دمشق ـ نور خوام
أكد رئيس "مجلس الأعمال السوري الأرميني" "ليون زكي" على أن منع تداعي قيمة الليرة السورية وانهيار أسهمها أمام العملات الصعبة "مسؤولية جماعية" ملقاة على عاتق كل وزارات الحكومة وليس فقط "المصرف المركزي" بالإضافة إلى القطاع الخاص وشريحة واسعة من السوريين.
وأوضح أن اللحظة الأصعب في هبوط الليرة تم تجاوزها بشكل مرحلي, مضيفًا, "على القائمين على السياسة النقدية التصدي للإشاعات المستمرة التي تحاول النيل منها والتي تتوقع مجددا معاودة الهبوط لتصل إلى عتبة 1000 ليرة للدولار الواحد بعد ثلاثة أشهر، وهذا مستبعد في ظل استنفار المركزي والمعنيين في أعلى المستويات وفي ظل تردد مقولات لا تعرف مدى صدقيتها تقول أن الدول الصديقة لسورية لن تتركها في محنتها الاقتصادية هذه، وأن ما لم يحققه تردي الحال العسكرية والسياسية في سنوات على وضع الليرة لن يسمح للاقتصاد بأن ينال منه بالطريقة والقيمة المستهدفة".
وشدد على أن الانهيار الأخير، والذي وصل فيه سعر الصرف الليرة أمام الدولار إلى 650 ليرة صعوداً من 500 ليرة وخلال شهر واحد فقط "لم يأت في سياق جملة من الأسباب الموضوعية الجديدة لاسيما العسكرية والسياسية والتي أدت إلى تدهور قيمة الليرة في فترات سابقة من عمر الأزمة", ورد ذلك إلى تدهور الناتج المحلي بشكل متسارع ومخيف ليصل إلى 55 بالمئة "وإلى الشكوك التي تساور المضاربين بالليرة والمنساقين وراء مخاوف حدوث مزيد من الهبوط، من تراجع احتياطي المركزي، إلى مستويات مخفوضة لا تجعله قادراً على القيام بما يكفي من عمليات التدخل في سوق القطع للجم الهبوط عند حدود معقولة في مقابل زيادة الإنفاق الحكومي الكبير في الحرب".
وانتقد زكي السياسة النقدية للحكومة لعدم قدرتها على إدارة المخاطر بأقل خسائر ممكنة، إزاء إدارة سعر الصرف والتعاطي مع هذه القضية الحيوية التي تنعكس بشكل سلبي كبيرة على معيشة غالبية السوريين الذين بات 83.4 في المئة منهم تحت خط الفقر، وفق الدراسة التي أعدتها لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا "اسكوا" بعد مرور أكثر من خمس سنوات من عمر أزمتهم، نتيجة لتدهور عملتهم وتراجع دخولهم ومقدرتهم الشرائية مقارنة بارتفاع منسوب الأسعار إلى أضعاف مضاعفة كلما تطاول أمد الأزمة التي تعصف بالبلاد وبمقدراتهم بعدما تراجع سعر صرف الليرة 13 ضعفاً منذ بدء الأزمة في السوق السوداء.
وقال: "إن وزن قيمة العملة الوطنية مرتبط بشكل عضوي وأساسي بحدوث انعطافة رئيسية ومهمة في السياسات الاقتصادية التي يجب أن تركز على العملية الإنتاجية وتشجيع التصدير للحصول على القطع الأجنبي بدل الاتكال على التدخل فقط لضخ الدولار في السوق عبر شركات الصرافة، وهي سياسة أثبتت عدم جدواها وفشلها بامتياز على الرغم من خفضها لسعر الصرف أخيراً إلى حدود من المتوقع أن تلامس عتبة 600 ليرة مدفوعة بمراقبة وتقويم المركزي لعمل هذه الشركات التي تتلاعب بسوق الصرف وتصب الزيت في ناره الملتهبة بما يكسبها أرباح طائلة عدا عن رفعه سعر تمويل المستوردات وتسليم الحوالات الخارجية إلى 575 ليرة للدولار الواحد بما يحد من عبورها للقنوات غير النظامية ويحسن موجوداته بدل صب فوائدها في خزنة الشركات.
ورأى رئيس مجلس الأعمال السوري الأرميني أن إعادة الحياة للعملة الوطنية رهن بدوران العملية الإنتاجية "بكل مكوناتها الصناعية والزراعية والحرفية في مواقعها التقليدية مثل حلب القادرة على خلق طفرة في هذه المجالات بتوفير أسباب نهوضها خصوصاً أن تكاليف إنتاجها حالياً تعتبر الأرخص على مستوى العالم، ويمكن بذلك تأمين احتياجات السوق المحلية وتصدير الفائض لتوفير قطع أجنبي وافر يرفد خزينة المركزي ويدعم ويعزز صموده". ودعا إلى تمويل المستوردات من خلال قنوات نظامية تشدد فيها المحاسبة والمراقبة والضرب بيد من حديد على المضاربين بالعملة.
ولفت إلى أن المركزي حقق إنجازًا مهماً لا يمكن أن نبخسه حقه بوقف صعود الدولار مقابل الليرة أخيرًا بل وخفضه أيضاً "في ظل توقعات وحتى مساعي كانت تبذل لوصوله إلى حاجز 1000 ليرة بحلول شهر رمضان إذا ما استمر الحال كما هو عليه من الفلتان، وذلك بتكثيف عمليات المضاربة على الليرة لكن المخطط فشل، على الرغم من تداعياته السلبية على الأسعار التي لم تستجب للانخفاض، لكن لا يمكن القيام بخطوة ذات نتائج إيجابية ملموسة إلا بتثبيت سعر صرف الليرة عند حد معين يمكّن المستوردين من تسعير مستورداتهم لفترة مستقبلية مقبولة قادرة على ضبط أسعار السوق بتقدير تكاليف المستوردات بدل اللجوء إلى الاحتكار ومخالفة الأسعار أو التوقف عن الاستيراد لوجود خلل في آلية التسعير من وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك والتي لا تواكب قرارات تسعيرها ارتفاع سعر الصرف للمواد والسلع المستوردة".
وخلص ليون زكي إلى القول بأنه يجب التذكير والتأكيد بأن حاكم المركزي أديب ميالة، ونحن لسنا هنا في موضع الدفاع عنه، ليس المسؤول الوحيد أو الرئيس لما آل إليه حال العملة السورية بل يتحمل المسؤولية كل مقصر قادر على حمل لواء الدفاع عن الليرة بدءاً من الحكومة مجتمعة ووزاراتها المختلفة والمسؤولين في مواقع صناعة القرار ووصولاً إلى قطاع الأعمال وانتهاء بمتوسطي الدخل الذين يحوّلون مدخراتهم إلى العملة الصعبة لجني الأرباح وليس للتحوط من أجل عمليات تجارية متجاوزين المسؤولية الاجتماعية والأخلاقية والوطنية التي يمليها عليهم واجبهم في الثقة بعملتهم وحمايتها، وهي التي مصدر رزقهم ومعيشتهم شأنهم شأن الكثير من سكان البلاد التي عانت من ويلات الحروب واستطاعوا التغلب عليها والنهوض مجدداً مما ألم بهم.