هاجر بالي

تمثل مجموعة القصص "فات الأوان" لهاجر بالي دعوة إلى التأمل في أحوال الناس من خلال تقديم بأسلوب تتخلله المودة والسخرية بورتريهات رجال ونساء وأطفال يعيشون الوحدة أو الحداد أو الحيدان جراء ماضي مفعم بالجروح أو حاضر يفتقد للحب.
و تتناول هاجر بالي من خلال ثمانية نصوص على مدار 173 صفحة من كتابها "فات الأوان" الصادر لدى دار البرزخ للنشر وقائع رجال ونساء وأطفال من الجزائر العاصمة واجهوا الحداد أو الفراق أو الفشل. وفي "بذرة البطيخ الأحمر الصغيرة" و "السرعوفة" و"الدعسوقة" و"الجورب في اليد" تقترح الكاتبة أداء أدبيا يعتمد على العلاقة بين سبب ما (شيء أو حيوان) عادة ما يكون واردا في العنوان ومرحلة السرد التي تكشف فيها دوافع الشخصيات الرئيسية. وعلى سبيل المثال يمكن للقارئ أن يكتشف الطريقة التي تقص بها امرأة ماكثة بالبيت فشل حياتها الزوجية من خلال ملاحظة صرصور تحسبه "بذرة بطيخ أحمر صغيرة".
ويعد فشل الحياة الزوجية أحد المواضيع الرئيسية التي تدور حولها مجموعة القصص مع اختلاف في الوصف من قصة لأخرى لكن دائما مع تسليط الضوء على الزوال التدريجي للشعور بالحب. وقدمت الكاتبة فشل الحياة الزوجية على أنه نتيجة عدم التوافق الاجتماعي لدى "كلبين ضالين" في عاصمة كئيبة مملوءة بالمحتالين أو بطريقة أكثر مأسوية في "جورب في اليد" على شكل تحقيق للشرطة حول مقتل زوجة شاعر فاشل طغت عليه الغيرة. وتم اعتماد السخرية بل والاستهزاء في قصة الجريمة العاطفية هذه مما يبرز -كما نوه به الناشرون- قدرة الكاتبة على التوفيق بين "الابتذال والشعر والجدية والخفة" التي تصنع قوة أسلوبها البسيط.
كما اختارت لبعض قصصها خلفية بها إيحاءات لتاريخ الجزائر المعاصر لاسيما سنوات العنف الإرهابي مصدر جروح بعض شخصياتها. واتخذ تناول هذه الفترة المأسوية شكلا رهيبا في آخر قصة "فات الأوان" حيث يكتشف زوجان شعورهما بالسعادة بينما يفران من الجزائر العاصمة المهددة ب"حرب وشيكة". وبمجموعة القصص هذه تسجل هاجر بالي --وهي مدرسة رياضيات بالجامعة-- عودتها المتميزة إلى الساحة الأدبية الجزائرية بعد إصدارها مسرحيات منذ خمس سنوات.
ومن خلال تسليط الضوء على المجتمع الجزائري المعاصر بدقة وتواضع تنضم للكتاب الذين يفضلون البساطة على حساب الغنائية في تناول المآسي اليومية سواء الغريبة أم المألوفة.