فيما يستعد المصريون للاحتفال "بعيد الأم" فانهم يحتفلون بثقافة وطن وأصالة المرأة المصرية على مر العصور ودورها المجيد في ثورة شعب يعتبر بلاده وعاصمتها "أم الدنيا". ومن نافلة القول أن المرأة المصرية لها دور بالغ الأهمية في "المسافة الزمنية والاجتماعية مابين تهاوي نظام الاستبداد والفساد وقيام مجتمع الحريات" وهي المرحلة الانتقالية او المسافة المشحونة بألوان متعددة من تآمر وإرهاب القوى الظلامية وأعداء مصر بغية تحريف قطار الثورة والحيلولة دون وصوله لمحطته المنشودة شعبيا. وتؤكد المادة الحادية عشرة من الدستور الجديد لمصر على أن تكفل الدولة اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل المرأة تمثيلا مناسبا في المجالس النيابية فيما تتصاعد الدعوات المشددة على أن الوقت قد حان لتتبوأ المرأة المصرية مكانتها المستحقة في سياق نظام اجتماعي-اقتصادي جديد يعبر بأمانة عن قيم الثورة الشعبية ويحقق اهدافها. ويأتي عيد الأم هذا العام بعد أن ضربت المرأة المصرية أمثلة فذة للوطنية والارتباط بتراب مصر في الثورة الشعبية بموجتيها يناير-يونيو وبما يعيد للأذهان دورها الوطني والتحرري في ثورة 1919 وكل المراحل الحاسمة لهذا الوطن. وإذا كانت الناقدة والروائية المصرية الدكتورة شيرين ابو النجا ترى أن التساؤل عن معاناة المبدعة من احتكار الرجال لم يعد صالحا للواقع الابداعي الحالي، معتبرة أن المبدعة المصرية والعربية عموما "تمكنت من فرض نفسها على الساحة"، فإن الكاتبة الكبيرة سكينة فؤاد قد وجهت التحية لكل امرأة مصرية في أجيالهن المتعاقبة وحلقات كفاحهن المتواصلة بمناسبة الاحتفال بيوم المرأة المصرية. وفيما يوافق الاحتفال بعيد الأم في مصر يوم 21 مارس، فإن يوم المرأة المصرية يوافق السادس عشر من مارس حيث خرجت أكثر من 500 سيدة وفتاة في هذا اليوم من عام 1919 في مظاهرة شكلت علامة فارقة في الثورة الشعبية ايامئذ. وأعادت سكينة فؤاد للأذهان ماكتبته استاذة الصحافة الراحلة الدكتورة اجلال خليفة من صفحات ناصعة عن تاريخ كفاح المرأة المصرية وكذلك كتاب "المرأة المصرية والتغير الاجتماعي-1919-1945" للدكتورة لطيفة سالم، مضيفة أنه منذ "الأحد 16 مارس 1919 وحتى الأحد 1ذ6 مارس 2014 لم تتوقف حركة الزمن إلى الأمام ومازالت صخور كثيرة راسخة داخل الرؤوس تحجب صحيح الرؤية إلى قدرات واستحقاقات المرأة". والديمقراطية كما ترى الدكتورة نوال السعداوي ليست انتخابات فقط "بل هي الكرامة والحرية والمساواة للجميع والعدالة الحقيقية أو القانون العادل الذي يطبق على الجميع دون تفرقة". وبالفعل، كما تقول الكاتبة سكينة فؤاد، فإن المرأة المصرية تحملت أقسى الأعباء " نتيجة للفساد والافساد والانهيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية على امتداد عشرات السنين"، منوهة في الوقت ذاته بأن "الأجيال العظيمة من الصابرات والبناءات والعاملات من حفيدات المناضلات عبر حلقات التاريخ لن يرفعن رايات الاستسلام لأنهن يعرفن كم تحتاج إليهن بلدهن وأنهن يتقدمن أرصدة الأمان والتأمين والقوة لها في مواجهة الأخطار والارهاب والمؤامرات". وفيما يستعد المصريون للاحتفال بعيد الأم، فإن الثقافة الغربية تحفل بكتب عن أمهات الرؤساء والقادة الكبار فى هذا العالم مثل الرئيس الأمريكى باراك اوباما، وهاهو كتاب " إمرأة متفردة .. القصة التي لم ترو عن والدة باراك أوباما" لجاني سكوت يطرح أحيانا أسئلة قاسية وحساسة عن حقيقة علاقة الابن الرئيس بالأم آن دونهام التي رحلت منذ سنوات بعد الأب حسين أوباما الذي غاب عن الابن وهو في عامه الأول ثم سرعان ما رحل عن الدنيا كلها. وكتابة سيرة ذاتية لأي شخص دون ذكر أسمه في عنوان الكتاب قد يكون أمرا غير معتاد لكن هذا الكتاب يتحدث عن روح حرة وسيدة استثنائية فهي إمرأة متفردة بحق، ورغم الاختلاف البين فى لون البشرة بين الأسمر باراك اوباما الذى ورث لون بشرته عن والده القادم من كينيا وبين والدته الأمريكية ذات البشرة البيضاء، فإن هناك تشابها مثيرا للتأمل فى الملامح وتقاطيع الوجه بين الابن ووالدته التى ولدت عام 1942 فى كانساس حيث الذقن الطويلة والرأس الموروبة قليلا والحواجب الناتئة. ومع أن باراك اوباما له كتاب عن والده حسين اوباما الذى تخصص فى الاقتصاد بعنوان :"أحلام من والدى" فإنه لم يكتب بعد عن امه التى كانت علاقته بها غير عادية وشكلت احد اهم مصادر الهامه. والغريب أن باراك اوباما يبدو مشدودا نحو والده الراحل مع أنه تركه بعد عام واحد من ولادته ليعود وحده الى كينيا والقارة السمراء ويبقى الابن مع أمه.. فكأن الابن كتب عن الأب الذي لايكاد يعرفه ولم يكتب بعد عن الأم الحبيبة التي عرفها أكثر من أي انسان اخر في هذه الحياة . هل يكون سبب احجام الرئيس الأمريكي عن الكتابة عن والدته انه وهو صاحب القلم والكلمة عاجز عن مغالبة مشاعر الفقد لأعز الأحباب تلك التي لم يقدر لها أن تبقى على قيد الحياة لترى إبنها داخل البيت الأبيض؟!..أم انه كما يرى البعض حاول أن يبقى على مسافة بينه وبين الأم التي تزوجت بعد أن رحل الزوج الافريقي بلا عودة ؟!. هذا النوع من الاسئلة القاسية والحساسة يسعى كتاب جانى سكوت للاجابة عنها عبر إبحار عميق فى مسيرة السيدة آن دونهام ولاجدال أن الظروف الأسرية ومعطيات التنشئة لها آثارها فى تكوين أى شخص وقد تكون فى خلفية قراراته أو ميوله عندما يصبح رئيسا أو صاحب منصب أو موقع مؤثر فى الحياة العامة. وكما يلاحظ هذا الكتاب الجديد فإن باراك اوباما بزواجه من فتاة أمريكية منحدرة مثله من أصل افريقى عمد لنهج فى الاختيار مغاير لوالدته ذات البشرة البيضاء التى تزوجت من رجلين احدهما افريقى كينى والآخر اسيوى اندونيسى. ووالدة باراك أوباما لها دراسات متعمقة فى اقتصاديات الحرف اليدوية باندونيسيا وحصلت على الدكتوراه عن اطروحة حول الحياة فى الريف الاندونيسى كما يوضح هذا الكتاب الذى يتضمن صورة التقطت عام 1970 لآن دونهام مع ابنها باراك حسين اوباما وزوجها الثاني الاندونيسي لولو سويترو وابنتهما مايا سويترو. كان الفتى باراك حسين أوباما مع الدته عندما تزوجت للمرة الثانية فى جاكارتا كما عاش معها فى هاواى غير ان بشرته السمراء التى ورثها عن والده الغائب أبدا كانت هي الحاضرة في مسيرته السياسية وارتباطه بما عرف بحركة أمريكا السوداء بل إن اسم الأب الغائب دوما كان يتردد أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية فيما غاب اسم الأم الحاضرة أبدا في حياة الابن عن هذه الحملة التى انتهت بدخول الشاب الأسمر البيت الأبيض. ومع ذلك فإن مجرد انتماء باراك اوباما من ناحية الأم لأمريكا البيضاء كان كفيلا بتخفيف حدة العداء من جانب الناخبين البيض أثناء الانتخابات الرئاسية فكأن الأم الغائبة ظاهريا عن المشهد الحاسم في حياة الابن اسهمت ضمنا في فوزه في تلك الانتخابات التي جرت عام 2008. وأثناء الاقامة التى امتدت عدة سنوات فى اندونيسيا، كانت آن دونهان تأتي لابنها باراك حسين أوباما بكتب عن حركة الحقوق المدنية فى امريكا وكتابات وتسجيلات لداعية حقوق الانسان مارتن لوثر كينج فضلا عن اشرطة اغاني لأصوات رافضة للتمييز العنصري. وإذا كان الكيني الأصل حسين اوباما قد توفي مبكرا عام 1982 فى حادث سير فأم الرئيس الأمريكي باراك اوباما توفيت عام 1995 بالسرطان في هاواي لتبقى انشودة حب وشجن وفقد في قلب الابن الذي قدر له أن تكون لقراراته آثارها ليس على بلاده وحدها وإنما العالم كله، لكن:هل يدرك أوباما "علاقة الأمومة" في الحالة المصرية؟!. ولعل علاقة "الأمومة" بين شعب ما ووطنه وعاصمة هذا الوطن لاتتجلى على مستوى العالم كله كما هي في الحالة المصرية التي رصدها الصحفي البريطاني "ماكس رودنبك" في كتابه :" القاهرة :المدينة المنتصرة" وصاحب هذا الكتاب ليس غريبا عن القاهرة فهو كاتب مقيم بها وصحفي ومراسل لعدة صحف أجنبية على مدى سنوات طويلة . وقد بدأت علاقة ماكس رودنبك بالقاهرة منذ أن حضر إليها بصحبة والديه اللذين يعملان بالتدريس الجامعي وعمره عامان وتعلم في هذه المدينة ونشأت صداقاته مع أبنائها وعرف مباهج الحياة ومصاعبها في احيائها ثم تزوج مصرية من الأسكندرية. وفي هذا الكتاب الذي بدا وكأن من كتبه "ابن بلد مصري" رغم أنه صدر بالانجليزية كان السؤال المحوري: "ما الذي يجعل القاهرة رغم مشاكلها المتعددة محبوبة في نفوس كل من يرتادونها ويقطنون بها فيتحدثون عنها بكل الشغف والعشق"؟!..ينقل رودنبك عن أحد القاهريين قوله إن "القاهرة أم الدنيا" وهذا القاهري كما لاحظ مؤلف الكتاب يقولها كحقيقة لا تقبل الجدال وليست بحاجة إلى الشرح!. وهل علاقة الأمومة تقبل الجدال أو بحاجة لشرح؟!. إنها الأم الرحيمة الحبيبة التي لم تزل تنجب الشهداء والأبطال وتحنو على كل الأبناء .. تبشر بالفجر الآتي وقد تبكي في صمت عقوق بعض الأبناء!.. لو حال الظلام أحيانا بين العين والعين فوجهك ياغالية يتراءى في أعماق القلب .