تونس -تونس اليوم
سجل رصيد الخزينة العامة للبلاد التونسية بتاريخ يوم أمس الاثنين 4 اكتوبر 2021 ، ارتفاعا هو الاول من نوعه خلال هذا العام، ليبلغ 2079 مليون دينار ، بعد ان وصل الى مستويات مفزعة موفى جوان الماضي 180 مليون دينار ، وارتفع الى حدود 867 مليون دينار موفى جويلية الماضي ، وكان المبلغ المتبقي في الخزينة العامة آنذاك لا يمكن من ادارة نفقات الدولة وخلاص أجور الموظفين. ومنذ. إعلان رئيس الجمهورية قيس سعيد عن تعيين رئيسة الحكومة نجلاء بودن، سجل مؤشر الخزينة العامة للبلاد التونسية ارتفاعا ليبلغ 2079 مليون دينار وهو مبلغ كاف لخلاص أجور الموظفين لشهر أكتوبر في آجالها، فضلا عن ادارة نفقات الدولة المتنامية ، وذلك تزامنا مع ارتفاع نسق استخلاص الضرائب لفائدة الدولة للإيفاء بالتزامات سداد تونس لديونها لما تبقى من العام.
وسجل رصيد خزينة الدولة لدى البنك المركزي ،تراجعا ليبلغ 867 مليون دينار مع موفى اوت الماضي ، بعد ان بلغ 1306 مليون دينار نهاية سنة 2019 ، وهدد هذا التراجع ، ادارة نفقات عدة قطاعات حساسة في الدولة ،بسبب استنزاف كافة الموارد المالية، بالاضافة الى عدم قدرة الدولة على الايفاء بإلتزاماتها المالية الداخلية، ويعود جزء من هذه التراكمات الى سوء الحوكمة والتسيير ، وأيضا الى مخلفات الازمة الصحية التي مرت بها البلاد منذ ظهور جائحة كوفيد-19 في مارس من سنة 2020.
وتعول تونس في الفترة القادمة للحصول على موارد مالية اضافية، على ماستؤول اليه نتائج المفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على تمويلات عاجلة لضمان احتياجاتها المالية وسداد أجور الموظفين في الوظيفة العمومية، بالاضافة الى سداد قروض داخلية قبل موفى السنة، وقُدّر ما تبقى من آجال الاستحقاق التي يجب سدادها بنهاية العام على القروض الخارجية بمبلغ 1952 مليون دينار ، يضاف إلى ذلك 5،337.5 مليون دينار يتم سدادها قبل نهاية العام على الودائع في أذون الخزانة. ازمة مالية بصدد المعالجة
وعلى مدى الأشهر المتبقية من العام ، يبلغ حجم السداد على الديون الداخلية والخارجية بشكل أساسي 7.3 مليار دينار ، بالإضافة إلى رواتب الخدمة المدنية التي سيتم تأمينها من اكتوبر وإلى ديسمبر بمبلغ إجمالي قدره 6.7 مليار دينار (1.6 مليار دينار شهريا) ، بالاضافة الى الرسوم الحكومية لنفقات الإدارة، والتحويلات والفائدة على الدين ، والتي تصل إلى 5.1 مليار دينار للأشهر الأربعة المقبلة ، أي 1.2 مليار دينار لكل شهر.
وتحتاج الدولة إلى 19 مليار دينار، أي 4.5 مليار دينار شهرياً ، بنهاية العام وذلك وفق الميزانية العامة للدولة لسنة 2021 وباحتساب المعدل الشهري للايرادات والضرائب (المباشرة وغير المباشرة) فإن الدولة قادرة على تأمين 2.4 مليار دينار في المتوسط شهريا وهو مبلغ غير كاف لتأمين احتياجات البلاد المالية والايفاء بالتزاماتها المالية الداخلية والخارجية لما تبقى من العام، وهناك حاجة ملحة إلى مراجعة نموذج ميزانية الدولة أكثر من أي وقت مضى، وسن قانون مالية تكميلي حتى تتبين نفقات الدولة المطلوبة لما تبقى من العام.. واثار العجز المسجل في كتلة الاجور مخاوف الخبراء والمؤسسات المالية العالمية من انفلات نفقات الأجور وعدم قدرة الحكومة على تعبئة الموارد لتمويل ميزانية العام الحالي ، وذلك بسبب سوء السياسات المنتهجة للحكومات المتعاقبة والتي أدت الى التوظيف العشوائي دون وجود موارد مالية كافية، وتعد كتلة الأجور العائق الابرز لتونس اليوم ، خاصة بعد ارتفاعها هذا العام لتبلغ 20.1 مليار دينار، أي حوالي 16.6% من الناتج المحلي الإجمالي ، بالإضافة الى نفقات الدعم والبالغة 3.4 مليار دينار في ميزانية 2021 ، الامر الذي دفع بوزير المالية السابق علي كعلي الى التأكيد في تصريحات اعلامية ، على ضرورة التقليص من كتلة الاجور ومراجعة الدعم الموجه للعديد من القطاعات.
ولم تنجح تونس خلال السنوات الأربع الأخيرة من التقليص في كتلة الأجور الى حدود 12 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي وفق اتفاق موقّع مع صندوق النقد الدولي عام 2016، وعدم التزامها بتعهداتها، وضع بلادنا اليوم ، أمام اختبار إقناع شركاء تونس الماليين بوجاهة قرار زيادة رواتب موظفي قطاع الحكومة وإدماج 31 ألف عامل جديد كانوا يشتغلون بعقود هشةّ. وكان صندوق النقد الدولي قد طالب الحكومات السابقة بحزمة من الاصلاحات، منذ 2016 وجدد تطبيقها موفى 2019 وتشمل الضغط على كتلة الاجور وتسريح الموظفين وتعبئة الإيرادات واحتواء الإنفاق الجاري لتخفيض عجز الميزانية، مع الحفاظ على الاستثمارات العامة وتقوية شبكة الأمان الاجتماعي لصالح الأسر ذات الدخل المنخفض، وفرض سياسة نقدية صارمة لكبح التضخم، وتحسين مناخ الأعمال، وتوسيع فرص الحصول على التمويل للمؤسسات الخاصة، ومكافحة الفساد.
سد فجوات مالية وتقدر ميزانية الدولة لسنة 2021 بـ 52.6 مليار دينار، أي ما يعادل 19 مليار دولار، من بينها قروض خارجية بقيمة 6.5 مليارات دينار ستسددها تونس طيلة السنة و4.9 مليارات دينار لسداد أصول الديون الداخلية، علما وان الخبراء الماليين والاقتصاديين طالبوا بضرورة العمل على سد فجوتين ماليتين بقيمة 30 مليار دينار، من بينها 10 مليار دينار ديون السنة المالية 2020 و20 مليار دينار ديون السنة الحالية ، وهو الأمر الذي زاد من استنزاف المالية العمومية.
وتضاعفت كتلة الأجور أكثر من ثلاث مرات مقارنة بسنة 2010 إذ لم تتجاوز ستة مليارات دينار سنة 2010، لتبلغ اليوم أكثر من 20 مليار دينار، فيما تحملت الميزانية العامة للدولة وحدها، وزر الضغط الاجتماعي، من خلال فتح باب الانتدابات بشكل عشوائي في القطاع العام لتفادي مزيد من الاحتقان الاجتماعي، كما تحملت تداعيات اتفاقيات الزيادة في الأجور مع الاتحاد العام التونسي للشغل، من دون أن يقابل ذلك نمو اقتصادي، قادر على امتصاص ازمة زيادة العاطلين عن العمل، وهو ما أثر بشكل لافت على ميزانية الدولة للسنة الحالية. وتتوقع التقارير الصادرة عن الدوائر الرسمية، انكماشا اقتصاديا هذا العام، وأن يزيد العجز المالي للبلاد إلى 14 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أعلى مستوى خلال نحو 4 عقود، ورغم الدعم المالي من الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي، إلا أن ذلك لم يكن كافيا لمواجهة الأزمة المالية الخانقة التي تعيشها تونس اليوم، وحتى قبل أزمة كورونا، كانت تونس تعاني من نمو اقتصادي بطيء وارتفاع البطالة وتردي الخدمات العامة منذ عام 2011.
انتعاشة منذ الاعلان عن اسم رئيسة الحكومة ومنذ الاعلان عن اسم رئيسة الحكومة القادمة نجلاء بودن، سجلت سندات تونس ارتفاعا في الخارج وعادت الى مستوياتها الطبيعية بعد ان تراجعت بمقدار النصف خلال الشهر الماضي ، في حين شهدت موارد الخزينة العامة للبلاد التونسية ،ارتفاعا غير مسبوق ليتجاوز 2313 مليون دينار ، وهو معدل مطمئن الى حد ما في ظل شح الموارد المالية من الاسواق الدولية. وخلقت جائحة كوفيد - 19 ، أزمة مالية في تونس، دفعت بالحكومة السابقة إلى العمل على تعبئة الموارد المالية من السوق العالمية التي تشهد بدورها شحّاً، لأن الأزمة مسّت مختلف دول العالم أيضاً، وبلغ عجز الميزانية نحو 14 في المائة من الناتج الإجمالي المحلّي ، نتيجة تداعيات تفشي كورونا ، ونجحت الحكومة الى حد الآن في تخفيض العجز الى نقطتين بعد تدخل البنك المركزي ، الا ان أزمة سد العجز مازالت متواصلة بسبب الاوضاع العالمية الصعبة. يشار الى ان العجز المالي والتدهور الاقتصادي في تونس خلال السنوات الماضية جعل البلاد تنزلق نحو القروض بشكل غير مسبوق، وقد تضاعف إجمالي الدين العام 3 مرات خلال السنوات الأخيرة، ولم تنجح جل الحكومات المتعاقبة التي تداولت على السلطة من ايقاف نزيف التداين الخارجي والداخلي ، وينتظر أغلب الخبراء الماليين ، مخطط الحكومة القادمة في معالجة الازمة المالية في تونس للسنوات القادمة ، خاصة وان بوادر الانتعاشة بدات تلوح في الأفق، سن قانون مالية تكميلي قبل نهاية العام من شأنه ان يوضح حاجيات الدولة في المرحلة القادمة، والتوجه العام المعتمد لتعبئة الموارد المالية الضرورية لسنة 2022.
قد يهمك ايضا
إرتفاع صادرات المنتوجات الفلاحية التونسية نحو ليبيا خلال شهر يوليو