دمشق ـ سانا
صدى الحياة في جدارية محمود درويش هي قراءة في القصيدة للكاتب فواز عزام من منشورات دار البلد تقع في 48 صفحة من القطع الكبير تبين رؤية محمود درويش للموت من وجهة نظر كاتب شاب يمتلك ثقافة فلسفية وأدبية فيها كثير من الخصوصية . ويظهر أن عزام تربطه بكتابات محمود درويش الشعرية محبة عارمة قد تتجاوز المألوف فتتحول من حب الكتابة إلى حب الكاتب نفسه ما يجعل القراءة أو الدراسة النقدية أو التحليلية تتوشى بكثير من عواطف الدارس حتى وإن كانت هذه العواطف خارج حدود الحقيقة ولاسيما أن العواطف الشبابية تمتلك كثيرا من النزق أو الانفعال السلبي أو الإيجابي تجاه ما تذهب إليه . يكشف عزام عن مكنونات داخلية تخص محمود درويش فاعتمد خلال تقديمه على كثير مما يحب من كلمات الشاعر التي بعثها في رسائله إلى سميح القاسم أو بعض أشعاره علما أن الدارس اقتصر في قراءة الرسائل بين درويش والقاسم على ما يستهويه ويخصه وقد يكون تجاهل بقية الرسائل التي قد تغير كثيرا من الرؤى لما تحمل في كلماتها من تناقضات وخلاف لرؤية الشعب الفلسطيني والأدباء الذين استشهدوا على يد الموساد وهم أقل شهرة من محمود درويش مثل كمال ناصر أو مثل الروائي الذي يوازيه أو يتفوق عليه غسان كنفاني . يرى الكاتب عزام أن جدارية محمود درويش تحول الموت إلى رمز يخاطب وينتقد... بعد أن كشف ذلك الموت عن نفسه للشاعر وبين عن قوته وضعفه فتمكن درويش من طعنه ووصفه بأنه متسولا كالشحاذ كما في قوله " تجلس على العتبات كالشحاذ أو جابي الضرائب". يبين عزام أن محمود درويش قدم في قصيدته سيلا هائلا من الحكمة حيث أمامه يرتسم صوت الحلاج ورابعة العدوية وعمر الخيام إشارة منه إلى إن النصوص فيها عبق الصوفية وقدرة الشاعر على التحليق في ملكوت الكون خلف تطلعات الإنسان المعقولة واللامعقولة. ويوضح عزام أن درويش عبر ثقافة هائلة يصب حبر علم صدره في قصيدته ويحسم قدرة التناص بشكل فطري فهو قادر على المضي نحو الحياة وعلى زرع الأمل في شعره والفرح المسجى بقشوريات واقع مرير . ويتابع عزام أن درويش يهتف للعيش ويثبت بأن الموت ليس نهاية المطاف بل ردد وعبر جداريته الخالدة الكلمات الدائمة صاحبة الصدى الخالد ../ الأبدية .. سأصير .. الزمن الرغيد .. حبة القمح .. / هي ألفاظ دلت على الحياة والاستمرار وتعيش هذه الألفاظ في القصيدة بشكل فني فتارة تختفي وأخرى تعود . كما يكشف عزام أنه عندما يولد النقيض في صدر الشاعر درويش فهو لا يرتسم كما عند الآخرين فالضد عنده ليس بالنظير دائما ذلك الضد الشاعري فليس للحياة ضد إلا الموت ولكن بقلم مغامر مبينا انه هكذا يحبو درويش نحو الجسد قريبا من الموت وهو بينهما لا يميل نحو احداهما إلا تحت إيقاع الكلمة . ويصل عزام إلى انه ثمة أسطورة في قصيدة درويش ترمز للحياة بدلالة الأمل والتجدد ومحمود درويش يأخذ من طائر الفينيق حاكيا أسطورته شعرا ليبث عمق الجدل بين فكرة الموت والحياة فتلك الأسطورة بالذات حملت النقيضين. ويخلص عزام أن درويش وخلال صدى الأسطورة انتقى لقصيدته أن تكون معلقة عصر يمتد من أيام القدماء لوقتنا الراهن ولا رمزية لشيء مثل ملحمة جلجامش لتمثل تمسك الإنسان بالبقاء والحياة فكانت لهذه الأسطورة قصة طويلة مع محمود درويش أبدع في عراكه مع فلسفة الموت ومجهول الغيب ما اشتركت به الجدارية والأسطورة ذلك القوي الخفي الموت فاصل كل شيء وناصب لحقيقة النهاية . وختم عزام أن في الجدارية تستمر العناصر بالتراكض فيأتي عنصر الاستمرار وفيها نعت بالخلود بلونه الأخضر الفاضح تلك أشياء تأتي عبر الرمزية والعمق الإنساني والمشاعر الخارقة فلم يبق من الشاعر إلا بعض شعره إذا كان استحق أن يصمد في غربال الزمن أما هو فمنذور للغة ولتقديم مسوغ وجوده على الأرض انه زائل واللغة هي الباقية . تبدو قراءة عزام بعيدة عن النقد وعن تفكيك البنية التركيبية لقصيدة محمود درويش وما تحتويه من سلبيات وإيجابيات إلا أنها تعتبر قراءة تحليلية تحمل وجهة نظر نجح الكاتب في العمل عليها أمام كم هائل من خلافات فكرية حول ما يريده محمود درويش للعالم العربي بشكل عام والفلسطيني بشكل خاص وفق الدلالات المتناقضة والموجودة في قصائده وحواراته مع الصحف الصديقة والمعادية دون أن يختلف أحد على عظمة قامته الشعرية .