الرباط ـ وكالات
حظي موضوع فتح الأندلس باهتمام بالغ من طرف المهتمين بتاريخ الأندلس، لكنه ومع كثرة ما كتب حوله، يظل موضوعا غامضا، يختلط فيه التاريخ بالأسطورة لقلة المصادر من جهة، ولتضارب الروايات من جهة أخرى. فهل من الممكن كتابة تفاصيل الفتح الإسلامي للأندلس؟ هل يمكن إعادة ترتيب أحداث هذا الفتح وإزاحة الغموض عنها؟ وهل الممكن الاعتماد على المصادر العربية بعد كل النقد الذي تعرضت له على يد المستعربين؟ هذه هي الإشكالات التي حاول المؤلف الإجابة عليها في هذا الكتاب المعنون ب: ‘فتح الأندلس، والتحاق الغرب بدار الإسلام، موسى ابن نصير وطارق ابن زياد’ هذا العنوان الطويل يشي بأن المؤلف سيحاول الوقوف عند العديد من القضايا المرتبطة بفتح الأندلس، وبالشخصيات التي شاركت فيه، وبنتائجه البالغة الأثر. لقد صدر الكتاب حسبما صرح مؤلفه بمناسبة الذكرى 1300 لفتح الأندلس، ودخول الإسلام إلى شبه الجزيرة الأيبيرية، تلك الذكرى التي مرت بصمت باستثناء بعض الجهود المحتشمة والفردية في الغالب وخصوصا في المغرب وإسبانيا. لقد صدر الكتاب أواخر سنة 2011 عن مؤسسة الإدريسي المغربية الإسبانية، والمركز الثقافي الإسلامي ببلنسية باللغتين العربية والإسبانية. وهو يقع بالنسبة للنسخة العربية في 159 صفحة من القطع المتوسط. أما عن مؤلفه فهو الباحث المغربي أحمد الطاهري، المتخصص في تاريخ الغرب الإسلامي خلال العصور الوسطى، والذي صدر له لحد الآن أكثر من عشرين كتابا، وأكثر من مئة دراسة. يقع الكتاب في ثمانية فصول قسم كل واحد منها إلى نقاط فرعية. - الفصل الأول وعنوانه: ‘موسى بن نصير في ميزان التاريخ’، خصصه المؤلف لشخصية موسى ابن نصير، محاولا رسم صورة لهذه الشخصية الإشكالية، وذلك من خلال الوقوف على الأصل العرقي – حيث بين الباحث وبالاستناد إلى مجموعة من المصادر العربية، أن موسى ابن نصير ليس عربي الأصل كما كان يعتقد، بل من أعاجم العراق – وأيضا على الخصال الشخصية، والحنكة السياسية، لهذا الرجل الذي لعب أدوار مهمة في تاريخ الغرب الإسلامي خلال عهوده المبكرة. - الفصل الثاني وعنوانه: ‘شمال إفريقيا بين الدين والدولة’، خصصه المؤلف للأوضاع السياسية والدينية بإفريقيا الشمالية بعيد الفتح الإسلامي، وذلك من خلال الوقوف على الانقلاب الذي قام به موسى بن نصير على الوالي حسان بن النعمان، وعلى نتائجه على علاقات الفاتحين بالقوى المحلية في إفريقيا الشمالية. - الفصل الثالث وعنوانه: ‘موسى بن نصير بالمغرب الأقصى’، تناول فيه المؤلف السياسة التي اتبعها الولي موسى ابن نصير في المغرب الأقصى، والقائمة على إقصاء القوى المحلية، ومحاولة القضاء عليها نهائيا وقد توجت تلك السياسة بما أسماه المؤلف ‘مذبحة سقومة’. - الفصل الرابع وعنوانه: ‘طارق بن زياد في طي النسيان’، حاول فيه المؤلف أن يزيح الغموض على شخصية طارق بن زياد، فاتح الأندلس، من خلال ضبط أصول هذه الشخصية، حيث استند المؤلف على مجموعة من المصادر العربية، وخلص إلى أن طارق بن زياد ينتمي إلى إحدى القبائل التي كانت تقطن بشمال المغرب، وبأنه كان يتقن اللغة العربية كما حاول أيضا أن يتتبع مراحل حياته وأن يزيح الغموض عن اختفائه المفاجئ. - الفصل الخامس وعنوانه: ‘بلاد غمارة: فصل ووصل بين العدوتين’، توقف فيه المؤلف عند بلاد غمارة، محاولا رسم حدودها الجغرافية خصوصا أن هذا الفضاء الجغرافي يتردد كثيرا في المصادر التي تحدثت عن فتح الأندلس، كما نجد الكثير من الكلام عن يوليان الذي تصفه تلك المصادر أحيانا بالغماري وأحيانا أخرى ملك غمارة. - الفصل السادس وعنوانه: ‘الأندلس في دائرة الضوء’، خصصه المؤلف لإزالة اللبس والغموض الذي يحيط بشخصية طريف ابن عبد الله، أو طريف بن شمعون أول الداخلين إلى الأندلس، والذي قاد أول الحملات الإسلامية إلى شبه الجزيرة الأيبيرية. - الفصل السابع وعنوانه: ‘شبه جزيرة أيبيرية، نهاية عصر’، تناول في المؤلف الأوضاع الداخلية للمملكة القوطية قبيل الفتح الإسلامي للبلاد، وقد توقف المؤلف مطولا على التجربة الإصلاحية التي قام بها الملك غيطشة Witiza، كما توقف عند الاضطرابات السياسية التي أعقبت وفاته، ودورها في هزيمة القوط أمام الجيش الذي قاده طارق بن زياد. - الفصل الثامن وعنوانه: ‘حملة طارق بن زياد في بلاد الأندلس′، توقف فيه المؤلف عند حملة طارق بن زياد إلى الأندلس، محاولا تحديد مختلف حيثياتها وتفاصيلها، وخصوصا ما تعلق بعبور القوات من العدوة المغربية إلى العدوة الأندلسية، وأيضا عند معركة البحيرة وعند مسارات الفرق العسكرية، بعد الفتح وعن مجموعة من المواجهات التي أسماها المؤلف حرب الحصون، وفي الختام وقف عند تفاصيل وصول قوات طارق بن زياد إلى مدينة طليطلة. وختم المؤلف كتابه بخاتمة، أسماها: ‘مصيدة الأبطال’ خصصها للنهايات المأساوية لأبطال الفتح أي لموسى بن نصير وطارق بن زياد. قد تحيل هذه العناوين على مواضيع تقليدية، وقد يبدو لأول وهلة أن المؤلف يكرر ما سبق أن قاله غيره، لكن القارئ سيجد نفسه أمام أطروحات جديدة وثورية، ولعلني أشبهه في ثوريته بكتاب: ‘ العرب لم يفتحوا الأندلس قط ‘Los çrabes no invadieron jamçs Espaûa’ للباحث الإسباني إغناسيو أولاغي، وتبرز أهمية الكتاب في الأطروحات الجديدة التي جاء بها المؤلف. لكننا ونظرا لكثرتها سنحاول تلخيصها وسرد الأهم منها. - يرى المؤلف، أن أصل موسى ابن نصير وسيرته قد تعرضت للتزوير خلال القرن الرابع الهجري على يد مؤرخي الأندلس، لأسباب سياسية بالأساس. كما يرى المؤلف أنه ليس عربيا وإنما من أعاجم العراق، وأنه تولى منصب ولاية إفريقية بعد أن انقلب على الوالي المعين حسان بن النعمان، وأنه تراجع عن سياسة هذا الوالي والتي كانت قائمة على توقيع معاهدات الصلح مع القوى المحلية، واتبع سياسة جديدة قائمة على استعمال القوة للقضاء على تلك القوى، ومن أبرز تجليات هذه السياسة مذبحة سقومة. - يورد المؤلف أيضا أن أصل طارق ابن زياد وسيرته تعرضت للتغيير على يد مؤرخي الأندلس خلال القرن الرابع، الهجري لنفس الأسباب السياسية التي دفعت إلى تغيير سيرة موسى بن نصير ويرى المؤلف أن طارق أمازيغي يعود أصله إلى شمال المغرب، وأنه كان يتقن اللغة العربية إتقانا تاما، وهو في هذا يرد على مؤرخي المدرسة الفرنسية الذين شككوا في معرفته باللغة العربية وأنكروا نسبة تلك الخطبة الشهيرة إليه. - رسم المؤلف حدودا جديدة لغمارة، واعتبرها مملكة كانت تمتد شمال المغرب وجنوب اسبانيا، كما بين أن يوليان الغماري كان ملكا على غمارة، وكانت يرتبط بشكل من أشكال التبعية لمملكة القوط بشبه الجزيرة الأيبيرية، وهذا عكس ما كان يعتقد سابقا من أنه كان واليا على سبتة للقوط حسب بعض المؤرخين وللبيزنطيين حسب آخرين. - الحملة الأولى الإسلامية باتجاه الأندلس وقعت على عهد الخليفة الراشدي عثمان ابن عفان، لكننا لا نجد لها إلا صدى خافتا في مؤلفات المؤرخين المسلمين بسبب الفتنة الكبرى رغم أنه تتوفر الآن دلائل قوية على حدوث هذه الحملة. - كان لما قام به الملك غيطشة Witiza من إصلاحات لم ترض الكنيسة دور في اضطراب الأوضاع في مملكة القوط، خصوصا في السنوات العشر التي سبقت وصول جيش طارق وقد ساهمت تلك الاضطرابات في تمهيد الطريق أمام جيش طارق. - معركة البحيرة أو معركة وادي لكة حسب المؤلف ليست معركة واحدة، بل معركتان، الأولى أسماها معركة برباط وقعت يوم 28 رمضان 92 ه الموافق 19 يوليوز 711، وكان قائد جيش القوط ابن أخت لوذريق وكان يسمى ينج، أما المعركة الثانية يوم أما المعركة الثانية والتي أسماها المؤلف معركة لكة، والتي قادها لوذريق بنفسه فوقعت يوم 5 شوال 92 ه الموافق ل 26 يوليو 711 م. اعتمد المؤلف في تدعيم أطروحاته على مصادر تقليدية معروفة ونقصد بذلك المؤلفات العربية التي تعود المؤرخون الرجوع إليها في القضايا التي تتعلق بالأندلس وهذا مما يحسب له حيث أن هذه المؤلفات وكما أسلفنا سابقا تعرضت لهجوم شديد من طرف المستعربين الذين شككوا في المعلومات التي وردت بها فوصفوها بالخرافية والأسطورية بالإضافة إلى المصادر العربية اعتمد المؤلف على المصادر القشتالية التي يصعب التعامل معها بسبب اللغة ككتاب كرونيكا موثارابي Cronica Mozarabeوكرونيكا أسطوريانا Cronica Astoriana، وبالإضافة إلى هذه المصادر التقليدية لجأ المؤلف إلى مصادر غير تقليدية كشاهد قبر عثر عليه مؤخرا قرب مدينة شاطبة. إن هذا الكتاب وبرغم المقاربات التي جديدة التي جاء بها، والتي تجعل منه كتابا جديرا بالقراءة والتأمل لم يخل من بعض النقائص، التي لا يكاد يخلو منها أي مؤلف لكني أريد أن أتوقف عند مسألة الموضوعية. فالحكم على شخصيات بأحكام قيمة من قبيل ‘ مذموم الأخلاق ‘ ( ص 22 ) أو ‘ الشيخ الأمين ‘ ( ص 145 ) وغيرها في بحث تاريخي رزين، تثير الكثير من التساؤلات عن وصف هذه الشخصية أو تلك بهذه الصفة أو تلك، فالكتاب كما رأينا يتحدث عن الشخصيات التي لعبت أدورا في التاريخ المبكر للغرب الإسلامي ومع كل شخصية نجد بعض أحكام القيمة التي كان من الأفضل تفاديها.