بيروت ـ وكالات
يكتب الباحث اللبناني فواز طرابلسي في عمله الجديد "حرير وحديد .. من جبل لبنان الى قناة السويس" مزيجا من التاريخي والقصصي في طريقة شيقة دائرية تتنقل بين مادة هنا ومادة هناك. لم يتدخل طرابلسي في المادة التاريخية بل اوردها كما هي وإن بقدر من الاضاءة والتحليل. الا انه تدخل احيانا في اسماء الشخصيات التاريخية فكان يترجم الاسم من الفرنسية مثلا الى العربية وفقا لمعناه مكررا الاسم العربي حيث تدعو الحاجة. وقد تحدث طرابلسي عن عمله في شكل يوضح اسلوبه الذي انتهجه فيه والقائم على ايراد احداث مختلفة كبيرة او فردية ذات اهمية عامة سنة بعد سنة. يقول "تتنقل شخصيات هذه الحوليات عبر البحر الابيض المتوسط شرقه وغربه خلال القرن التاسع عشر. "يبدأ التدوين مع اطلالة موسم الحرير في جبل لبنان ويختتم مع افتتاح قناة السويس في مصر. مثل خيوط حرير فوق نول تروح وتجيء احداث تلك الفترة فتتسلك باللحمة والسدى مصائر افراد وجماعات وبلدان وأمصار وأقوام وشعوب. "تتداخل ألوان وأصباغ وتفترق ألوان وأصباغ وتتصالب خيوط وترتخي خيوط وتنقطع خيوط لتنوصل خيوط. وتنعقد قطب ظاهرة للعيان لتختفي قطب عن العيان تعمل عليها جميعا انامل نساج لا يرحم يسميه البعض "القدر" والبعض الاخر "الاستعمار" ويكتفي ثالث بأن يقول عنه انه "التاريخ"." ويبدأ التدوين بسنة 1806 لينتهي بسنة 2004. ولبعض الاشخاص حصة كبيرة في السرد التاريخي ومنهم مثلا الليدي هستر ستانهوب وموضوعها قصة في حد ذاته ومنهم ايضا فارس الشدياق احد كبار رجال النهضة العربية الذي عرف باسم احمد فارس الشدياق وموضوعه ايضا قصة في حد ذاته بل قصة مأساوية حيث تكاتف الاقطاع السياسي والاقطاع الديني على شقيقه اسعد الشدياق الذي خرج عن طائفته واعتنق البروتستانتية. اعتقل اسعد الشدياق في قبو مقر ديني وعذاب الى ان مات في ذلك القبو. ولنأخذ مثلا عن ترتيب المواد في الكتاب فنبدأ بالحديث عن دود الحرير او دود القز كما يسمى فنحصل على معلومات عن كيفية تحول الدودة داخل الشرنقة الى يرقة قبل ان يخرج منها فراش القز. ونقرأ كيف تتم عملية التلاقح او التسافد وكيف يموت الذكر وتعيش الانثى بعده ثلاثة ايام وثلاث ليال تبيض خلالها بين 400 بيضة و800 بيضة. وبعد خمسة ايام من المبيض تتوقف حركة البيضة وتدخل في حالة سبات خلال الصيف والخريف والشتاء لتتفتح فيى الربيع. بعد ذلك انتقال الى الانسان تحت عنوان هو (1831 - باريس الانثى هي الاصل). وفي هذا المجال حديث عن الدعوة الى تحرير المرأة "وإعادة الاعتبار للجسد على ما علم به السمعاني". ويبدو هنا ان المقصود بالسمعاني هو جيل سان سيمون ومبادؤه التي وصفت بأنها نوع من الاشتراكية المبكرة. بعده عنوان اخر هو (خريف 1831 - ثورة الحرير) والحديث عن مدينة ليون عاصمة الحرير في العالم والتي وصفت بأنها "مدينة رمادية مثل حال عمالها". وكان للحرير وتجارته في تلك الفترة قيمة عالمية كبرى جعلت الدول تهتم به. بعده ننتقل الى عنوان اخر هو (صيف 1832 - تاجر بريطاني في قنوبين) وهي منطقة في شمال لبنان. ونقرأ هنا "أثار اعتقال اسعد الشدياق ردود فعل تجاوزت تداعياتها حدود جبل لبنان الصغير ... صيف 1832 وصل تاجر بريطاني الى عكا موفدا من المرسلين الانجيليين للتحقيق في مصير اسعد الشدياق". بعد ذلك نصل مثلا الى (1832 - الجزائر: سيدي عبد القادر) في اشارة الى الامير عبد القادر الجزائري. وهنا نقرأ "كان عائدا من غزوة على وهران عندما استدعاه والده الامير محيي الدين بن المختار الحسيني الى اجتماع مشايخ وعلماء جاءوا يبايعون سليل الامام الحسن سلطانا على المغرب الجزائري... اعتذر الشيخ لانه كبر ولم يعد قادرا على القيادة وتنازل لابنه". بعد ذلك وتحت عنوان (تموز 1833: نفس نارجيلة في بيروت) نقرأ عن اجتماع وفد مع "الكولونيل سي المعروف بسليمان باشا وهو العسكري السابق في جيش نابوليون الذي وضع نفسه في خدمة محمد علي باشا. منحه الخديوي رتبة اميرالاي وكلفه مهمة بناء جيشه الحديث بتجنيد الفلاحين وأرسله للتنقيب عن الفحم في صعيد مصر". اما عن الليدي هستر ستانهوب فنعود الى مرحلة سابقة وهي تحت عنوان (1806 - على الساحل الاسباني) وهنا نقرأ "كان الضابط البريطاني ملقى على الشاطىء الاسباني. شعره الاسود مشعث وعيناه اللوزيتان زائغتان وفي خاصرته جرح غائر.. يحشرج ويتمتم: "هستر.. هستر.. بلغ تحياتي لهستر" ... انه السير جون مور حامل وسام باث للبسالة والاعمال الخارقة في الحرب". بعد ذلك نصل الى (1806 - لندن هستر والخال) ونقرأ هنا ما يلي "لم يكن الضابط اي ضابط ولا هستر اي هستر. الفتاة الارستقراطية ذات الثلاثين ربيعا هي ابنة اللورد تشارلز ثالث "ارل" لاسرة ستانهوب النبيلة. بعد سنة على وفاة والدها... صارت المضيفة الرسمية لخالها رئيس وزراء انكلترا السير وليام بت الثاني خلال ولايته في السنوات 1789-1793 وانتقلت للسكن معه في قصر والمر." اغوت هستر النبالة البريطانية واشتهرت بأنها فارسة متمكنة ومروضة احصنة ماهرة. تنبأ لها عراف نبؤة غيرت حياتها اذ قال لها انها ستقود شعوبا ذات يوم وتعيش سبع سنوات في الصحراء وإها ستصير ملكة على اليهود. سافرت الى الشرق سنة 1810 وفي اليونان التقت الشاعر بيرسي شيلي كما التقت اللورد بايرون وتوجهت الى دمشق مع حاشيتها وفي الطريق اليها حظيت في الاسكندرية بمقابلة مع محمد علي باشا الذي اهدى اليها جوادين عربيين. وبعد جولة في سورية وبعد ان امضت مدة في تدمر التي تصورت انها ستكون ملكتها كما كانت زنوبيا توجهت الى جبل لبنان حيث اقامت مع حرسها الالباني. في جبل لبنان اكتسبت "الست" شهرة ونفوذا واسعين وكانت كلمتها نافذة عند الحكام والقناصل لا القنصل البريطاني وحده. وبعد سيرة طويلة متعددة الالوان توفيت. حضر القنصل الانجليزي والمرسل الانجيلي. وصلا عند المساء فإذا هي جثة هامدة. "صلى المرسل على الجثة ودفنت عند انتصاف الليل في حديقتها السرية الى جانب حبيبها لوستينو حسب وصيتها. جال القنصل والمرسل في الغرف الخمس والثلاثين... فإذا هي مليئة بالنفايات. اما احصنة الست المدللة فاشتراها تاجر بيروتي. "مع الوقت صار قصر الست اطلالا... ولم يبق من الست غير قبرها وسط اشجار الزيتون". جاء الكتاب في 309 صفحات وصدر عن دار رياض الريس للكتب والنشر. في بداية الكتاب قال طرابلسي "جميع شخصيات هذا الكتاب حقيقية ومثلها الاحداث والمواقع والتطورات... لعب التخيل دوره في ثلاثة تأليفات فقط" ذكرها المؤلف.