عدن - العرب اليوم
يعد الفن التشكيلي من أهم الفنون البصرية التي تعكس ثقافة وحضارة الشعوب، وهو الوجه المعبر عن الثقافات على مر العصور، فلولا الفن ما وصلت إلينا آثار ومظاهر الحضارات القديمة، فالفنان هو من يوثق وينقل الصورة الحقيقة للعصر الذي يعيش فيه، والتشكيلي اليمني محمد سبأ أحد هؤلاء الفنانين المعنيين بتوثيق حضارة وتراث مملكة سبأ.
ووفقًا لموقع "الأهرام" المصري، "مقطفات يمنية"، هو عنوان المعرض التشكيلي الأخير الذي انتهي مؤخرًا، للفنان يُسجل بريشته تاريخ مملكة سبأ القديمة، والعادات اليمنية العريقة، وافتتحته الدكتورة أحلام يونس رئيسة أكاديمية الفنون وبحضور السفير اليمني في القاهرة الدكتور محمد مارم والفنان الدكتور محمد عزب المشرف العام على قاعة الفنون في الأكاديمية، إذ يسعى من خلال لوحاته وألوانه الصارخة إلى تضمين رسالة بصرية للمتلقي، هنا اليمن، هنا الوجه الآخر لليمن السعيد.
ويضم المعرض أكثر من ثلاثين لوحة، رُسمت على مدار أكثر من أربعة أعوام، تعكس حضارة وتراث وبيئة مملكة سبأ، يؤكد أن أهميته تكمن في كونه يأتي في زمن تمر فيه بلادنا اليمن بوقت عصيب، "عاد فيه التعصب الأعمى والتخلف والاقتتال إلى الواجهة"، إذ أراد أن يوصل رسالة إلى العالم أن اليمن ليست كمثل التي نراها على وسائل الإعلام، فيقول "فاليمن بلد حضاري وجميل ويوجد فيه الكثير من المتعلمين والمثقفين المحبين للسلام، فحضارة اليمن مليئة بالعناصر الفنية والثقافات المتنوعة التي تعكس جمال البيئة اليمنية وجمال القرى والمدرجات الزراعية وسواحلها وجبالها من خلال لوحات تعكس تماسك وترابط أبنا هذا الوطن".
أهميته أيضًا -كما يضيف الفنان- أنه ينقل إلى الجمهور المتلقي جزءا من جمال الطبيعة في اليمن ويعرف الناس بهذا البلد ومن خلال وجود المعرض في أهم بلد عربي وهو مصر فإن ذلك يمثل أهمية كبيرة فمصر معروفة بريادتها للثقافة والفنون على مستوى الوطن العربي بل وعلى مستوى العالم منذ قديم الزمن، ومن خلال مصر وما تمتلكه من إعلاميين ومثقفين يمكننا إيصال رسالة مهمة عن اليمن وحضارتها وثقافتها.
يعتبر الفنان أن الوجه الجميل والمشرق في الحياة لا يأتي إلا من الفن، إذ يعزز الفن فكرة تذوق الجمال والاستمتاع بجمال الكون، ويربي الأجيال على حب الحياة وينشر قيم الجمال وقيم الحب والترابط بين أفراد المجتمع ويدعو الناس إلى مشاهدة إبداع الخالق في هذا الكون، والذي ينعكس من خلال تجارب الفنانين المتنوعة ومحاولتهم إيصال فكرة حب البناء ومواصلة المسيرة الحضارية للأوطان، وفئة الفنانين من أكثر الفئات الاجتماعية تأثيرًا في المجتمعات، مضيفًا "نلاحظ ذلك من خلال متابعة الناس للأفلام والمسلسلات والمعارض الفنية والبرامج المختلفة ومن هنا يمكن الاستفادة من الفن من خلال دعم هذه الفنون التي تهدف إلى حل مشاكل المجتمعات وتدعو إلى بناء الأوطان وحب الحياة وحب الجمال وحب العمل والبناء، على عكس الهدم والدمار الذي تقدمه الحروب والإرهاب، وهذا لا يكتمل إلا من خلال وسائل الإعلام التي تعتبر هي الوجه الأهم لتوصيل الفن وإيصال إنتاج الفنانين إلى الجمهور".
بدأت تجربة محمد سبأ في الفن منذ التحاقه بالبكالوريوس في الجامعة في اليمن حيث تخصص في التربية الفنية عام 2003، دخل "سبأ" هذا التخصص عن حب لهذا المجال، وتخرج من الكلية في العام 2007، وحينها كان يشارك مع زملائه في المعارض، لطالما راوده حلم أن يكون فنانًا بحجم الرواد في الفن التشكيلي.
طرق الفنان اليمني أبواب المحروسة عام 2014 حيث تم إرساله هو وزملائه من الجامعة التي كان يعمل فيها آنذاك، بغية التدريب في دورات قصيرة في الفن التشكيلي، استمر شهرين ورسم فيها أكثر من عشرين لوحة، شارك بها في معارض عدة في جامعة أسيوط، قبل عودتهم إلى اليمن مرة أخرى، لكن هذا المعرض أصبح مفتاحًا لحب مصر وشعبها، إذ وجد في هذا البلد مكانُا مناسبًا للدراسة والمواصلة، فعاد إلى مصر بعد عامين لمواصلة الماجستير والتحق بأكاديمية الفنون في القاهرة بترشيح من وزارة الثقافة.
أقام أول معرض شخصي له في نهاية 2016 في دار الأوبرا الهناجر، افتتحه الدكتور محمد دسوقي والسفير اليمني آنذاك، واستمرت مشاركته في فعاليات المركز الثقافي اليمني في القاهرة وأقام العديد من الفعاليات والمعارض في العام الثاني والعام الثالث على التوالي في مناسبات احتفالات اليمن، بالإضافة إلى تواصله مع الملتقيات الفنية في مصر، حيث تعرف على الكثير من الفنانين في الوسط الفني التشكيلي وشارك في العديد من المعارض والملتقيات المشتركة مع فنانين مصريين وعرب ما جعله يستفيد من هذه المشاركات بالاطلاع على الحركة الفنية في الوطن العربي.
ويرى سبأ ان الدراسة هي المفتاح فقط، والموهبة اكتمال لهذا المفتاح، إذ يجب على الفنان أن يطور نفسه ويتابع ويراقب ما توصلت إليه تجارب الآخرين من خلال القراءة والمتابعة والمشاركة في الملتقيات ومتابعة الحركة الفنية، ليستقر في وضع بصمته الخاصة في الفن التشكيلي، وأسلوبه وخصوصية اتجاهه الفني، مشيرًا إلى أن الفن التشكيلي جزء من وعيه وثقافته.