أبو ظبي ـ العرب اليوم
أعلن مشروع "كلمة" للترجمة التابع لهيئة أبوظبى للسياحة والثقافة الترجمة العربية عن أصدار كتاب "جدلية الدين والتنوير" للفيلسوف الألمانى جورج فلهالم فريدرش هيجل، ونقله إلى العربية الدكتور أبو يعرب محمد الحبيب المرزوقى من تونس.
يحتوى الكتاب على قسمين: الأول يدرس التدرج المعرفى الإنسانى الذى يتكون منه الوعى الدينى عند الإنسان فى علاقته بكل ممارسات الإنسان العملية والنظرية. والثانى يدرس أدلة وجود الإله من حيث هى مراحل الترقى الإنسانى وتجاوزه المتناهى والفانى إلى اللامتناهى والباقى. وتعد محاولة هيجل لمناقشة العلاقة بين الدين والتنوير أهم أسس سعيه لتأسيس فلسفة الدين.
فالفهم السىء لكلا المفهومين الدين والتنوير جعلهما يبدوان وكأنهما متناقضان. ذلك أنه إذا كانت غايات التنوير هى تحرير الإنسان من التبعية لأى سلطان مسلط على ضميره وفكره فإنه بهذا المعنى يعد من جوهر الدين رغم أنه يبدو متناقضا معه. ذلك أن سعى بعض التنويريين إلى بناء هذه الثورة الخلقية على التناقض بين العقل المقصور على التحليل والحساب والنافى لأسرار الوجود التى يشير إليها الدين جعله وكأنه ناف للدين نفيا جوهريا. كما أن سعى بعض رجال الدين إلى تأسيس الدين على التسليم لسلطة روحية مهيمنة على الوعى والضمير وتدعى العلم بأسرار لا ينفذ إليها العقل الإنسانى جعل مهمة تأسيس فلسفة الدين شبه مستحيلة.
لذلك فهيجل يحاول تجاوز هذا التناقض السطحى لينفذ إلى الأعماق من خلال مناقشة مفهوم العقل ليميز فيه بين الحصاة (Verstand) والنهى (Vernunft) ومناقشة مفهوم الدين ليثبت أن الصدام المزعوم بينه وبين العقل علته هذان الموقفان المتطرفان فى فهم الدين والعقل فى آن. وقد اقتضت عملية تأسيس فلسفة الدين تقديم علاجين متوازيين:
الأول فلسفى مفهومى خالص يناقش فيه هيجل نظرية المعرفة ومفهوم العقل ومراحل تدرجه التى تبين الحاجة إلى الفلسفة النقدية وإلى تجاوزها بتحديد دورها فى التنوير الواعى بشروط حرية الضمير والوعى الذى لا يستثنى المتعاليات الروحية والعقلية.
الثانى تاريخى أنثربولوجى يناقش فيه هيجل مراحل تكون الوعى الدينى وتدرجه نحو الوصل المتين بين التجربتين الروحية والمعرفية فى سعى الإنسان لتنزيل القيم فى التاريخ الفعلى متدرجا من الأديان الطبيعية إلى الأديان المنزلة.
وبذلك ففلسفة التاريخ الهيجلية هى فى الحقيقة محاولة لبيان سعى الإنسانية لتحقيق غايتين تبدوان متعارضتين:
أولاهما هى السمو إلى ما يتعالى على المباشر والمتناهى من وجوده الدنيوى فى مستوى الممارسة المعرفية النظرية والعملية وفى مستوى العلاقات السياسية والاقتصادية تعينا للقيم والأخلاق.
والثانية هى تنزيل المتعاليات لتحل فى المباشر والمتناهى من وجوده الدنيوى حتى يصبح هذا الوجود نفسه محكوما بالقانون والأخلاق (سياسة تنظيم الحياة الدنيوية) وبحرية الإنسان وتعاليه على كل تناه ومباشرة لكونه كائنا مفكرا يمثل المكلى المتعين أو المفهوم الحى.
ولد مؤلف الكتاب جورج فلهالم فريدرش هيجل فى 27 من أغسطس سنة 1770 وتوفى فى 14 من نوفمبر سنة 1831. هيجل هو آخر الفلاسفة بالمعنى الموسوعى. المعنى الذى بدأ بعلاقة نقدية بين أفلاطون وأرسطو، وختم بعلاقة نقدية بين كانط وهيجل، وتنقسم حياة هيجل الفكرية إلى مرحلتين أساسيتين هما:
-ما قبل كتابه "فينومينولوجيا الروح" سنة 1807 غاية لتكوينية تميزه الفكرى.
ما بين الفينومينولوجيا وكتابنا هذا أى "الدروس فى فلسفة الدين" غاية لإبداعاته الفكرية الثورية إذ أسس لفرع جديد فى الفكر الفلسفى هو فلسفة الدين.
ولد مترجم الكتاب الدكتور أبو يعرب محمد الحبيب المرزوقى فى بنزرت فى عام 1947. وهو أستاذ الفلسفة اليونانية والعربية فى الجامعة التونسية. عمل معارا فى الجامعة العالمية الإسلامية فى ماليزيا. وادار معهد الترجمة فى الأكاديمية التونسية بيت الحكمة.
بدأ بتدريس الفلسفة اليونانية عامة والأرسطية خاصة. وألف فيها كتاب منزلة الرياضيات فى علم أرسطو وثم ختم حياته بالتخصص فى الفلسفة الألمانية التى كتب عنها بعض المقالات وترجم منها عدة مصنفات لعل أهمها كتاب "الأفكار" لهوسرل الذى نال عنها جائزة الشيخ زايد للكتاب. كما ترجم عن الفرنسية لبيار دوهام "مصادر الفلسفة العربية" وعن الإنجليزية كتاب "كواين بسيط المنطق".