في جولة داخل جامعة الأزهر، رصدت «الشرق الأوسط»، أمس، كتابات مسيئة على جدران مباني الجامعة ومحاولة عدد من طلاب جماعة الإخوان المسلمين كسر الباب الرئيس للمبنى واقتحامه والاعتداء على الموظفين وتعطيل الدراسة في بعض الكليات، للمطالبة بعودة الرئيس المعزول محمد مرسي. واتهمت وسائل إعلام تنتمي إلى جماعة الإخوان، رجال الأمن المدني في جامعة الأزهر بالاعتداء على المتظاهرين، لكن رئيس الجامعة، الدكتور أسامة العبد، نفى لـ«الشرق الأوسط» صحة ذلك، وقال: «لم نعتد على المتظاهرين»، وأكد أيضا أنه لا توجد نية لتعليق الدراسة. ويواصل طلاب «الإخوان» مظاهراتهم في جامعة الأزهر لليوم السادس، التي بدأت منذ السبت الماضي مع بداية العام الدراسي، للمطالبة بعودة مرسي للحكم، والإفراج عن الطلاب المعتقلين، وسط أعمال عنف وتخريب للمنشآت وسقوط قتلى ومصابين، فضلا عن القبض على العشرات. وتضم الجامعة أكثر من 77 كلية، وتقدم الخدمات التعليمية لنحو 400 ألف طالب وطالبة يمثلون نحو خمس طلاب التعليم العالي بمصر، وبها نخبة من الأساتذة والعلماء تصل إلى نحو 11 ألف عضو هيئة تدريس ومعاونيهم. وقال الدكتور العبد إن دور رجال الأمن المدني لا يتخطى حماية المنشآت، مشيرا إلى أن رجال الأمن المدني أفراد عاديون لا يحملون سلاحا؛ ووظيفتهم الأساسية هي تأمين مداخل ومخارج الجامعة حفاظا على أرواح الطلاب والطالبات، بالإضافة إلى حماية الوقفات السلمية للطلاب من محاولات اندساس عناصر خارجية. ونفي الدكتور العبد حدوث أي اعتداء على طلاب جماعة الإخوان المسلمين المتظاهرين داخل حرم الجامعة بحي مدينة نصر (شرق القاهرة)، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «ما دامت المظاهرات في إطار السلمية فلا مشكلة»، لكنه حذر في الوقت نفسه من محاولات الخروج على التقاليد الجامعية، مؤكدا أن ذلك سوف يواجه بحزم شديد من خلال مجالس تأديب تعقد بالكليات، وأن الطلاب الذين سيخالفون اللوائح ويخرجون عن إطار السلمية سيجرى اتخاذ كل الإجراءات القانونية تجاههم. وأضاف أن «الطلاب الذين أتوا للعلم يقومون بطرد طلاب (الإخوان) من المدرجات (قاعات التدريس)، وأن أعداد المتظاهرين من طلاب (الإخوان) تقل تدريجيا». وتعد جامعة الأزهر، ثاني أقدم جامعة عالميا، بعد جامعة القرويين بمدينة فاس بالمغرب. ومنذ نشأتها في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي)، حملت لواء الجامعة الإسلامية لتمارس دورها التعليمي والفكري والثقافي، حيث يقول عنها مؤرخون إنها «كانت أساسا للنظم والتقاليد الجامعية التي عرفت بعد ذلك في الشرق والغرب، ومن أولى المؤسسات العلمية التي لها أثر بالغ في نشر العلوم الدينية والشرعية، بالإضافة إلى العلوم الدنيوية المتخصصة». وتأجلت الدراسة في جامعة الأزهر نحو شهر خشية مواجهات بين طلاب «الإخوان» وقوات الأمن، بعد أن تمكن طلاب منتمون إلى «الإخوان» من الفوز بمقاعد اتحاد طلاب جامعة الأزهر، في وقت خسروا فيه معظم المقاعد في جامعات مصر المختلفة؛ مما يعكس نفوذهم داخل أعرق الجامعات الإسلامية في العالم. وقال الدكتور أسامة العبد في تصريحاته لـ«الشرق الأوسط»، أمس، إنه لا ينزعج من الوقفات السلمية للطلاب ما دامت في إطار القانون، لافتا إلى أن ذلك «يعكس أننا لا نمارس أي ضغوط على الطلاب.. ونؤمن بالرأي والرأي الآخر، ونتحاور مع من يريد الحوار من الطلاب». وتنظم جماعة الإخوان منذ عزل مرسي، مظاهرات في عدة مدن مصرية، تحول بعضها لمواجهات عنيفة مع قوات الأمن والمواطنين وأسفرت عن قتلى ومصابين، مما اضطر السلطات لفرض حالة الطوارئ وحظر التجوال في 14 محافظة لساعات محددة ليلا. وقامت السلطات الأمنية بضبط العشرات من طلاب «الإخوان» في الكليات التابعة لجامعة الأزهر بالقاهرة والمحافظات. ومن جانبهم، يتهم طلاب «الإخوان» السلطات بأنها قامت بتوقيفهم داخل جامعة الأزهر بمدينة نصر، ويقول الطالب محمد حسان، إن «الكثير من زملائنا جرى توقيفهم داخل حرم الجامعة». ويضيف حسان، وهو طالب في كلية التجارة بجامعة الأزهر، لـ«الشرق الأوسط»، أننا «نعيب على الجامعة عدم تدخلها لمنع ملاحقتنا أمنيا داخل وخارج الجامعة». ويقول إن «قوات الأمن تطارد الذين خرجوا في مسيرات من داخل الجامعة، إلى (ميدان رابعة)، حيث تطلق قنابل الغاز بكثافة». ويطالب طلاب جامعة الأزهر المتظاهرون بالإفراج عن زملائهم الذين جرى ضبطهم خلال المظاهرات الأخيرة، وخلال فض اعتصامي «رابعة» و«النهضة»، ومحاسبة المتسببين في مقتل أكثر من 100 طالب بالجامعة خلال الأحداث الأخيرة التي شهدتها مصر.. وكذا إقالة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، ورئيس جامعة الأزهر وإنهاء ما سموه «الانقلاب العسكري» وعودة الرئيس المعزول. ويقول محمود مرزوق، من شباب «الإخوان» بالأزهر، إن «مطالبنا محددة وهي توصيف ما حدث في 30 يونيو (حزيران) الماضي بأنه انقلاب عسكري، وعودة الجيش لثكناته واحترام الشرطة للمواطنين وحمايتهم خلال المظاهرات وتوفير الحماية اللازمة لهم أسوة بحماية المتظاهرين في ميدان التحرير (مفجر ثورة 30 يونيو ضد الإخوان)». وتضيف مها، وهي طالبة بكلية الهندسة، أن «المظاهرات ستظل مستمرة ولدينا أساليب جديدة للتعبير عن الآراء»، وأن «إضراب طلاب الأزهر وتعطليهم الدراسة في عدد من الكليات هو بداية تصعيد وشكل جديد من أساليب الثورة السلمية التي ينتهجها طلاب الأزهر، وبداية للإضراب العام». وتقول مروة، الطالبة بكلية دراسات إنسانية، إن إقصاء الطلاب والطالبات وتهديدهم بالتحويل لمجالس تأديب يخلق منهم «إرهابيين»، وإنه على الجامعة اتخاذ طرق أفضل لإثبات أنها ليست ضد هؤلاء الطلاب. لكن الدكتور العبد قال إن «الجامعة ليست مسؤولة عن الذين جرى القبض عليهم خارج الحرم الجامعي بعد تورطهم في أحداث الشغب وقطع الطرق». ودعا العبد «أبناءه الطلاب» إلى الانتظام في الدراسة، «والتمسك بأخلاق الإسلام والتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم والحفاظ على حرمة مجالس العلم». وأضاف العبد أن «جامعة الأزهر بدأت تحقيقات موسعة في أحداث الشغب التي شهدها أمس محيط المبنى الإداري، حيث قام العشرات ممن ينتمون إلى جماعة الإخوان بكسر النوافذ وقذف المبنى بالحجارة»، موضحا أن «كاميرات المراقبة رصدت أحداث الشغب ويجري الآن حصر المشاغبين وتحديد هويتهم لإحالتهم إلى مجلس تأديب». وأضاف أن المتظاهرين رفعوا شعارات سياسية كان يجري ترديدها في اعتصام ميدان «رابعة العدوية» (الذي نظمه أنصار مرسي)، قبل أن تفضه الحكومة بالقوة في 14 أغسطس (آب) الماضي، مؤكدا أن جامعة الأزهر مؤسسة علمية أكاديمية لا علاقة لها بالسياسة أو المطالب السياسية على الإطلاق. وتابع رئيس جامعة الأزهر قائلا إن «هناك لجنة قانونية بالجامعة مختصة بمتابعة موقف الطلاب المقبوض عليهم سواء في المحاكم أو النيابات أو وزارة الداخلية.. وأرسلنا خطابا إلى اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية، طالبناه فيه بالإفراج عن أبنائنا الطلاب المقبوض عليهم إذا لم يكونوا محتجزين على ذمة قضايا أو صدر قرار ضبط وإحضار من النيابة بشأنهم»، موضحا أن إدارة الجامعة تبذل جهودا مضنيه للدفاع والإفراج عن الطلاب المقبوض عليهم، لافتا إلى أن نتيجة هذه الجهود أدت إلى الإفراج عن بعض الطلاب الذين لم يثبت في حقهم أي شق جنائي. وأكد رئيس جامعة الأزهر أن التظاهر ضد «الانقلاب المزعوم مكانه الشارع وليس الجامعة، وكل شخص حر في رأيه، وعلى الطلاب الذهاب إلى أماكن التظاهر المعروفة، أما داخل الجامعة فلا مكان عندنا للمظاهرات السياسية والمهاترات». وتجدد مظاهرات طلاب «الإخوان» الجدل في الأوساط السياسية من جديد حول ما يقال عن وجود مخطط من جماعة الإخوان لإعادة هيكلة مؤسسة الأزهر (أعلى مؤسسة دينية وسطية في العالم الإسلامي). وشهد العام الماضي سجالا سياسيا حول المطالبات بتغيير كل القيادات الأزهرية، في مقدمتهم شيخ الأزهر ورئيس الجامعة، بعد حدوث حالات تسمم غذائي متكررة لنحو أكثر من ألف طالب. وقال الدكتور أسامة العبد: «نحن مع حرية الرأي والتعبير، ومن حق أي طالب إبداء رأيه والتظاهر شريطة ألا يخرب أو يدمر أو يسيء إلى أحد، أو أن تتسبب أفعاله وممارساته في تعطيل الدراسة». وأكد الدكتور العبد أنه لا توجد نية لتعليق الدراسة في كليات جامعة الأزهر، لافتا إلى أن «محاولات قلة من الطلاب إحداث حالة من الفوضى وإرباك العملية التعليمة داخل كليات جامعة الأزهر على مدار ستة أيام منذ بدء الدراسة - قد باءت بالفشل من خلال تصدي عقلاء الطلاب - وهم كثر - لتلك المحاولات»، موضحا أنه «لا يصح أن يؤثر فصيل صغير على الجميع بالسلب أو يضر جامعة بأكملها، فتعطيل الدراسة هو ما يتمناه (الإخوان).. ونحن لن نحقق لهم تلك الأمنية التي قد تفسد على الأغلبية من الطلبة العام الدراسي، وبالتالي فإن الدراسة مستمرة ما دامت المظاهرات لا تضر بالعملية التعليمية سواء بتخريب المنشآت أو إصابة الطلاب بأي مكروه أو وقوع اشتباكات أو منع الأساتذة من دخول قاعات المحاضرات». وعن ما يتردد عن قيام الجامعة بفصل عدد من الأساتذة المنتمين للإخوان المسلمين، قال إن كل من يتغيب من الأساتذة ويتجاوز المدة القانونية التي تصل إلى شهرين متصلين سيجري فصله؛ بغض النظر عن الأسماء أو الانتماءات، مؤكدا أن الجامعة لا تقف عند أسماء معينة ولا اتجاهات، ولكن تلتزم بالقانون واللوائح.