دمشق - سانا
ست مسرحيات شعرية للشاعر الراحل سليمان العيسى بعنوان الأطفال يزورون المعري والمستقبل وقنبلة وجسدوشجرة أحمد و الشجرة و الصرصور والنملة أصدرتها الهيئة العامة السورية للكتاب جاءت جميعها باسلوب منظوم تناول خلالها شاعر الطفولة عددا من القضايا الاجتماعية والتربوية التي تخص الأطفال وتنمي فيهم حب الوطن والسلوك الاجتماعي السليم. ففي مسرحية المستقبل يحاول العيسى ان يزرع الأمل الجميل في نفوس الأطفال والرؤية التي تجعلهم يفكرون بمستقبل مشرق يليق بهم وبوطنهم ليكونوا تاريخا عريقا في بلد مجيد كما في قوله على لسان جوقة الأطفال .. نحن الأطفال ..دقوا كفا ..نحن الآمال ..رفوا رفا ..ولنسق الصبح أغانينا..ولتولد امتنا فينا. وفي المسرحية يحاول العيسى أن ينمي في ذاكرة الطفل طموحه وماذا يجب ان يكون في المستقبل حتى يجتهد ويكافح من أجل هدفه ويكون بذلك قد ساهم في بناء وطنه يقول بصوت البنت وهي ترنو إلى البعيد.. أنسج حلما..أخضر أخضر..بعد قليل ..أكبر أكبر ..منذ الآن ..دوري حان..أنا صحفية..جد ذكية..سوف أغذي هذا الجيل..فكرا حرا ..لا تزوير..ولا تضليل.. كما يزرع في نفوس الأطفال حب الوطن وحتمية الدفاع عن ترابه وحدوده فيجعله يعشق الكفاح من أجله منذ الطفولة حتى اذا ناداه الواجب عرف أن الروح أرخص ما يمكن أن تكون من أجل بقاء الوطن كريما عزيزا كما اورد على لسان الولد الذي أنشد في وقار وتصميم.. أنا الغد المقاتل ..أنا النداء الباسل ..من المحيط الهادر ..الى الخليج الثائر..ملامح التحرير ..جنديها أنا... وجولة المصير ..متروكة لنا.. اما مسرحية قنبلة وجسد فبنيت على حادثة الفدائي العربي عرفان عبد الله الذي سقطت منه قنبلة يدوية وهو يبتاع الطعام لرفاقه في عمان فصاح بالناس ليبتعدوا وارتمى فوق القنبلة فغطاها بجسده كي لا تؤذي أحدا . وعندما بدأ الراوي بقص حكاية البطل عرفان العبد الله التف حوله الأطفال وهم في شوق لسماع قصة ذلك البطل الذي صنع منه الشاعر شخصية مثيرة للعواطف اثناء غنائه الرخيم وهو يردد. يا من تروي قصص المجد ..جينا جينا ..نتحلق حولك كالعقد ..وتسلينا ..ماذا في جعبتك الحلوة..من أخبار. ويظهر العيسى في المسرحية أن الأطفال كانوا يطالبون الراوي بقصص بعيدة عن التسلية والكلام العادي حتى يحكي لهم قصص البطولات التي تجعل من الوطن أكثر الاولويات أهمية يقول على لسان نزار.. لست بالجن مولعا..أنا بالأرض مولع.. أنا اهوى حكاية ..بيدي الآن تصنع ..من بلادي عبيرها ..بالبطولات يسطع.. وفي المسرحية ذاتها تتجلى الروح القومية مجنحة لتبحر في خيال الأطفال حتى تصل الى فلسطين لتكون هاجسا في النفوس ومن أجل يوم قادم يجب أن يعقد العزم هؤلاء الأطفال ليهزموا آخر مستبد على أرضها يقول الشاعر العيسى بصوت العم أبو علي.. عربي من فلسطين الحبيبة ..عاش للأرض السليبة ..لهتاف البيت خلف الرابية ..حل فيه طاغيا .. وفي مسرحية شجرة أحمد يسرد الشاعر العيسى حكاية طفل سعيد يلعب بين الفراشات ويصنع باسلوبه السردي بيئة ربيعية جميلة لتكون راسخة بخيال الأطفال الذين يقرؤون هذا العمل عبر التحولات التي يعيشها أحمد وهو في الحقل الجميل فدفعه ليقول .. أنا الصياد ذو الحيل ..أنا الصياد ..فراش السهل و الجبل ..الي انقاد. كما يجعل العيسى حماية الأشجار وزراعتها من الاولويات التربوية التي يجب أن يتعلمها الأطفال لأن أي فراغ يعيشه الطفل إن لم يكن مفيدا قد يحدث خللا في سلوكه التربوي وقد يخلق عداء تجاه البيئة و الشجرة يقول أبو عدنان في مسرحية شجرة أحمد.. مازال عندي خمس أشجار..سنزرعها معا..أعطيك واحدة..وأستبقى لعمك اربعا..هيا معي.. ويسرد الشاعر العيسى في مسرحية الصرصور والنملة قصة شعرية تظهر الصرصور عكس الحكاية الشعبية التي جعلته رمزا للكسل فيجعل منه الشاعر رمزا للفنان الذي يهب الناس حياته كلها ولا يحسب لغد حسابا فيجعله يقول.. انا للشمس انا للحقل ..انا شاعركم وتر السهل.. قبل العصفور استقبلكم..بنشيد النور انا اغسلكم.. أما النملة فبرغم اجتهادها ومتابعتها للمحاصيل التي تحاول أن تجمع قوتها منها لتخبئه الى فصل الشتاء اظهرها الشاعر بخيلة أمام جارها العصفور عندما حاول ان يستعير منها بعض الحب ليقتات به فهي تقول بانزعاج.. مواسم الحصاد..موسم الجنى..مرت على البلاد..خيراتها لنا.. وبلهجة ساخرة تكمل النملة قولها.. فما الذي فعلت..طول الصيف يارفيق.. وكان للشهيد أثر كبير في مسرحية الشجرة التي راحت العصافير تغرد مجتمعة وهي تقول للشجرة بان الشهداء ماتوا لأجلها وحفاظا عليها وعلى ثبات جذورها فعلى الشجرة ان تمد أغصانها لتحط عليها الطيور و العصافير حتى لا يفكروا بالسفر مهما كانت الظروف قاسية عليهم تقول العصافير في مسرحية العيسى .. سقط الشهداء وراء الليل..لاجلك ماتوا يا شجرة.. يا من ظللت مشارقنا ..ومغاربنا.. يا منتصرة ..يا دوحتنا ..ضمينا ..أنهي غربتنا.. وللتاريخ الأدبي وثقافته دور في مسرحية الشاعر سليمان العيسى الأطفال يزورون المعري فهو يرى ضرورة معرفة هؤلاء الصغار بتاريخنا العريق وبما يحتويه من عظماء ملؤوا العالم بعبق عبقريتهم فيدفعهم لزيارته عبر قصة يصنعها من خياله فيقول المعري وهو يستقبلهم .. مرحبا اشرق الضياء.. بقلبي وناظري..يا صغاري حرمتكم ..فاملؤوا اليوم خاطري..عربدوا حول جدكم ..واظفروا كالبشائر.. ثم ينسج الشاعر العيسى حوار شعريا بين المعري والأطفال يذكر خلاله كثيرا من موءلفات المعري وكتاباته معتبرا أن مثل هذه الأشياء قد تضيف أشياء هامة إلى ثقافة الطفل وتخلد ذكرى ابي العلاء المعري ليبقى الطموح كبيرا في نفوس الاطفال الذين يغنون أمام المعري في المسرحية .. حلوة حلوة..اسمعيها تحكيها الان.. موسيقا الاقدام الحلوة ..في الجنة كان ابن القارح..يتنزه يوما في الجنة ..ما اطيبه ثمر الجنة.. كتب الشاعر سليمان العيسى مسرحياته الشعرية باسلوب لم تأخذ فيه العاطفة دورها وقد يكون سبب ذلك اختلاف الايقاع الموسيقي في المسرحية الواحدة واعتماده على اكثر من تفعيلة ومحاولاته الشعرية التي خرجت عن اطار العفوية غالبا. أما الأغلفة والرسوم الداخلية التي جسدت النصوص في كل المسرحيات فكانت للفنانين ابراهيم الحميد وضحى الخطيب وأحمد حج أحمد وقحطان طلاع وقد وصلت إلى مستوى المعاني الموجودة في المسرحيات وتجاوزتها أغلب الأحيان.