ليس السواد الأعظم من الأسماء المدعوّة الى "معرض بيروت الفرنكوفوني" بين الأول والعاشر من تشرين الثاني، من الطراز الهامشيّ في المشهد التأليفي لبنانيا ثم فرنسيا ففرنكوفونيا، بل يجوز إدعاء العكس، من دون المجازفة باقتراف مبالغة. منذ واحد وعشرين عاما والمعرض يريد تكريس موقعه ذريعة جميلة لجمع أقطاب تأليفية لن تلتئم في مكان واحد من دون مبرّر مقنع، وليست إقامة معرض للكِتاب سوى الحجة والنتيجة الأكثر ملاءمة. جاءت بعض النسخات على مستوى الطموحات، في حين قصّرت أخرى في استقطاب الأقلام الأدبية اللافتة، علما أن التوتر الأمني زاد الواقع تعقيدا أحيانا. لكن أكثر من معطى يجعلنا نعوّل على دورة 2013. يجتمع الشهر المقبل في مجمع "بيال" في بيروت، ما يزيد على ثلاثين كاتباً البعض منهم مكلل بالإمتيازات الى آخرين أفادوا من استقبال نقدي أو جمعوا المجد من طرفيه، أي ان الجوائز تذكّرتهم، في حين لم يجافهم النقد. من لبنان والبلدان الفرنكوفونية، قائمة تضمّ أصواتا مختلفة تسلل العديد منها، من طريق اصدارات حديثة، الى قوائم الإمتيازات الرئيسية في الموسم الأدبي الفرنسي، ولا تزال تنتظر أن يحسم مآلها. في 2013، يستقطب "معرض بيروت الفرنكوفوني" السنوي بعض المرجعيات الكتابية المدينة الى أكثر من نوع، فيحاذي الروائي والباحث أمين معلوف على هذا النحو، المؤرّخ الفرنسي المشغوف بالعالم العربي هنري لورنس والمؤرخ والناشر السوري الفرنسي فاروق مردم بك، الى أمينة سر "الأكاديمية الفرنسية" الدائمة والمؤرخة المتخصصة بالشؤون الروسية، هيلين كارير دانكوس. في حين تطلّ خلال الأيام العشرة أسماء ألفنا تردّدها إلى معرض بيروت، من مثل الشقيقين باتريك وأوليفيه بوافر دارفور والكاتب البلجيكي جان فيليب توسان الى الفرنسي ماتياس اينار. في 2012، كاد التوتر الأمني أن يودي بـ"معرض بيروت الفرنكوفوني"، ولولا التمسّك بمحاربة آلة القتل من طريق آلة صنع الأحلام الأدبية، لكانت الأولى بدّدت الثانية إلى غير عودة. أتت آنذاك النسخة العشرون مدفوعة بدعم لافت شكّله استقبال بيروت "أكاديمية غونكور" ضيفة شرف، ممثلةً بالجزء الأكبر من أعضائها ورئيستها ادموند شارل رو، ليتبدّى دعوة علنيّة للتمسّك بالمعرض ورمزيته. من الجيد ربما، أن نحاول مقاربة "معرض بيروت الفرنكوفوني" على نحو أكثر تروّيا هذه السنة، متمسّكين بهدنة أمنيّة نتمناها مديدة. نرغب في أن نستمهل الأسماء المنتقاة بعيدا من أي اعتبارات خارجة على الأدب، كأن نتوقّف مثلا عند تفصيل حلول كاتب أميركي ضيفاً على المعرض الفرنكوفوني، في العاصمة اللبنانية. صحيح ان دوغلاس كينيدي منقول الى سبع وعشرين لغة وتخطّى بهذا المعنى الإنتماء الجغرافي الحصري. وصحيح أيضا أن المؤلف يتنقل في الإقامة بين مثلّث لندن وبرلين وباريس، ويتحدّث الفرنسية بطلاقة ونال في فرنسا في 2007 "وسام الفنون والآداب" من رتبة فارس. غير انه لا يزال مؤلفا أميركيا أو "أفضل كاتب أميركي لم تسمع عنه شيئا" في حال استعرنا كلام مجلة "تايم" في 2007، في نبرة لم تخفِ شيئا من التهكم. اختار كينيدي الإنتشار خارج نطاقه العفوي، قبل سلوك طريق العودة الى الولايات المتحدة الأميركية. استقبل قراء العالم نصوص التشويق النفسانية بحماسة وتلقّفه الفرنسيون على نحو لافت موصلين أكثر من عنوان في رصيده الى مرتبة الأكثر مبيعا. يلقي كينيدي حكاياته إجمالا في خلفيّة أوروبية ليساهم ذلك في جعله يوصف في "بلاد المنشأ" بالأيقونة الثقافية الأوروبية. كينيدي كاتب عالمي، إن لم نقل كاتبا معولما، يحضر الى بيروت مصطحبا نصه الروائي "خمسة أيام" الصادر في آذار 2013 لدى "راندوم هاوس" في بريطانيا وفي نيسان من العام نفسه لدى "اتريا" في الولايات المتحدة الأميركية، وقبل أيام فحسب لدى "بلفون" في فرنسا. أما الباحث في السياسة والأكاديمي الفرنسي جيل كيبيل فيحمل الى بيروت مؤلّفه الأحدث "إندفاع عربي" (لدى "غاليمار")، مرافقا التطورات في منطقة شرّعت في الأعوام الأخيرة، على العنف والتجارب والأمل أيضا. على مرّ أكثر من أربعة عقود، التقى كيبيل جميع الأطراف الفاعلين في العالم العربي أي المعتدلين والمتطرّفين وما بينهما، وخرج من تلك المرحلة، بدفاتر تتوزّع في أربعة عشر فصلا تستبقي شيئا من جميع الأماكن التي قصدها. في العالم العربي أيضا ولبنان تحديدا، تستقر رواية الكاتب الفرنسي سورج شالاندون "الجدار الرابع". يتسلل نصه الى بلاد تلتهمها نيران الحرب الأهلية، تلد فيها محاولة خارجة على السياق العنفي العام، لتقديم عمل جان أنوي "أنتيغونا". بينما يلتقي القراء اللبنانييون أيضا وزير التربية الفرنسي السابق وعضو "الأكاديمية الفرنسية" ورئيس "المعهد الفرنسي" كزافييه داركوس حول إنتاجه الأحدث لدى "هاشيت" بعنوان "تاريخ الآداب الفرنسية". في باب الرواية يلتئم زوار "معرض بيروت الفرنكوفوني" حول ميتان أرديتي الذي يتصوّر في مؤلفه "أخوية الآباء الطائرين" مجموعة رهبان يواجهون فظاعات يرتكبها البولشيفيون ضد الكنيسة الأرثوذكسية وكنوزها وكهنوتها. في حين يتناول الباحث المغربي المقيم في فرنسا رشيد بنزين وهو أحد ضيوف المعرض أيضا، في "القرآن مفسَّرا لليافعين" (لدى "سوي")، إمكان قراءة القرآن بأساليب مختلفة، احدها أسلوب المؤمن والآخر أسلوب المؤرّخ المنخرط في عمل نقدي، مشددا على ان لا تناقض بين القراءتين. في روزنامة مواعيد المعرض أيضا مكان للمعلّق الأدبي التلفزيوني ايريك نولو ("لماذا هذا القدر من أ. ن.") وجيلبير أشقر ("الشعب يريد") وبيار بلان ("الشرق الوسط: السلطة والأرض والمياه") ومازن كرباج ("رسالة الى الأم") والكاتب الحاصل على "غونكور" عتيق رحيمي ("ملعون دوستويفسكي")، الى أسماء سواها. وللعام الثاني على التوالي سيجتذب منح جائزة "خيار الشرق"، في الثالث من تشرين الثاني، جلّ الإهتمام. يختار في سياقها طلاّب ينتمون الى خمس عشرة دولة عربية، كِتابا من بين تسعة عناوين وردت في القائمة الثانية لجائزة "غونكور" الأدبية لهذه السنة. يُشرف الروائي شريف مجدلاني على مداولات الطلاب ويحلّ ضيفا على المعرض أيضا مستقدما إصداره بالفرنسية لدى منشورات "لو سوي"، "آخر أسياد حي المرصد". يجزم سيوران ان الكتاب انتحار مؤجل، حسبنا ان حيوات كثيرة ستنقذ في وسط رتل من الكتب بالفرنسية، تستدعينا في تشرين الثاني.