أبو ظبي ـ العرب اليوم
أصدر مشروع "كلمة" للترجمة فى هيئة أبوظبى للسياحة والثقافة كتاباً جديداً بعنوان: "أسوأ المهن فى التاريخ: سرد لقصة ألفى عام من العمالة البائسة" للمؤلف تونى روبنسون ونقله إلى العربية الدكتور عبد الله جرادات. يتناول الكتاب بأسلوب سردى ممتع ولا يخلو من الطرافة أسوأ المهن التى عاصرتها الجزيرة البريطانية على مدى ألفى عام ابتداء بالعصر الرومانى القديم، مروراً بالعصور الوسطى وانتهاء بالفترة الفيكتورية. وحاول المؤلف - حسب قوله - أن يخص كل فترة بما امتازت به من مهنٍ، قد يكون بعضها حديثاً، أو استمر منذ فترة سابقة، غير أن الكاتب يجزم أن اختياراته شخصية محضة، وذلك لعدم وجود مقاييس موضوعية لقياس بؤس الإنسان. ولقد استعرض الكاتب فى فصله المعنون: "أسوأ الوظائف الأولى" أسوأ المهن خلال فترة الحكم الرومانى للجزيرة البريطانية، وهى المهن التى عُدت العبودية إلى جانبها رفاهاً مستديماً، ومن المهن التى ذكرها الكاتب مهنة عامل مناجم الذهب الذى كان يقضى شهوراً فى مناجم لا يرى فيها نور الشمس، وقد يقضى دون أن يراها. واستحق فلاحو العصور المظلمة وحراثوها حق تصنيفهم إلى جانب الرهبان المبتدئين والناسخين المزخرفين وصائدى الحديد فى المستنقعات والفحامين وساكّى العملة المعدنية الذين لا ينالهم نصيب منها سوى ضمهم ضمن أسوأ المهن فى العصور المظلمة. وتعرض الكاتب ضمن هذا الفصل أيضا إلى أسوأ مهن الفايكنغ؛ الغزاة القساة، التى كان منها مهنة حمّالى البضائع، الذين كانوا يحملون سفنهم، إن اضطروا إلى ذلك. وانتهى المؤلف بذكر أسوأ مهنة على الإطلاق خلال العصور المظلمة، وهى - حسب رأيه - جامع بيض الغلموت الذى كان يتسلق وهو مربوط بحبل فوق الجروف الشاهقة الخطرة لجمع بيوض طائر الغلموت، ولك أن تتخيل ما سيحدث إن انقطع الحبل. وكرس الكاتب الفصل الثانى للحديث عن أسوأ المهن فى القرون الوسطى وهى "الفترة التى تبوأت فيها أسوأ المهن مكانه مستقلة، فأصبح للمهن نقابات تنظم عملها". وكانت مهنة حافد الفارس أو حامل دروع الفارس هى المهنة التى استهل بها الكاتب حديثه، ثم انتقل إلى الحديث عن الحلاق الجراح الذى عُد طبيب عصره، وهو لا يستغنى عن مهنة سيئة أخرى هى مهنة جامع العلق الذى كان له استخدامات طبية لما يحويه من مواد مضادة للتجلط. وتعرض الكاتب لمهنة سيئة أخرى متعلقة بالطب، ألا وهى الطبيبة الشعبية التى كانت تعتمد على الخرافات والمعتقدات التى لا أساس لمعظمها من الصحة. ومن المهن السيئة الأخرى تلك المرتبطة ببناء الكاتدرائيات الضخمة كمهنة البناء السيد، وحارق الجير، ومشغل العجلة / الرافعة. ولقد ختم المؤلف الفصل بالحديث عن أسوأ مهنة خلال تلك الفترة، وهى مهنة القصار وهو من يقوم بنزع الأوساخ عن صوف الأغنام. وتحدث الفصل الثالث عن أسوأ المهن خلال الفترة التيودورية، التى كانت تعد بالنسبة إلى الكثيرين نهضة حقة، لكن الكاتب اعتبرها خادعة، لأن ظروف الناس لم تتغير عما كانت عليه خلال القرون الوسطى. وكرس الكاتب الفصل الرابع للحديث عن العهد الستيورتى الذى شهد الكثير من الانقلابات الدينية والسياسية وكانت مهنة موظف ملح البارود الذى كان يستخلص ملح البارود من مختلف أنواع الفضلات أولى المهن وثانيها مهنة مساعد المفجر، الذى كان مسؤولاً عن نصب المتفجرة على أسوار الأعداء والهرب قبل أن تنال منه. ومن المهن الأخرى حامل الكرسى المغلق وحمال الماء وآكل العلاجم / الضفادع وملتقط بيض القمل. كما تعرض الكاتب لأسوأ المهن خلال فترة الطاعون، التى تضمنت الباحث عن الموتى ودافن الموتى وقاتل الكلاب والقطط وأخيراً، ذكر الكاتب أن مهنة صانع أوتار الكمان كانت أسوأ مهنة فى ذلك العصر لأن العاملين فيها كانوا يتعاملون من أمعاء الخراف بما تحويه من فضلات. وأشار الكاتب فى الفصل الخامس المكرس للحديث عن العصر الجيوروجى إلى أن "خلف كل ظاهرة جيوروجية مبهرة باطناً خفياً مظلماً" تمثل فى المهن السيئة. وأولى مهن هذا العصر مهنة الضابط الراكب الذى كان مسؤولاً عن حماية أميال من الشواطىء وحده من خطر المهربين والعصابات، وثانى المهن كان مهنة مرشد حمام "باث" الذى كان يقضى معظم يومه مخضلاً بالماء. أما المهن السيئة الأخرى فهى عارض الفنان، الذى كان مطلوباً منه أن يقف دون حراك لساعات؛ ونابش القبور، الذى كان ينبش القبر لاستخراج جثة مدفونة حديثاً ليقوم ببيعها إلى طبيب أو معهد طبي؛ والزاهد، الذى كان الغنى المترف يرى عبره بؤس الدنيا؛ وختم الكاتب الفصل بذكر أسوأ مهنة على الإطلاق خلال تلك الفترة ألا وهى مهنة نقاب آلة الغزل، الذى كان يقضى وقته أسفل دكة النساجة لجمع ما تساقط من خيوط على الأرض معرضاً نفسه لخطر فقدان أحد أطرافه. وتحدث الفصل السادس عن الجوانب المظلمة فى العصر الفيكتورى التى قام كتّاب كتشارلز ديكنز والسير آرثر كونن دويل بتصويرها فى كتاباتهم، ومهن ذلك العصر هى حفار السكك الحديدية وملتقط الحجارة ومنظف المداخن وصائد الجرذان وصانع الكبريت، ومن ثم تطرق الكاتب إلى أسوأ المهن فى الإصلاحية وهى كاسر الحجارة، وجامع نكيث الحبال، والباحث عن أعقاب السجائر، وبائع الشاى المتجول، ورجل النفايات، ورجل الخرقة ونابش العظام، ومنقب الصرف الصحى، وجامع روث الكلاب. وهكذا تناول الكتاب بتفصيل دقيق ولغة جذابة أسوأ المهن التى شهدتها بريطانيا خلال فترتين من الزمان، وقد حاول تونى روبنسون من خلاله كشف النقاب عن بؤس الكثرة الكاثرة من السكان الذين نسيهم التاريخ أو نسيهم كتابه - حين سلطوا أضواءهم على أخبار الملوك والملكات والفرسان - عبر تسليط الضوء على بعض المهن امتهنوها عن رضا أو إكراه. ورغم اعتراف روبنسون بأن اختياراته كانت شخصية بحتة، فإنه سعى جاهداً إلى أن يكون موضوعياً فى تخصيص كل فترة زمنية - ابتداء بالرومان وانتهاء بالفترة الفيكتورية - بمهنها الأسوأ الخاصة بها، وبذا كان الكتاب سجلاً تاريخياً للحياة الاجتماعية والاقتصادية، والسياسية، نستطيع من خلاله تلمس التواريخ المحددة لظهور مهنة ما كالقصارة، التى ظهرت فى العصور الوسطى، أو اختراع آلة ما كالنسّاجة التى ظهرت فى العصر الفيكتورى، أو وقوع حدث جلل كالطاعون، الذى حلّ فى إنجلترا خلال الفترة الستيورتية. والمؤلف تونى روبنسون (1947) ممثل كوميدى، ومؤلف، ومذيع وداعية سياسى، اشتهر بدور بالدريك فى مسلسل هيئة الإذاعة البريطانية الكوميدى بلاكآدر (Blackadder. ولروبنسون اهتمام بالغ بالتاريخ، وعلم الآثار، وقاده هذا إلى تقديم البرامجٍ التالية للقناة الرابعة فى الهيئة: تايم تيم (Time Team) وأسوأ الأعمال فى التاريخ (The Worst Jobs in History). وقام بترجمة الكتاب إلى العربية الدكتور عبد الله جرادات، أستاذ اللغويات المساعد فى قسم اللغة الإنجليزية فى الجامعة الهاشمية، الأردن. وهو حاصل على درجة الدكتوراه - مع مرتبة الشرف - فى اللغويات، متخصصا فى علم الدلالة من جامعة كانزاس، أمريكا عام 2007م. وتتركز اهتماماته البحثية فى توثيق التراث والأمثال بشكل خاص، والبحث فى علل استدامته وبقائه، ومساهمة التركيب اللغوى فى خلق هذه الاستدامة. وتعد مشاركته هذه هى الثانية فى مشروع "كلمة" للترجمة، فقد ترجم كتاباً سابقاً بعنوان: "الدخول فى اللعبة: قصة النساء الغربيات فى الجزيرة العربية"، وقد تم نشره.