بيروت ـ وكالات
أكادُ لا أتخيّلُ مدى "الإِدقاع" الذي كانت ستُعانيه ثقافتُنا بدونِكَ يا صالح. أنت الهاجِرُ طبَّ العيونِ، لتفتحَ عيونَنا على كنوزِ لغةِ سيرفانتس. شخصيّاً، ثلاثةُ كتبٍ يا عزيزي زلزلتْ ذائقتي الفنيّةَ وغيّرتني إلى الأبد: "ليس لدى الكولونيل من يكاتبه" وكنتُ قرأتُها مطالعَ المراهقة. و"الحب في زمن الكوليرا"، في أوج الشباب. و"قصائد إنسانية"، [منتخباتك الشعرية من ثيسار باييخو]، في شفق الكهولة. واليومَ، بعدما جرت في النهر مياهٌ ودماءٌ كثيرة، أبتهج من عظمي وأنا أراكَ تتحوّل، بعيداً عن الوزارات ووسخ الأنظمة، إلى "ظاهرة" في أوساط مثقفينا وقرّائنا. ظاهرة رفيعة اسمُها صالح علماني. أو .. فتنةُ المترجِم الذي صار ماركةً مسجّلة. مئةُ كتابٍ ترجمتها في عزلتك القصوى، أيها النبيل. مئة. يا لهول وروعة الرقم! إننا محظوظون بك يا صالح. وحتى أدباؤك الذين ترجمتَهم، محظوظون بك همُ أيضاً. ومالا تعرفهُ أنتَ، ولا يعرفهُ حاملو لسان سيرفانتس في هذه القاعة، أننا كروائيين وقصّاصين وشعراء، باختلاف أجيالنا، لا نفتأُ نتعلّمُ منك كيف نكتب. هذا الأسلوب البديع السلسل ذو الطلاوة، المتلألئُ كماسّة، الموّارُ كفيضان نهر، من أين أتيتَ به أيها المُعلّم؟ ذاتَ يومٍ قال كورتاثار لماركيز: ستكون محظوظاً لو ترجمك غريغوري راباسّا للإنكليزية. وذات يوم قال ماركيز إنّ هذا المترجمَ الفذّ، تمخّضَ عن ترجمةٍ ربما تفوق الأصلَ، بهاءً وفتنة. لا أعرف لمَ تحضرني دائماً تلك القصة كلما ورَدَ اسمُكَ البهيُّ أمامي. ذلك أنني ومئاتُ الآلاف غيري، لا يمكن أن نشعر ونحن نقرأك بأننا حيالَ ترجمة. كلا. بل حيال تخليق وسيرورة. وكأنك بالفعل مبدع العمل، أو على الأقلّ، شريك المؤلّف الأصليّ، في رحلة عبوره إلى الضفة الأخرى. شكراً أيها الفلسطيني العظيم على كل ما أعطيتنا. بل الشكر الجزيل على أننا عشنا في زمنك. عشنا في زمنك؟ يا لها من مصادفة طيبة، في لعبة أقدارنا القاسية! قرئت في حفل تكريم علماني بمدرسة المترجمين بطليطلة.