القاهرة ـ أ.ش.أ
صدر مؤخراً عن دار "أوراق" للنشر والتوزيع، كتاب "جيل السبعينيات في الرواية المصرية: إشكاليات الواقع وجماليات السرد"، للناقد الدكتور يسري عبد الله، مدرس النقد الحديث بكلية الآداب جامعة حلوان، والذي صدر له من قبل كتابان هما: "المسرح السياسي بين سعد الدين وهبة وسعد الله ونوس"، و"الرواية المصرية: سؤال الحرية ومساءلة الاستبداد". يأتي هذا الكتاب كمحاولة للوقوف على المنجز الإبداعي بالغ الأهمية لجيل السبعينيات، حيث تمثل تجربته الروائية إحدى المنعطفات المهمة في مسيرة السرد العربي، وكانت استجابة جمالية لسياقات سياسية وثقافية مأزومة عاشتها مصر بعد هزيمة يونيو 67، ومن هنا بات لزاماً على أيّة دراسة منهجية لرواية جيل السبعينيات ألا تغفل السياقات السياسية والثقافية التي تشكل فيها وعي كتاب المرحلة السبعينية. ويخبرنا الدكتور يسري عبد الله أن أهم ما شهدته السبعينيات هو انتقال الكتابة إلى حيز "مساءلة الواقع"، هذا الواقع الذي ازداد تشابكاً وتعقيداً على مسارات مختلفة، ففي تلك الفترة اهتز البناء الأيديولوجي الذي ساد في المرحلة الناصرية وتداعت الأحلام الكبرى التي تغذت عليها الجماهير وتفاقم الأمر بحدوث هزة قيمية نجمت عن قرارات الانفتاح الاقتصادي عام 1974، وبعد هذا التاريخ بسنوات ثلاث وفي عام 1977 تبدلت ملامح الدولة المصرية التي شرعت آنذاك في التصالح مع الكيان الصهيوني وتوغلت فيما أسمته بـ "اقتصاد السوق" وتفجر لأول مرة بركان جماهيري هادر عرف إعلامياً باسم "انتفاضة الحرامية". ويرى الكاتب أنه لا يمكن إغفال دور الحركة الطلابية التي نشأت عام 1968 كرد فعل شعبي رافض لهزيمة يونيو، ومطالب بإحداث تغييرات جوهرية في بنية الدولة المصرية، حيث كانت الانتفاضة الطلابية في فبراير من عام 1968 هي أعلى الأصوات تعبيراً عن الاستياء العام في أعقاب هزيمة يونيو، ثم أخدت الحركة الطلابية بعد هذا التاريخ وعلى مدار حقبة السبعينيات تقوى وتتماسك وتعبر بشكل أوضح وأعلى صوتاً عن ذاتها وفرضت على النظام السياسي إدراك الخطر الكامن في استمراء واستمرار حالة اللا سلم واللا حرب. وكما يقول المؤلف، فقد أفرزت "رؤيا الهزيمة" التي اتسمت بها الكتابة السبعينية ما يمكن تسميته بحالة المساءلة للواقع المُعاش في النصوص الإبداعية، حيث أضحى الخطاب الروائي خطاباً شاكاً متسائلاً يرفض الامتثال للواقع وذلك وإن بدا عند كتاب الستينيات أيضاً لكنه تجلّى بشكل أوضح عند السبيعنيين بفعل عوامل كثيرة أبرزها الإحساس العام والعارم بالخديعة بعد هزيمة يونيو، وتبخر الأحلام الوردية، وهو ما دفع كتاب السبعينيات إلى مساءلة المقولات الستينية الكبرى، وكان لتجربة الهجرة خارج مصر - التي عرفها بعض كتاب تلك الفترة هرباً من ملاحقات النظام الساداتي - أثرها في شعورهم بالمرارة وتصدع الحلم. ويتحدث المؤلف عن معنى ومفهوم كلمة "الجيل"، فالجيل مفهوم كيفي بالدرجة الأولى، ينبئ عن انعطافة ثقافية تاريخية محددة يؤرخ بها لما قبلها وما بعدها، وعلى هذا معنى الجيل هو مجموعة من المبدعين الذين يجسدون القيم الفكرية والجمالية لمرحلة معينة ذات خصائص محددة، فالجيل لا يرتبط آلياً بالتتابع الزمني، إنه رؤية رئيسية وتجربة عامة ينبعان من لحظة فارقة تملي معايير أدبية محددة، وهذه الرؤية الرئيسية التي يتميز بها جيل ما تتجلى ويتنوع التعبير عنها في مئات الرؤى والتجارب، حيث لكل كاتب رؤيته الخاصة التي هي تعبير عن رؤية عامة يتميز بها الجيل، وبناء على ذلك يحدد المؤلف معنى كلمة "جيل السبعينيات" الذين هم حسب تعريفه: "أولئك الكتاب الذين تشكل وعيهم في ظل السياق السياسي والثقافي المتحول والمحتدم في فترة السبعينيات، ومن أبرزهم: إبراهيم عبد المجيد، فتحي إمبابي، محمود الورداني، محمد المنسي قنديل، سلوى بكر، يوسف أبو رية، نعمات البحيري، رضا البهات، محمد عبد السلام العمري وهالة البدري".