المرصد العمالي الأردني

أشارت ورقة تقدير موقف أصدرها المرصد العمالي الأردني التابع لمركز الفينيق للدراسات الاقتصادية "إلى أن المقترحات التي وردت في نص المادة " 183 مكررة" في مقترح قانون العقوبات الأردني  المنظور حاليًا في البرلمان، تتعارض وبشكل جوهري مع جملة من المبادئ الحقوقية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تضمن للمواطنين حقوقهم الانسانية من جهة، وتضمن سلاسة عمليات التحول السياسي والاجتماعي الذي يشهده الأردن بشكل سلمي وتدرجي".

وبينت الورقة أنه في الوقت الذي كان يتوقع فيه الناشطون النقابيون والحقوقيون خطوات حكومية ملموسة لتعديل المنظومة التشريعية الناظمة للحق في العمل والحقوق الأخرى المرتبطة به مثل الحق في التنظيم النقابي والمفاوضة الجماعية والحق في الحماية الاجتماعية، وتطبيق معايير العمل اللائق التي تضمنتها التشريعات الأردنية المختلفة ومعايير العمل الدولية المتعارف عليها، باتجاه مزيد من الفاعلية، بهدف تجاوز حالة الاحتقان التي تعاني منها علاقات العمل، كأحد أهم مكونات العلاقات الاجتماعية، والتي تشهد اختلالات كبيرة تهدد الأمن الاجتماعي والسياسي للمملكة، والتخفيف من حدة الانتهاكات التي يتعرض لها غالبية العاملين في الأردن، وجاءت المقترحات الحكومية على قانون العقوبات كخطوة تراجعية من شأن إقرارها تعميق الاحتقانات والاختلالات في علاقات العمل بنحو خاص والعلاقات الاجتماعية بنحو عام.

وكشفت الورقة أن من شأن هذه التعديلات على قانون العقوبات أن يحرم قطاعات كبيره من المواطنين من حقوق إنسانية أساسية لها تأثيرات اجتماعية واقتصادية كبيرة على المجتمع، فالحق في التجمع السلمي والإضراب والتعبير عن الرأي مرتبطة بشكل كبير مع بعضها البعض, ولأن أهداف عملية الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي تتمثل في تمكين المواطنين من التمتع بحقوقهم الانسانية الأساسية، فإن ذلك يشكل تراجعًا ملموسًا عن مسيرة عملية الإصلاح التي أعلن الأردن أنه اختارها.

ومن المتوقع أن يناقش مجلس الأمة الأردني بغرفتيه النواب والأعيان خلال الأسابيع القليلة المقبلة تعديلات جوهرية على قانون العقوبات الأردني، وتتضمن هذه التعديلات إضافة مادة جديدة تحمل الرقم "183 مكررة"، تهدف إلى تجريم الموظفين والعمال في القطاعين العام والخاص الذين يمارسون حقهم في الإضراب في الكثير من القطاعات الاقتصادية بالغرامات المالية والسجن.

ولفتت الورقة إلى أن "الإضراب" أحد الحقوق الانسانية ذات الطبيعة المزدوجة، والمنصوص عليها في العهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهو من الحقوق الفورية التنفيذ، ويعتبر الإضراب بمختلف أشكاله جزءًا أساسيًا من الحق في التجمع السلمي المنصوص عليه في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وهو كذلك شكل من أشكال حرية التعبير عن الرأي المكفول في ذات العهد، وعليه فإن جزءًا من التزامات الدولة عدم التدخل لحرمان العاملين من ممارسة هذا الحق من جهة، وعليها من جهة أخرى التدخل لضمان ممارسته من خلال تنظيم الممارسة وليس تجريمه كما جاء في مقترحات التعديل.

وبينت الورقة أن لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية اشترطت على الدول الأطراف في العهد المذكور "والأردن جزء منها منذ عام 2006" بأن تعترف به في قوانينها الوطنية الناظمة للإضراب بشكل واضح ومحدد, وقد أدانت لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية القيود القانونية الكثيرة أو الشديدة التي تفرضها بعض الدول الأطراف على ممارسة الحق في الإضراب.

 وأكدت اللجنة أن الإشارة الواردة في المادة "8/ 1/ د" من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرامية إلى أن ممارسة هذا الحق تتم وفقًا للقانون الوطني، لا يمكن فهمها أو تفسيرها على أنها تمنح الدول الأطراف، سلطة تقديرية مطلقة في فرض قيود قانونية عليه، تعرقل ممارسته.

وبينت الورقة كذلك أن لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بأن الدول الأطراف ملزمة بإزالة القيود التي لا تكون ضرورية جدًا لتعزيز الرفاه العام في مجتمع ديمقراطي، أو لحماية الأمن الوطني، والنظام العام، والصحة وحقوق الآخرين، ووضعت منظمة العمل الدولية كذلك معايير دولية موضوعية تنظم ممارسة الحق في الإضراب، ووفقاً للمادة "8/ 3" من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لا يجوز للدول الأطراف في العهد أن تنتقص من الحماية المقررة في معايير العمل الدولية.

وأوضحت الورقة أن الدستور الأردني كفل حق العاملين ضمنًا بممارسة حقهم بالإضراب من خلال المادة "128/1" والتي نصت على أنه "لا يجوز أن تؤثر القوانين التي تصدر بموجب هذا الدستور لتنظيم الحقوق والحريات على جوهر هذه الحقوق أو تمس أساسياتها", ونظم قانون العمل الأردني في المواد "134، 135، 136" ونظام شروط وإجراءات الإضراب رقم "8" لعام 1998 عمليات الإضراب، والذي طلب من العاملين في القطاعات الحيوية الإبلاغ عن موعد الإضراب قبل أربعة أسابيع من موعده، وليس أسبوعين كمثل قطاعات العمل غير الحيوية، ولم يمنعه، وبالتالي فهذه التعديلات تتعارض مع النصوص الدستورية ومع نصوص قانون العمل الأردني.

وأكدت الورقة أنه في الوقت الذي أجازت لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ولجنة الحريات النقابية التابعة لمنظمة العمل الدولية للمشرعين وضع بعض القيود على ممارسة هذا الحق، ومنها القيود المتعلقة بالخدمات والمرافق الأساسية، التي يضر غيابها بحياة الأفراد، أو بصحتهم أو بسلامة جميع السكان أو جزء منهم، ومنها: المستشفيات، الكهرباء، المياه، الاتصالات، الضابطة العدلية، السجون، الرقابة على الطيران، إلا أن هذه الهيئات القانونية الدولية ربطت هذه القيود بجملة من الإجراءات، تمثلت في توفير الضمانات والحمايات المناسبة للحفاظ على مصالح العاملين "الراغبين بإجراء الإضراب أو الاحتجاج" الاقتصادية والاجتماعية وسرعة الاستجابة لمطالبهم، لتعويضهم عن تقييد حرية تحركهم لتحسين شروط عملهم وحياتهم, وكذلك توفير إجراءات وآليات وأدوات مفاوضة جماعية فعالة تشمل الوساطة والتحكيم السريعة التوافقية وغير المنحازة.

وشدد مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية "أحمد عوض" " أن التعديلات الحكومية المقترحة على قانون العقوبات، والتي ستجرم خلالها الموظفين والعاملين في الرعاية الصحية والكهرباء والمياه والهاتف والتعليم والقضاء والنقل، عندما يمارسون حقهم في الإضراب، تشكل مخالفة للمعايير الدولية لحقوق الانسان ولمعايير العمل الدولية ذات العلاقة، فهي وإن كان بعضها ضمن القطاعات الحيوية التي يجوز فيها وضع بعض القيود على ممارسة الحق في الإضراب، إلا أن وضع هذه القيود مشروط بإجراءات حكومية تعوض العاملين فيها عن وجود هذه القيود، تضمن لهم حقوقهم، والحكومة الأردنية لم تقم بإصدار تشريعات وسياسات توفر هذه الضمانات".

وأكد "عوض"، أن "من شأن حرمان العاملين في القطاعين العام والخاص من ممارسة حقهم في الإضراب، باعتباره أداة سلمية للاحتجاج على ضعف شروط العمل أو المطالبة بتحسينها، فإن ذلك سيدفعهم لاستخدام أساليب غير سلمية للتعبير عن عدم رضاهم عن ظروف العمل القائمة والمطالبة بتحسينها، وهذا سيهدد الأمن والاستقرار الاجتماعي وبالتالي الأمن الوطني بمفهومة الشامل".

وأشارت الورقة إلى أن من شأن حرمان العاملين في هذه القطاعات من ممارسة حقهم في الإضراب، إلى جانب حرمانهم من ممارسة حق تشكيل نقابات فعالة ومستقلة وديمقراطية، أن يعمق التفاوتات والاختلالات الاجتماعية، ويمنع بناء توازنات اجتماعية بين مختلف مكونات المجتمع، وهذا التوازنات هي الضامن الأساسي للمحافظة على الأمن والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي وبالتالي الاستقرار الأمني.