رواية "القداس"

إنها الحرب بحكاياتها المثيرة والحزينة فى الوقت نفسه، تفرض نفسها على أجيال متتابعة من الكتاب والمبدعين فى كل العالم، لكن ليس هناك أقسى مما يكتبه مبدع شارك فى الحرب ورأى الموت والدم وعرف القيمة الحقيقية للإنسان، وتأكد أن الحرب التى تشتعل فى مكان ما لا تنتهى أبدا بوقف السلاح بل تظل نارها تأكل فى أرواح الذين شاركوا فيها وتنخر كالسوس فى أرواحهم، هكذا حال رواية "القداس" التى أبدعها الكاتب البريطانى نيفيل شوت الذى نشر 23 رواية، ولم يترجم أى منها إلى العربية، رغم ما حظيت به رواياته من انتشار واسع كما تحول بعضها إلى أفلام سينمائية ومسلسلات تليفزيونية، والرواية التى معنا تترجم للعربية للمرة الأولى وصادرة عن "الهلال" ترجمة الشرقاوى حافظ.

وأصدر نيفيل شوت روايته عام 1955 بعنوان "قداس فتاة البحرية"، والتى تبدأ أحداثها عام 1953 فى أستراليا، وتنتهى فيها أيضا، وبطلها "آلان" شارك فى الحرب العالمية الثانية وفقد قدميه، كما مات فى الحرب نفسها شقيقه الصغير "بيل"، كل هذه المآسى وأثرها تجسده الرواية.

ويعلم "آلان" لحظة وصوله لمدينته بانتحار الخادمة، ويؤرقه الأمر ويتساءل: ما الذى يدعو خادمة فى ضيعة كبيرة، وسط حياة هادئة فى قرية أسترالية إلى الانتحار؟ ولماذا لم تترك أى دليل يشير إلى هويتها؟، وعندما يفتح حقيبتها يفاجأ بأنه يعرفها، وقد رآها ذات مرة فى معسكر بصحبة أخيه، إنها فتاة البحرية التى كان يفترض أن تتزوج أخاه بيل، وتدله أوراق الفتاة المنتحرة على تراجيديا تسبب فيها خطأ غير مقصود من الفتاة التى قصفت مقاتلة على وشك الاستسلام، وقتلت كل من فيها، وهو مشهد سيعصف بحياتها، ويحيلها إلى كابوس لا تعرف كيف تخرج منه، أو تكفر عن خطأ القتل. ويقول الكاتب الصحفى والروائى سعد القرش، رئيس تحرير سلسلة "روايات الهلال" إن رواية "القداس" تنضم إلى كلاسيكيات رواية الحرب كتجربة إنسانية جارحة، مثل رواية "كل شىء هادئ فى الميدان الغربى" للألمانى أريك ماريا ريمارك، ورواية "القداس" جدارية عن صراع الحب والموت، عن حرب لا تكتفى بحصد الأرواح، بل تترك ندوبا فى النفوس، وجراحا لا يشفيها إلا الانتحار. أما المترجم شرقاوى حافظ الذى ترجم الرواية إلى العربية، فيقول إن مؤلفها نيفيل شوت أفاد من تجنيده فى الجيش البريطانى فى الحرب العالمية، كما ساعده فى وصف كثير من التفاصيل الخاصة بالميدان أنه كان مهندسا فى الطيران سلاح الطيران البريطانى.

ويضيف "شرقاوى" أن نيفيل شوت نال تكريما فى مجال الأدب، إذ كرمته الأكاديمية الملكية العسكرية فأطلق اسمه على عدة منشآت عسكرية منها طريق نورواى بمطار بورتسموث، الذى للأسف فسره أحد المترجمين بطريق النرويج نسبة لدولة النرويج، وما حدث ذلك إلا لأن العرب جهلوا روائيا عبقريا سطع نجمه فى سماء الغرب بأعمال لا تزال تملأ شاشات السينما والتلفزيون فى الدول الناطقة بالإنجليزية خارج بريطانيا وفى بريطانيا.