وسط اهتمام رسمي وشعبي كبيرين تعيش مدينة فاس المغربية واحدا من أبرز المهرجانات الفنية التي تستلهم الموشحات الصوفية من خلال فنانين مغاربة وأجانب.
مهرجان الثقافة الصوفية الذي افتتح بفضاء متحف البطحاء التاريخي بالمدينة الأثرية المغربية فاس أمتع الجمهور بعروض فنية للفنان الاسباني كورو بينانا الذي برع في أداء مجموعة من أغاني الفلامينكو المستوحاة من قصائد وأشعار محي الدين ابن عربي بالإضافة إلى عرض فني قدمه المنشد مروان حجي وزميلاه حمام خيري وأمينة بنسودة الذين أبدعوا في أداء موشحات صوفية متنوعة .
واستطاع الفنانون الذين أحيوا هذا الحفل الافتتاحي للمهرجان الليلة الماضية أن يأسروا الجمهور بإشراقات إبداعية من المتن الصوفي الذي يحتفي بإنسانية الإنسان ويكرس ثقافة مشتركة ترتكز على قيم التعايش والإخاء والتسامح .
ومكن هذا الحفل الفني الجمهور الكبير الذي تتبع فقراته من الارتقاء نحو مدارج الوجد واستشراف عوالم التصوف عبر قصائد وأشعار صوفية تتغنى بتجارب إنسانية وتحتفل بالمشترك لدى الإنسان وبقيم ومثل متصوفين كبار أمثال ابن عربي الذي يعد أحد المتصوفة الكبار الذين أثروا الفكر الصوفي في الثقافة الإسلامية وشكلوا على امتداد قرون أحد رموزه .
مهرجان الثقافة الصوفية الذي يتواصل بعاصمة العبق التاريخي المغربية يرى القائمون عليه أنه ، سيقدم الأمسيات والسهرات الفنية التي تقام في إطار هذا الحدث الثقافي والفني بتنظيم حفلات موسيقية لفن السماع والموسيقى الصوفية العربية والأندلسية إلى جانب تنظيم فقرات تزاوج ما بين الأمسيات الصوفية وحلقات الذكر من بينها حفل لفن السماع أحيته مساء أمس الأحد الطريقة القادرية البوتشيشية والطريقة الصقلية ( المغرب ) .
كما ستعرف دورة هذه السنة من المهرجان - التي تنظم تحت شعار "على خطى ابن عربي " - مشاركة مجموعة من الفنانين المغاربة الذين سيحيون أمسيات فنية كعبد الرحيم الصويري ومحمد باجدوب ومحمد وعبد الفتاح بنيس وسعيد الشرايبي بالإضافة إلى مجموعة محمد بريول لموسيقى الآلة إلى جانب مجموعات فنية تنتمي لعدة بلدان منها فرقة الطريقة القادرية من البوسنة والهرسك وفرقة الطريقة الخلواتية من تركيا .
وموازاة مع هذه الأمسيات الموسيقية والفنية سيعرف المهرجان تنظيم عدة لقاءات يؤطرها باحثون ومختصون في قضايا التصوف ستبحث فكر وأعمال محيي الدين بن عربي وتأثيراته على المشرق والمغرب .
وحسب آراء المنظمين فإن الدورة الثامنة لمهرجان فاس للثقافة الصوفية ستحاول من خلال الأمسيات الفنية واللقاءات الفكرية أن تقتفي أثر الشيخ الصوفي الكبير محيي الدين بن عربي بهدف فهم موروث أحد أنواع الفكر الأكثر خصوبة وأهمية في علوم التصوف والحكمة الكونية باعتباره من أكثر المنتجين والمبدعين شمولية وعمقا في عالم التصوف .
ويقول فوزي الصقلي المدير العام للمهرجان إن الدورة الثامنة للمهرجان ستحاول أن ترسم عبر ملامح فكر هذا المتصوف الكبير ورحلاته إلى الأندلس التي ولد فيها مرورا بالمغرب ومكة المكرمة ومصر والأناضول وسوريا حدود التجارب الروحية والتلاقح والحكمة الحاتمية التي لا يزال انتشارها وتأثيرها حاضرا إلى اليوم في الثقافة الإسلامية بشكل خاص ومختلف مدارس الحكمة عبر العالم .
وأوضح أن فقرات هذا المهرجان ولقاءاته الفكرية وجلساته الفنية لا تقتصر فقط على الكشف عن الإرث الروحي والفني الغني للثقافة الصوفية وإنما تسعى إلى استنهاض التأمل في مدى إسهام هذا الإرث في التأثير على المجتمع المغربي في الوقت الحاضر وإبراز الكيفية التي تتحول بمقتضاها القيم الروحية الصوفية من خلال صيغ العمل الاجتماعي والمقاولاتي إلى عمل مثمر في التنمية البشرية.
ويستقطب مهرجان فاس للثقافة الصوفية الذي تنظمه " جمعية مهرجان فاس للثقافة الصوفية " عشاق الموسيقى الصوفية من المغرب والخارج إحدى المحطات الثقافية والفنية الكبرى التي تحتضنها مدينة فاس العريقة والتي تستهوي عشاق هذه الأنماط الفنية .
وكانت الدورة السابعة لمهرجان فاس للثقافة الصوفية قد نظمت خلال السنة الماضية تحت شعار " قوت القلوب .. التصوف والإبداع " وعرفت مشاركة مجموعة من الفرق الفنية من المغرب والخارج .
ويسعى المغرب من خلال مهرجان فاس للثقافة الصوفية لتقديم صورة إيجابية للإسلام على المستوى العالمي من خلال إبراز عمق ومقاصد ثقافة الانفتاح والتسامح التي اعتمدها المتصوفة في تجاربهم إضافة إلى تكريس ثقافة مشتركة ترتكز على قيم التعايش والتسامح والإخاء.