العيون ـ هشام المدراوي
تعدّ ضيعة بوجدور شاهدًا قويًّا على قوَّة التحدِّي الذي يتمتَّع به الإنسان الصحراويّ في مواجهة قساوة الطبيعة، والتأقلم مع جميع الظُّروف المناخيَّة للمنطقة، ومجاراتها من أجل الاستجابة لحاجياته ومستلزماته اليومية، فمن يجزم بأن لا فلاحة في الصحراء، ما عليه إلا أن يزور تلك الجنة الخضراء التي انبثقت من قلب الصحراء، على بعد أقل من كيلومترين من مدينة بوجدور عبر الطريق المؤدية إلى "اجريفية"، حيث يستوقفك منظر ضيعة تعاونية البركة لتربية المواشي وإنتاج الكلأ.
ولا يستقيم الحديث عن ضيعة بوجدور، دون الحديث عن الكيفية التي تمت بها هيكلة الإطار المنظم لسير العمل بداخلها، ففي بداية سنة 2004، عمد مجموعة من المهتمين بالقطاع الفلاحي في المنطقة، إلى التفكير في إنشاء تعاونية فلاحية تكون هي الأولى من نوعها على صعيد إقليم بوجدور.
وتساهم في سد النقص المهول الحاصل على مستوى منتجات القطاع الفلاحي، الذي يبقى قطاعًا متأخرا جدًّا في الإقليم مقارنة بالقطاعات الأخرى، التي تعرف انتعاشًا ملحوظًا، وفي مقدمتها الصيد البحري، أحد أهم الركائز الرئيسة في التنمية الاقتصادية للمنطقة ككل، بحكم توفر جهة العيون بوجدور الساقية الحمراء على رصيد مهم من الشواطئ التي توفر ثروة سمكية مهمة للغاية.
وبعد طرح الفكرة فيما بينهم شرع الواقفون من ورائها إلى البدء في التفكير في كيفية تجسيد الفكرة على أرض الواقع.
ورغم كل تلك العراقيل التي صادفتهم إلا أنهم استطاعوا بتكاثف الجهود، وبمساندة بعض الغيورين على القطاع من أن يجسدوا الحلم الذي طالما راودهم إلى حقيقة، ففي متم سنة 2004 تم الإعلان عن التأسيس الرسمي لتعاونية البركة لتربية المواشي وإنتاج الكلأ، على مساحة تقدر 10 هكتارات، 8 منها صالحة للزارعة تتوفر على بئر ذات ماء حلو عذب على عمق يصل إلى 60 مترًا.
ومنذ انطلاقتها، استطاعت التعاونية أن تتخصص في إنتاج مجموعة من المواد، التي تشهد إقبالًا مهمًّا ومتزايدًا في المنطقة كالكلأ والمواد العلفية بالإضافة للمقدونيس، والقزبور، ..إلخ. وتم توجيه تلك المنتجات بالدرجة الأولى، إلى الأسواق المحلية لأن الهم الذي تجند له أصحاب التعاونية منذ البداية، كان هو توفير اكتفاء ذاتي على مستوى مجموعة من المنتجات الفلاحية، وهو ما تحقق بشكل تدريجي وانعكس إيجابًا على الأسعار التي انخفضت بشكل ملحوظ عند عرضها بالأسواق بسبب خصم كلفة النقل للمنتجات التي كانت تجلب من المدن المجاورة.