داعمة للنمو، وأيضاً لأن حكومة رئيس الوزراء سينج تحتاج أن تنفق لتحوز على دعم الشعب قبل الانتخابات القادمة في أوائل عام 2014، وخصوصاً بعد استقالة عدد من وزراء ثاني أكبر الأحزاب في الحكومة الائتلافية الهندية، حزب "د.ام.كي". وترى دانا الفقير، محللة اقتصادية في آسيا للاستثمار أن البنك المركزي الهندي يستخدم سعر الفائدة على اتفاقات إعادة الشراء كسعر الفائدة الأساسي، وهو السعر الذي تقترض فيه البنوك الروبية الهندية من البنك المركزي. ويستخدم هذا السعر كذلك كمرجع للقروض التي تتم بين البنوك، وكمرجع لحجم الودائع المطلوبة من قبل البنوك. وعن طريق خفض سعر الفائدة، يتوجه البنك المركزي الهندي نحو جعل القروض أرخص كلفة والودائع أقل جاذبية، مما يعزز من السيولة في السوق. قد يعتبر التخفيض الثاني مكافأة ثانية للحكومة، بعد أن أخذت موقفاً أكثر نشاطاً في اعتماد الإصلاحات الهيكلية الضرورية لتحفيز النمو، حيث أعلنت في سبتمبر الماضي عن سماحها لمتاجر التجزئة الأجنبية بدخول السوق الهندي، وسمحت بالمزيد من الاستثمارات الأجنبية في قطاعي الطيران والاتصالات، بالإضافة إلى رفع جزئي تدريجي لسعر الديزل بهدف خفض الدعم النفطي. وأعلن وزير المالية الهندي، تشيدامبارام، عن مفاجأة ارتفاع في المصروفات العامة يبلغ 16%، بهدف تنشيط الاقتصاد، ضمن خطة موازنة تركز على النمو للسنة المالية القادمة، وذلك خلال اجتماع لجنة الموازنة الشهر الماضي. كما وعد الوزير بالعمل على تخفيض العجز المالي من 5.2% من الناتج المحلي الإجمالي خلال هذا العام، إلى 4.6% في السنة المالية القادمة التي تبدأ في 1 أبريل، عن طريق فرض ضرائب جديدة على الأغنياء وعلى الشركات الكبيرة. وقد يبدو أن المستوى المستهدف للعجز المالي غير واقعي. حيث يعتمد تحقيق هذا المستوى على معدل النمو المطلوب، الذي يتراوح بين 6.1% و6.7%، وهو هدف عال جداً، قد لا يمكن الوصول له قريباً، إذا ما واصل ضعف مستويات الاستهلاك المحلي والخارجي، ومستويات الاستثمار الضعيف تأثيرها على النمو. وتأتي هذه الخطوة في السيطرة على العجز المالي وعجز الحساب الجاري، في غاية الأهمية، لتجنب تخفيض التصنيف الائتماني وخسارة الفرص الاستثمارية للهند. وهذا ما يقود إلى السبب الثاني للتوقف المتوقع للتخفيضات في سعر الفائدة، وهو السيطرة على عجز الحساب الجاري. حيث قد تفاقم التخفيضات الإضافية لسعر الفائدة من مستوى العجز، عبر زيادة الاستهلاك وارتفاع الطلب على السلع المستوردة، وكبح التدفق الائتماني الأجنبي. وينتج بالتالي، ضعف الروبية الهندية، وارتفاع التضخم. وفيما تشهد الهند تحسناً تدريجياً ملحوظاً على مستوى السياسات والإصلاحات الهيكلية، لا يزال هناك مجال للتقدم. فيجب على الحكومة أن تتبنى إجراءات أكبر من جانب العرض، للتخلص من ارتفاع مؤشر أسعار الجملة بشكل كبير ومستمر، وسعر الفائدة المرتفع، وبالتالي معدل النمو المنخفض. ولكن مع الانتخابات التي تحين إلا بعد عام واحد فقط، ومع الحزب الحاكم الذي بدأ يفقد شعبيته، تقل احـــتمالية على إصلاحات فعلية في الهند.