دمشق ـ سانا
رباعيات متمردة مجموعة شعرية صادرة عن دار الغانم للثقافة تقع في 130 صفحة من القطع المتوسط تتضمن أشعارا نظمت على شكل رباعيات إلا أنها تحمل نفحات إنسانية وحكما تظهر خبرة حياة عاشها الشاعر في كثير من المجتمعات فاستفادت موهبته والتقطت بصيرته خلال حدثه كثيرا من المواقف التي تحولت إلى إضاءات في عالم الإنسان. تظهر المناقب الإنسانية مؤثرة على عواطف الشاعر ما جعله يكتبها ويحولها إلى شعر مملوء بالإحساس ونابض بالإنسانية ومحبة الإنسان للإنسان حتى تكون هذه الأشعار دافعا لمجتمع تسوده القيم ويخلو من الضغائن لذلك وجدت أهم الصفات الإنسانية كمعلم أساسي في قصائده يقول في رباعية الإيثار.. اجعل بمالك حصة وأفرج بها عثرا لغيرك إياك والمال الحرام فإنه جمر بصدرك لاشيء في الدنيا يدوم فهل عرفت مصير أمرك فإن فعلت الخير يبقى ما فعلت لحفظ ذكرك. ويدعو الشاعر درويش إلى المحبة بصفتها العامل الأساسي في تكوين المجتمع السليم والإسهام في البنية الصحيحة للقوة الإجتماعية التي يطمح الشاعر أن يتحلى بها مجتمعه ليكون نافعا وناجحا بين المجتمعات الإنسانية وفي الوقت عينه ينبذ الكره ويعري نتائجه معتبرا أن كل شيء أساسه الحب حتى العقيدة والإيمان إذا خلت من الحب تتحول إلى نفاق يخرب في الأرض ويفسد الإنسان يقول في قصيدة المحبة.. لا تكره أحدا فالكره عدو الإنسان يفتح أبواب الشر عليك ويأتي بالشيطان إفتح قلبك للحب اجعله طريقا للرحمن لاشيء أجمل في الدنيا من قلب يطفح بالإيمان. وفي المجموعة يبين الشاعر الصفات السلبية التي يحملها بعض البشر ويكشف الغطاء عن سلبياتها ومن أكثر هذه الصفات بشاعة الغرور الذي يرى الإنسان من خلاله أن الإنسان الآخر أدنى من مستواه ويعتبر نفسه أكثر المخلوقات رفعة دون أن يدرك اشمئزاز المجتمع ونفوره منه يقول في رباعية الغرور... ياأيها الإنسان لا يأخذك في الدنيا الغرور إنما الأيام أحلام وساعات تدور واتعظ لا شيء يبقى ليس في الموت كبير. وتبدو مكانة الوطن في عواطف الشاعر صاحبة الأولوية وفي مساحة خياله رائدة الوجود لذلك انتقى بمحبة تعابيره ومفرداته التي تفيض بالنقاء والوفاء حرصا على وصول الرسالة العظمى للمتلقي والتي فحواها أهمية الوطن عند الشاعر حيث تشتعل أحلامه ورغباته ليكون هذا الوطن صاحب الأولوية عند الجميع كما جاء عنده في رباعية الوطن... وطني ياقطعة من جنة.... كتب الله عليها وطنا وأنا المغرم في سوريتي... صارت القلب وصارت سكنا. أما الشعر فله شكل خاص ورؤية خاصة عند الشاعر درويش فيبين مكانته عنده وماذا يعني له كون الشعر هو وحده الذي يتمكن من عكس كل الحالات الإجتماعية والإنسانية وكل الحراكات الإجتماعية بسلبياتها وإيجابياتها فيعبئه فرحا وأحيانا حزنا ويعتبره انعكاسا للحب الحقيقي والوجود الإنساني لما يمتلكه من أفق ومقومات أثبتت وجودها عبر التاريخ منذ أن بدأ الشعر حتى الآن يقول في رباعية الشعر... أنام على حزن وأصحو لمثله ... فيا دار أحزاني مللت من القهر وحقك لولا الشعر صرت مهاجرا ... فيا ربي خل الناس تنعم بالشعر. ويعتمد الشاعر في رباعياته على العاطفة الشعرية أكثر من اعتماده على المحسنات الأخرى بحيث تمكن من أن يجمع عصارة التجارب الإجتماعية وأهم المناقب الإنسانية في باقة شعرية على شكل رباعيات إضافة إلى وجود تماه وانسجام بين العاطفة والموسيقا الشعرية حتى بدت المجموعة وكأنها كتبت في مراحل زمنية عديدة أو مثلت هذه المراحل لما تمتلكه من إرث أخلاقي يصبو إلى مجتمع فاضل.