دمشق ـ وكالات
تتناول دراسات كتاب "في التشكل اللغوي للشعر" للباحث محمد عبدو فلفل البواعث الأولية للعناية بالعلاقة بين اللغة والشعر والمآلات التي انتهت إليها هذه البواعث فتحمل على العودة بالذاكرة إلى الدارسة في نحو اللغة العربية وصرفها بغية تحديد آفاق حضور الشعر العربي في استنتاج قواعد اللغة العربية. يحاول فلفل بيان مدى صلاحية الشعر العربي الأصيل في وضع قواعد اللغة العربية الموجودة في مختلف الميادين ولاسيما النثر العادي الذي ليس من أولوياته تقديم الفعل الإبداعي الجمالي.. كما يظهر موقف النحاة من الظواهر النحوية والصرفية الشاذة في مختلف مصادر المدونة اللغوية العربية المعتمدة في وضعها ضمن قواعد وفي مقدمة هذه المصادر القرآن الكريم وقراءاته وكلام العرب شعره ونثره. ويقول الباحث إن سبب العناية بطبيعة العلاقة بين الشاعر واللغة هو ما لوحظ من مواقف متطرفة لبعض المعنيين بالحداثة الشعرية العربية ولعل بعض هؤلاء محكومون بدواعٍ إيديولوجية اتخذت من الاستجابة لمتطلبات الفعل الإبداعي حجة لها إلى الانعتاق من أسر قواعد العربية بدعوة أن هذه اللغة محكومة بقواعدها ولا تساعد الشاعر على الإبداع الحقيقي حيث استقر في الذهن أن ذلك لا يؤيده المنجز الشعري العربي. ويعمل الباحث على ترجيح موقف توفيقي سعى إلى النأي عن التلفيق بالتدليل على طرح نماذج تطبيقية لانحرافات لغوية موظفة في أمثلة شعرية مختارة تدلل على أن الخصوصية اللغوية التي يتطلبها الفعل الشعري تتمثل في جانب منها بما يعرف بالانزياح واللغة قادرة على ذلك. ويرى فلفل أن الالتزام اللغوي لا يعني بالضرورة ما قد يفهم من دعوة بعضهم إلى استباحة حرمات قواعد اللغة العربية وتدميرها بدعوة الاستجابة لمتطلبات الفعل الإبداعي وأن الخصوصية اللغوية التي تستدعيها طبيعة العمل الإبداعي الشعري لا تعني بالضرورة الانعتاق من أسر مرجعية القاعدة اللغوية بقدر ما تعني استثمارا خاصاً للطاقات اللغوية الكامنة. ويوضح فلفل أن الطاقات اللغوية ذاخرة ابتداء بالصوت ومروراً بالبنية الصرفية والتركيب النحوي وانتهاء بالعلاقات والقرائن النصية التي تتضافر في إنتاج أدبية النص وهذا ما تسعى إليه معظم مباحث الكتاب التي اعتمدت على مقاربات نظرية وتطبيقات عملية من الشعر العامودي والحداثي. ودرس فلفل عددا من المجموعات الشعرية كقرينة دالة على ما ذهب إليه من مختلف الأنماط الشعرية مثل مجموعة وأشهد هاك اعترافي لسعد الدين كليب و تداعيات من وحي الشاهدة للشاعر رضوان السح كما تناول قصيدة قذى بعينك للخنساء حيث عملت الدراسة الدراسة على بيان رؤية كل من نحو الجملة ونحو النص لطبيعة اللغة الشعرية. أما الجانب التطبيقي في البحث فتناول قصيدة وأحر قلباه للمتنبي تناولاً نقدياً نحوياً خلال المنجز النحوي والبلاغي ومستنيراً بمعطى الدرس اللساني الحديث ولاسيما لسانيات النص أو نحو النص في تصوره للنظرية النصية. ويبين فلفل أن التحليل النحوي للشعر أكثر مناهج نقد الشعر شمولاً وديمومة وأقدرها على سبر أغوار النص وذلك بالمفهوم العام لمصطلح النحو الذي يشمل مستويات اللغة كافة الصوتية والمعجمية والصرفية والنحوية والدلالية. ويكشف فلفل أن التحليل النحوي النصي للشعر في ضوء ما يعرف بلسانيات النص أو نحو النص على ما في قضاياه من غموض واختلافات ضرورة منهجية علمية لفهم الكثير من معطيات الظاهرة اللغوية وآلية عملها ولفهم خفايا عالم الشعر وآلية عمله هي أشياء تدل على أن اللغة بالنسبة إلى الأدب هي المبدأ والاستمرار في نقطة انطلاقه ونقطة وصوله على السواء فهي التي تضفي على الأدب صيغتها المجردة ومادتها المحسوسة. ويخلص فلفل إلا أن الأدب ليث مجرد الحقل الذي تمكن دراسته بدءا من اللغة بل إنه الحقل الذي يمكن لمعرفته أن تسلط ضوءا جديداً على خواص اللغة نفسها فمعرفة الأدب ستتبع مساراً موازياً للمسار التي تتبعه اللغة فالأثر الأدبي يتضمن العلامة اللغوية وروح الكاتب. يذكر أن الكتاب الذي يحتوي أبحاثاً أخرى في اللغة الأدبية وما يجب أن يترتب عليه من تداعيات واستهلالات يقع في 239 صفحة من القطع الكبير وهو من منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب.