باريس - العرب اليوم
ركزت مباحثات جلالة الملك عبد الله الثاني مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في باريس امس الاثنين، على آخر التطورات الإقليمية والدولية، وسبل تعزيز مجالات التعاون والشراكة بين البلدين الصديقين.
وتم التأكيد، خلال المباحثات الثنائية والموسعة التي جرت في قصر الإليزيه بحضور عدد من كبار المسؤولين في البلدين، على أهمية مواصلة التشاور والتنسيق بين الأردن وفرنسا تجاه مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك، وتوسيع آفاق التعاون في المجالات الاقتصادية والعسكرية.
وفي تصريحات مشتركة للصحافيين عقب المباحثات الثنائية، أعرب جلالة الملك عن سعادته بزيارة فرنسا ولقائه الرئيس ماكرون، مؤكدا جلالته عمق العلاقات التاريخية التي تجمع بين البلدين.
كما قدم جلالته التهنئة للرئيس ماكرون على انتخابه رئيسا لبلاده، معربا جلالته عن تطلعه للعمل مع الرئيس الفرنسي لتعزيز العلاقات بين البلدين، ومن أجل تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.
وتاليا نص التصريحات الصحافية لجلالة الملك: "شكرا فخامة الرئيس. يسعدني أن أكون معكم مجددا في باريس. وأشكركم على حفاوة الاستقبال، وعلى المباحثات المهمة التي أجريناها للتو.
وأود أن أعبر عن التعازي الحارة باسمي وباسم الوفد المرافق وباسم الأردن. إن العلاقة التي تجمع بين المؤسسات في بلدينا، بما فيها القوات المسلحة، لطالما كانت قوية وراسخة، ونعبر عن التعازي الحارة بالضحايا (الذين سقطوا مؤخرا)، وعن التضامن الذي لطالما جمع بيننا، بالإضافة إلى الشراكة الوثيقة التي تربطنا تاريخيا، وبشكل أكبر في الوقت الحاضر في ظل التحديات المستقبلية التي تواجهنا، السياسية والعسكرية والإقليمية منها.
سنقف دائما إلى جانبكم وسيكون الأردن صديقا وحليفا دائما لفرنسا.
إننا حريصون على تطوير الشراكة الاستراتيجية بيننا، وهو ما كان واضحاً خلال مباحثاتنا، وعلى جميع المستويات. وهذا لن يكون بالأمر الصعب إذ لطالما ارتبط الأردن وفرنسا بعلاقات ممتازة تاريخيا. ولكن بالتأكيد يوجد بعض المجالات التي نحتاج فيها إلى تطوير علاقاتنا وأهدافنا.
مواجهة التحديات العالمية المشتركة التي نشهدها اليوم هي مسؤولية مشتركة بيننا جميعا، وأفضل وسيلة لمواجهتها هي العمل الموحد والمشترك، وهو الأمر الذي سنبحثه خلال لقاءاتنا المستمرة اليوم.
جميع التحديات التي تمسنا، سواء أكانت اقتصادية أو تهديدات التطرف والإرهاب، لا بد لها أن تقربنا وتجعلنا نتبنى منظورا استراتيجيا شموليا ليس فقط على مستوى الإقليم بل العالم.
على الرغم من أن هذه التحديات ليست مقتصرة على منطقتنا فقط، كما ذكرت، إلا أن غياب الحلول السياسية الشاملة للصراعات الإقليمية من شأنه أن يؤجج العنف الطائفي ومخاطر الإرهاب.
وبالتأكيد فإن لأوروبا دوراً كبيراً، ليس في منطقتنا فحسب، بل أيضاً هنا داخل حدود أوروبا. وهذا هو السبب الذي يدفعنا للتركيز على علاقتنا المميزة مع فرنسا. من التحديات التي نواجهها رفض خطاب الكراهية والإسلاموفوبيا، وهذا مهم لوقف قوى التطرف التي تعمل على زرع الخوف لتحقيق أهدافها.
جهودنا الجماعية يجب أن تركز على المصالح والفوائد المشتركة وإمكانية تحقيق حلول إقليمية والنظر إلى جميع الأزمات في منطقتنا من منظور شمولي. وكما ذكرتم فخامة الرئيس، من المهم أيضا في هذا السياق، أن نحقق تقدما في عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين وأن نصل إلى حل عادل وشامل يستند إلى حل الدولتين.
وإذا نظرنا إلى المستقبل، وعلى الرغم من الاضطرابات الإقليمية والأثر الإنساني لأزمة اللاجئين يشكل تحديا كبيرا للأردن، الذي بدأ بشق الطريق الذي يرتئيه لمعالجة الضغوطات الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن كل ذلك. ولكن في النهاية نأمل بدعم من المجتمع الدولي في ذلك.
وكما ذكرتم يا فخامة الرئيس، فإن فرنسا تعتبر أكبر مستثمر في بلدنا، وهذا شيء نقدره عاليا، ويوجد فرص كبيرة للقطاع الخاص في بلدينا، حيث يصل حجم الاستثمارات الفرنسية في الأردن نحو 2 مليار دولار في قطاعات الاتصالات والطاقة والإنشاءات.
وهذه فرصة مهمة، وآمل أن نتمكن هذا العام من دعوة الشركات الفرنسية لاستكشاف علاقات شراكة أقوى مع الأردن. وفي نهاية المطاف، فإن علاقاتنا السياسية وكيفية تعاملنا كشركاء مع التحديات داخل العالم الإسلامي ومنطقتنا، هو ما سيمكننا من المضي قدما.
وأتطلع قدما لمواصلة مباحثاتنا الليلة، ومرة أخرى فخامة الرئيس أشكركم جزيل الشكر لحسن ضيافتكم، والتي نحظى بها دائما هنا ليس فقط من قبلكم، ولكن من قبل الشعب الفرنسي والحكومة الفرنسية أيضا. وشكرا جزيلا." بدوره، رحب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال التصريحات الصحفية المشتركة، بزيارة جلالة الملك إلى باريس، والتي تأتي في إطار الصداقة التاريخية التي تربط البلدين.
وتاليا نص التصريحات الصحفية للرئيس الفرنسي: "السادة الوزراء، السيدات والسادة. بداية، أود أن أشكر صاحب الجلالة ملك الأردن على زيارته اليوم إلى باريس وأود أن أعبر له عن مدى سعادتي باستقباله. لقد حظينا بفرصة في أكثر من مرة لتبادل الآراء حول عدة مسائل إقليمية. وأنا سعيد لتمكننا هذا المساء من بحث عدة قضايا ذات الاهتمام المشترك وسنواصل هذا النقاش.
كما تعلمون، فرنسا والأردن مرتبطان بصلات صداقة وبتعاون وثيق ازداد متانة خلال السنوات الماضية. يجب أن أقول أن لدي علاقة خاصة ببلدكم لأنني قمت بزيارة خلال الحملة الانتخابية الرئاسية إلى القوات الفرنسية في منطقة الـ H5بالمملكة، بموافقة من جلالتكم. ولمست أثناء تواجدي في الميدان المستوى المتقدم لهذا التعاون.
تهدف زيارة الصداقة والعمل هذه إلى التطرق إلى كل القضايا ذات الاهتمام المشترك والعلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية كافة. وبما أننا نحمل رؤية مشتركة حول التحديات التي يواجهها الشرق الأدنى اليوم، كان من المهم، في السياق الراهن، أن نخوض في حوار استراتيجي حول تلك المسائل.
الموضوع الأول الذي تطرقنا إليه بالطبع هو مكافحة الإرهاب والتطرف، وهو موضوع يهم بلدينا بشكل مشترك. وأود أن أعبر لجلالتكم عن عميق تقديري لتمكنكم من الحفاظ على الأردن في واقع إقليمي صعب. وذلك بالرغم من الضغوط الناجمة عن تدفق اللاجئين ورغم مخاطر زعزعة الاستقرار. إذ ظل الأردن ركيزة من ركائز الاستقرار في المنطقة، واعتمد خطابا مسؤولا، وقد عبرتم عنه خلال لقائنا قبل قليل، وأنا معجب جدا به.
وبالرغم من أن العديد من التهديدات كان يمكن أن تمس بلدكم، تمكنتم، رغم موقعكم في قلب العالم العربي، من مواصلة نهج الحوار، وبنفس الوقت مراعاة احتياجاتكم. الأردن يشكل بالفعل عضواً مهماً وفاعلاً في التحالف الدولي ضد داعش، وقد أشرت إلى هذا قبل قليل خلال حديثي عن زيارتي إلى منطقة الـ H5 التي تستضيف جزءاً من قواتنا المسلحة في إطار العملية التي نسميها "شمال". لهذا فأنتم تعتبرون شريكاً رئيساً لبلدنا في عملياته.
وأود أن أشير مجدداً أن وقوف فرنسا إلى جانب الأردن وعملنا المشترك ضد آفة الإرهاب لن يتزعزع. كما تطرقنا في هذا السياق بشكل مطول إلى الأزمة في سوريا وسنواصل النقاش في هذا الصدد. فالأردن له حدود طويلة مع سوريا وهو معني بهذه القضية بشكل خاص. أنتم تستضيفون اليوم مئات الآلاف من اللاجئين ومعرضون لتهديدات بفعل استمرار الأعمال العدائية هناك.
ونحن نشارككم الشعور بضرورة اليقظة والحذر، والعزم على إحلال الاستقرار في كامل جنوب سوريا، أي على الحدود المشتركة بينكم. ونتمنى أن نوفر الوسائل والإمكانات الدبلوماسية والسياسية التي تضمن مشاركة الجميع في المنطقة، والتي ستتيح عودة الاستقرار والخروج من الأزمة، وهذه مبادرة طلبت من وزير الخارجية إطلاقها منذ عدة أسابيع.
وأضيف بأن فرنسا منخرطة بشكل قوي في المنطقة من خلال النشاط الدبلوماسي الذي نقوم به ومن خلال الحوار مع العديد من القوى الإقليمية بما في ذلك روسيا وإيران وتركيا وجميع دول الجوار.
نحن حاضرون أيضاً من خلال العمل الذي تقوم به الوكالة الفرنسية للإنماء، خصوصاً من أجل مساعدة الأردن على مواجهة أعباء اللجوء. ومساهمتنا في هذا الصدد تركز على البنى التحتية. وأؤكد هنا أن هذه المساهمة ستستمر.
تطرقنا، وسنواصل النقاش مع جلالة الملك، حول النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. وكلانا قلقان من العنف على الأرض ميدانيا، وأود هنا أن أدين مجدداً الهجوم الذي وقع يوم الجمعة الماضي في القدس، وأدين أيضاً مواصلة الاستيطان الذي يهدد حل الدولتين.
موقفي لم يتغير في هذا الصدد سواء أكان ذلك أثناء الحملة الانتخابية أم بعد انتخابي. نحن متمسكان بالحفاظ على الوضع القائم في الأماكن المقدسة في القدس، واتفقنا مع الملك على مواصلة الجهود لإيجاد أفق سياسي ذي مصداقية كي نتمكن من إعادة إطلاق عملية السلام.
وبالإضافة إلى الشأن الإقليمي وكل هذه التحديات، هناك أيضاً العلاقات الثنائية. إذ لدينا علاقة صلبة ومتينة وفي تطور مستمر. فرنسا هي أكبر مستثمر أجنبي في الأردن. وأتمنى أن نحافظ على هذا الالتزام وأن نتمكن من تعزيزه أيضاً. أتمنى أن تستمر الشركات الفرنسية في تعزيز استثماراتها خصوصاً في قطاعات المياه والطاقة. وأشير خصوصاً إلى مشروع قناة البحرين (البحر الأحمر والبحر الميت)، والذي أدرك أهميته بالنسبة إلى بلدكم، خصوصاً بالنسبة لكم صاحب الجلالة. لقد ساندت فرنسا هذا المشروع بقوة منذ البداية. هذه هي أهم المواضيع التي تحاورنا حولها خلال هذا اللقاء الأول بيننا وسنواصل الحديث مساء اليوم أثناء عشاء العمل.
أعزائي السيدات والسادة الصحفيين، لا أريد أن أختتم هذا التصريح من دون التعبير عن تعاطفي مع زملائكم الثلاثة الذين أصيبوا اليوم في الموصل ومعاونهم العراقي الذي لقي حتفه في هذا الحادث العسكري المأساوي. أود هنا أن أعبر مجددا عن كامل تضامن فرنسا ورئيسها مع هؤلاء النساء والرجال الذين يؤدون عملهم بشجاعة والذين سنستمر في مساندتهم. أود أن أعرب أيضاً عن تعاطفي مع عائلاتهم وجميع زملائهم. أؤكد استنفارنا لكامل أجهزتنا في الميدان من أجل معرفة ما حدث بالضبط وتقديم جميع أشكال المساعدة اللازمة." وتناولت المباحثات مستجدات الأوضاع في الشرق الأوسط، وفي مقدمتها عملية السلام والأزمة السورية، حيث تم التأكيد على ضرورة دعم الجهود المستهدفة تحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين استنادا إلى حل الدولتين، والتوصل لحلول سياسية شاملة للأزمات الإقليمية، تعيد الأمن والاستقرار لشعوب المنطقة.
كما بحث الزعيمان الجهود الإقليمية والدولية لمحاربة الإرهاب، ضمن استراتيجية شمولية، كون خطره يهدد الأمن والسلم العالميين. المباحثات تطرقت أيضا إلى الأعباء التي يتحملها الأردن جراء أزمة اللجوء السوري وما تسببه من ضغوط على الاقتصاد الأردني، حيث جرى التأكيد على ضرورة التزام الجهات المانحة بتنفيذ تعهداتها تجاه الأردن والدول المستضيفة الأخرى.
وأعرب جلالته، في هذا الصدد، عن تقدير الأردن للمساعدات الاقتصادية التي تقدمها فرنسا للمملكة لتمكينها من مواجهة أعباء اللجوء السوري، وتنفيذ برامجها التنموية في قطاعات حيوية.
ولفت جلالة الملك إلى ضرورة زيادة الاستثمارات الفرنسية والأوروبية في الأردن، للاستفادة من اتفاقية قواعد المنشأ بين الأردن والاتحاد الأوروبي. وفيما يتعلق بالأزمة السورية، اتفق جلالة الملك والرئيس الفرنسي على ضرورة إيجاد حل سياسي للأزمة في سوريا، يضمن وحدة أراضيها وسلامة شعبها.
بدوره، أكد الرئيس الفرنسي استعداد بلاده للقيام بأي دور لمساعدة الأردن والقطاع الخاص فيه وفتح الأسواق للمنتجات الأردنية، معربا عن دعم فرنسا للإصلاحات الاقتصادية التي تنتهجها المملكة.
وحضر المباحثات رئيس الوزراء الدكتور هاني الملقي، ووزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي، والسفير الأردني في فرنسا مكرم القيسي، فيما حضرها عن الجانب الفرنسي وزير أوروبا والشؤون الخارجية جان إيف لودريان، ورئيس الأركان الخاص لرئيس فرنسا الفريق أول برنارد روجيل، والسفير الفرنسي في عمان ديفيد برتولوتي.