القاهرة ـ العرب اليوم
مساء إحدى ليالي شهر فبراير الماضي، ظل "عماد" يسير في الطرقات دون معرفة وجهته، بعدما ضاقت به الأرض لمروره بأزمة مالية، وقادته قدماه إلى مقهى اعتاد الجلوس عليه، لكنه أغفل تحذير مالكها له من العودة في حال عدم سداده مديوناته.
داخل مقهى صغير بالجيزة، كان تامر الشرقاوي 42 سنة، يراجع إيراد اليوم مع العمال، يخبره أحدهم بصوت خافت "يا معلم.. عماد جه تاني"، ينتفض على إثرها مسرعا صوبه "مش قولت لك متجيش تاني إلا لما تدفع اللي عليك"، لتدور مشادة كلامية حادة انتهت بتدخل رواد المقهى.
جلس مالك المقهى مع الزبون غير المرحب به -"عماد" 35 سنة- للاتفاق على موعد لسداد الديون التي تراكمت عليه، إلا أن الأخير أخذ يماطله كعادته، وراح ينادي على القهوجي لإحضار كوب من الشاي "على النوتة يا ابني"، لكن صاحب المقهى قرر وضع نهاية للمسلسل متشابه الحلقات "المرة دي هتدفع يا إما مافيش مشاريب".
"والله مش معايا فلوس" لم يلقى حديث "عماد" قبولا لدى مالك المقهى الذي طالبه بالانصراف، لتقع مشادة كلامية أشد حدة من سابقتها، تطورت إلى مشاجرة، أشهر على إثرها "عماد" سلاحا أبيض وسدد للثاني طعنة نافذة بالصدر، سقط على الأرض غارقا في دمائه.
حالة من الهرج والمرج دارت داخل المقهى الكائن بميدان الدكروري، انشغل الجميع بنقل مالك المقهى إلى مستشفى أم المصريين القريبة في محاولة لإنقاذه، إلا أن جهود الطاقم الطبي لم تفلح في إبقائه على قيد الحياة.
انتقل العميد إبراهيم المليجي، مأمور قسم الجيزة، إلى مسرح الجريمة، واستمع المقدم مصطفى كمال، رئيس المباحث، لأقوال العمال رواد المقهى الذين حضروا الواقعة، وأكدوا تكرار المشاحنات بين المتهم والمجني عليه؛ بسبب تراكم ديونه، خاصة أنه مسجل خطر.
تبدو القضية سهلة، الجاني محدد، محل إقامته معروف، لكن الأمور بدت بشكل مختلف، تيقّن المتهم أنه سيكون هدفا للشرطة، ليقرر مغادرة منزله المُثبت ببطاقته الشخصية، ومن ثم الاختفاء عن الأنظار.
وضع الرائد معتصم رزق، معاون مباحث الجيزة، خطة بحث تركزت على فحص علاقات المتهم، والأماكن التي يتردد عليها، خاصة تلك التي تجمعه بأصدقائه، فضلا عن فحص أقاربه لحصر قائمة بتلك الأهداف للإيقاع به في أيا منها.
مأموريات عدة انطلقت وفقا لمعلومات تفيد بمكان اختباء "عماد" لم تؤت ثمارها في ظل تغيير المتهم لمحل إقامته بشكل شبه يومي معتمدا على شبكة علاقاته من أرباب السوابق.
60 يوما من الهروب، ظن بعدها المتهم أنه لن يقع في قبضة الشرطة تزامنا مع تأمين الانتخابات الرئاسية والكنائس بعبد القيامة المجيد، إلا أن الرائد معتصم رزق ظل يتتبع تحركاته من خلال مصادر المعلومات السرية وتوصل إلى عودته للظهور بمنطقة سكنه، وأمكن ضبطه في أحد الأكمنة المعدة له.
"كانت ظروفي المادية صعبة.. ربنا عالم بحالي".. بهذه الكلمات بدأ المتهم اعترافاته، مشيرا إلى أنه أخبر المجني عليه بعدم امتلاكه أي أموال "والله ما كان في جيبي مليم.. والمشاريب بـ 12 جنيه"، موضحا أنه تخلص من سلاح الجريمة في الطريق العام أثناء هروبه.