رجل يقتل زوجته في المنيا

شعرة ضعيفة تفصل بين الغيرة والشك وعدم الثقة في النفس، حينما تزيد نيران الغيرة تكون قاتلة ومدمرة، وتدخل من أوسع أبواب الشك المميت، تسري في جسد صاحبها كالنار تحرق كل ما تطاله كالحطب اليابس، يرسم صوراً من خيالاته ويجسمها فى عينيه، ثم يصدقها، وهنا تكون الكارثة والطامة الكبرى.

تلك هي قصتنا مع «عبدالله»، ابن قرية دمشاو هاشم، إحدى قرى مركز المنيا، فلاح بسيط يعيش، ويتعايش على عمله بالحقل والزراعة، فهو شاب في ريعان شبابه، تزوج من إحدى فتيات القرية، وفي الأشهر الأولى من الزواج يدب الخلاف بينه وبين زوجته، بسبب خروجها المتكرر من المنزل، فهو يعيش دور «سي السيد»، الزوجة لا تخرج من منزله إلا بإذنه، وإن طلبت منه زيارة أهلها لا يقبل، لم تتحمل الزوجة هذا الوضع، وفرت هاربة طالبة الخلاص من زوج غيور يشك حتى في نفسه، فاستحالت العشرة ويتم الطلاق.

وبعد أسابيع من الطلاق تمر من أمام عينيه، وهو في طريقه للحقل «أسماء» إحدى فتيات القرية، دق قلبه حينما رآها حباها الله بقدر كبير من الجمال وبعد عودته من الحقل كان يطرق باب أهلها طالباً الزواج منها، ترددت «أسماء» في بادئ الأمر تخوفاً من مشاكله القديمة مع زوجته، وما تردد على ألسنة أهل القرية من معاملته السيئة لزوجته الأولى، ولكن النصيب «غلاب»، وافقت في النهاية على الزواج من «عبدالله» بعدما أكد لها أنه لم يسئ معاملته لها، ولكنها هى التى تبطرت على العيشة وتمردت حتى كان الطلاق والخلاص بينهما.

وبعد 3 أشهر تم الزواج من «أسماء»، عاش الزوجان الأيام الأولى في سعادة وبعد عدة أسابيع، ظهرت ملامح «سي السيد» على وجه وسلوك «عبدالله» من جديد، حينما رأى زوجته جالسة على «عتبة الدار»، فجن جنونه ونشبت بينهما أزمة كبيرة، أنا ماعنديش حريم تقعد على باب الدار، أحست «أسماء» وقتها بأن حياتها سوف تنقلب جحيماً وأن ما سمعته من أهالى القرية صحيح، لكن ماذا تفعل؟ انتهى الأمر وظلت صامتة تلبى أوامره، فهو يغار عليها غيرة عمياء، حتى إن وقفت تتزين أمام المرآة يشعر بالغيرة وكأنه يريد أن يحجب أشعة الشمس من أن ترى وجهها أو جسمها. 

حاولت أسماء أن تهدئ من روعه في إحدى الجلسات الخاصة بينهما تفهمه أنها زوجته وتحبه وتراه في عينيها أفضل الرجال، وترجوه أن يدع غيرته القاتلة جانباً حتى تسير حياتهما دون مشاكل ومشاجرات على أشياء تافهة لا تذكر، و«عبدالله» يستمع لها يومئ برأسه بالموافقة ولكن في قلبه وضميره «لا وألف لا»، أبلغت أهلها بمنع «عبدالله» خروجها من المنزل نهائياً، وعدم موافقته على زيارته حاولوا إقناعه ولكنه رفض، ليرد الزوج، قائلاً: دى زوجتى وأنا حر فيها.

كانت «أسماء» ترمق بنظراتها من خلف شيش الشباك لترى نساء القرية يسرن في الشارع بكل حرية مع أزواجهن وأولادهن، تشترى وتبيع وتدير أمور بيتها فى طمأنينة وسلام، تذرف دموعها وتندب حظها العاثر، تتمنى لو تفيق من النوم فى الصابح لتجد زوجها يطلب منها الخروج هو وهي لأى مكان، تتمنى أن تخرج معه لتشتم هواء الزرع أو الذهاب سوياً للتسوق، تريد أن تعيش حياتها مثلها مثل باقى نساء القرية، تريد أن يقضيا السهرة عند أهله أو أهلها، تريد أن تتحدث، تحكي في أي حاجة مع باقى البشر اللي عايشين في الدنيا.

لكن هيهات تلك الأمور مع «عبدالله» من المحرمات، والاقتراب منها معناه اشتعال النيران فى المنزل، الأبواب مغلقة بالترابيس الحديدية حتى الشبابيك
ممنوع فتحها، تظل محبوسة داخل البيت لا ترى ولا تسمع ما يدور حولها من جيرانها أو الشارع إلا حينما يطرق «عبدالله» الباب لتفتح له، مجرد ثوان ويغلق خلفه الباب، الزوج يعيش حالة الغيرة القاتلة، والتى بدأ تنقلب إلى ظنون وشك رسمه فى خياله وعاش به ويتعايش معه، النار تسرى في جسده، وبدأ يفقد الثقة فى كل شىء ولا يصدق أى كلام إلا ما يراه فى خياله المريض، يخرج للعمل و«أسماء» شعرت بحالة اختناق، دى مش حياة ولا عيشة، أنا هفتح الباب واللي يحصل يحصل، لازم موقف يغير أفكار زوجي ولازم من المواجهة، يعنى إيه هفضل محبوسة.

أنا زوجته وبنت القرية وأهلي وناسي معروفين، هو مش متزوجني من سجن الحراسات المشددة، علشان يحبسني داخل البيت، يمر بائع الفاكهة وتشترى «أسماء» كمية منه وتركت الباب مفتوحاً، «عبدالله» ينهي عمله في الحقل ويعود للبيت ليجد الباب مفتوحاً، فى البداية شك كما يشك في كل شىء، إنه أخطأ في المنزل، لم يصدق أن زوجته تركت الباب مفتوحاً، هل حدث شىء، وتخرج عليه زوجته، تعالى يا «عبدالله» مالك واقف ليه عندك وهو في حالة ذهول، الدم بيغلي في عروقه والشك ينهش قلبه.

سألها غاضباً: مين اللي فتح الباب ومين قالك تخرجي، أنا مش مانع الخروج، ردت «أسماء» بابتسامة خفيفة محاولة تهدئته، مفيش زوج بيحرم على زوجته تفتح الباب والشبابيك، ومفيش إنسان يعيش لوحده، إحنا لينا أهل وناس وجيران لازم نتعايش معهم، ليرد غاضباً يعني خالفتي أوامري ويقوم بغلق الباب، «أسماء» توجست خيفة جرت إلى غرفة النوم حاولت غلق الباب على نفسها، لكنه أمسكها دون رحمة، جرها على الأرض، ثم أطبق يديه على رقبته يخنقها، وهى تحاول أن تفك يديه، تفقد الوعى ثم يضعها على السرير ويمسك بجرن الكيروسين وسكبه على جسدها ويشعل النار فى جسدها، تفيق من غفلتها وهى تصرخ حرام عليك هتعمل إيه يا مجنون، حرام عليك سيبني أعيش.

تصرخ «أسماء» حرام عليك هتروح من ربنا فين يلا مجنون، سيبني أعيش، طفى النار يا «عبدالله»، ولكن مين يسمع ومين يشوف، الزوج في حالة هياج والنيران تلتهم جسدها وهو يضرم النار في كل غرف المنزل، وهي تستغيث حتى تلفظ أنفاسها الأخيرة حتى أصبحت ضحية شكه المريض.

يصل الأمر لمدير أمن المنيا اللواء ممدوح عبدالمنصف، وبعد ساعات كانت قوات الأمن أمام منزل الضحية، تلقى القبض على الزوج القاتل، تضع فى يديه الكلابشات بعدما أقر الجيران أن زوجها هو الذى أشعل النيران في جسدها.

وأمام رئيس النيابة يعترف «عبدالله»: نعم أنا أشعلت النار في زوجتي وقتلتها، كنت بغير عليها، كنت بحبها ومش عاوز حد يشوفها غيري، ظل يهزي مبرراً جريمته، وخلف القضبان جلس «عبدالله» منتظراً مصيره عن جريمته في حق زوجة أحبته وصانت عرضه وشرفه، كل ذنبها وجريمتها أنها فتحت باب الحياة أرادت أن تعيش كما يعيش باقى خلق الله، وهو حرمها نعمة الحياة.

الصدمة ألجمت أفواه أهالى القرية، الجميع غير مصدق ما حدث، يخنق زوجته ويشعل النار ويقتلها لأجل أنها خالفت أوامره، وفتحت الباب، والنساء تهمس خشية أن يسمع أزواجهن، الحمد لله اللي رجالتنا ما طلعتش زي «عبدالله»، أنا عمر زوجي ما منعني من الخروج، بأزور أهلى وبأروح أشتري من السوق كل احتياجات البيت، وآخر كلمات قالتها أم الزوجة: ليتنى لم أوافق على زواجها منه، فقد علمنا ما فعله في طفليه لكن خدعنا بكلامه وأوهمنا أنها السبب وهذه هي النهاية.