تونس اليوم

اوصى تقرير صادر مطلع الشهر الحالي ، أنجز بالتعاون بين وزارة الصناعة والطاقة والمناجم، والوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة، بضرورة رصد اعتمادات جديدة لفائدة صندوق الانتقال الطاقي حتى يتمكن من ضخ أموال لتمويل مشاريع طاقية وتمكينه من اسداء قروض لفائدة المستثمرين، في خطوة لدفع مشاريع الطاقات المتجددة ، وانتاج الكهرباء من مياه البحر وطاقة الرياح ، وهي مشاريع ستجني على الاقتصاد الوطني فوائد جمة أبرزها خلق أكثر من 45 ألف موطن شغل جديدة مع حلول سنة 2030. وتطمح تونس إلى زيادة حصة الطاقات المتجددة في إنتاج الكهرباء إلى 30 بالمائة بحلول سنة 2030 واستثمار ما يقرب من مليار دينار سنويًا في هذا القطاع لضمان استقلالية الطاقة ، علما وان تونس تمتاز بمناخ معتدل وموقع استراتيجي يسمح لها بأن تتحول خلال عقد من الزمن الى مصدر للطاقة الخضراء وهي محل طلب كبير من بلدان الاتحاد الاوروبي ، بالاضافة الى جني ارباح تضمن استقرار الخزينة العامة للدولة.

تمشي يضمن الازدهار الاقتصادي

حتى الآن ، نجحت الدولة التونسية فقط في وضع حلول قصيرة المدى، ومواردها تعتمد بشكل أساسي على عائدات التصدير والسياحة والاستثمار الأجنبي، وتستورد الكثير من طاقتها ومنتجاتها الغذائية بسبب عدم السيادة في هذا المجال ، وتستورد أيضًا الكثير من المنتجات ذات القيمة المضافة العالية لتشغيل صناعاتها ، فضلاً عن المعدات عالية التقنية مثل الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر، في المقابل ، تصدر الدولة منتجات ذات قيمة مضافة منخفضة مثل زيت الزيتون أو المنسوجات أو الكابلات الكهربائية أو الفسفاط، وهذا ما يخلق خللاً هيكلياً في الميزان التجاري، اذ ان الضغط على قيمة العملة متواصل، وكلما انخفضت قيمة الدينار مقابل اليورو والدولار ، زادت واردات الدولة بتكلفة عالية وزاد معدل التضخم، ويؤدي ذلك الى ارتفاع الأسعار وتراجع القدرة الشرائية للتونسيين.

التوجه نحو تصدير الطاقات الخضراء

هناك عدة رؤى استراتيجية تم صياغتها في مجال الطاقة الخضراء قد تحول تونس الى مركز لهذه الطاقة فهي تزخر بالسواحل البحرية الهامة وتتمتع بمناخ حار يسمح بتخزين الطاقة وتصديرها، كما يمكن الاستفادة من خطة الهيدروجين النظيفة التي أطلقتها أوروبا ورصدت لها اموال ضخمة، وذلك من خلال تبني محرك اقتصادي جديد يعتمد أساسًا على لبنة تكنولوجية جديدة وطاقات متجددة تسمح بالقضاء نهائيا على انبعاثات غاز الكربون.

وتحتاج تونس الى ارساء منشآت تعمل على ازالة الكربون من الهيدروجين "النظيف"، أي دون انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، الذي يتم الحصول عليه عن طريق التحليل الكهربائي، وتتكون التقنية أساسًا من تمرير تيار كهربائي عبر الماء لفصل واستعادة جزيئات H2 و O2 في المرحلة الاخيرة . في أوروبا ، لا يزال عدد الشركات التي تعمل في هذا المجال قليلة، الا ان بعض الدراسات ، أكدت ان تونس بإمكانها ان تصبح قطبا لهذه الطاقة الخضراء من خلال استغلال السواحل البحرية لأنتاج الطاقات النظيفة وربطها بمحطات الطاقة الشمسية، علما وان الكميات من الطاقة النظيفة التي سيتم انتاجها ستكون ضخمة ولا تنضب، وانتاجها في تونس سيكون مميزا وأفضل بكثير من إسبانيا وإيطاليا ، ناهيك عن مجموعة المهندسين والقوى العاملة الوفيرة والأرخص مما هو عليه في أوروبا.

ولإنتاج الكهرباء الخضراء ، يؤكد الخبراء في المجال الطاقي أنه يمكننا تحويل صحراء العديد من المناطق الداخلية إلى بحر من الألواح الكهروضوئية، وبناء محطات طاقة شمسية عملاقة وفي نفس الوقت مصانع ضخمة للمحللات الكهربائية (1.3 جيجاوات في السنة)، وفي مرحلة ثانية تشييد الوحدات الصناعية لإنتاج وتوزيع الهيدروجين النظيف ولا سيما من خلال بناء مصانع ضخمة لخلايا الوقود، وهذه الطريقة تعد رائدة في تخزين الكهرباء وأكثر كفاءة من البطاريات، علما وان الكهرباء المخزنة في خلايا الوقود ستعمل على تشغيل محركات الحافلات والقطارات والسفن والشاحنات والسيارات ، وبالتالي يمكن أن تصبح تونس اكبر مصدر لخلايا الوقود لأوروبا.

وتعد تكلفة تشغيل محطة تحلية مياه البحر أرخص في تونس منها في جنوب إسبانيا على سبيل المثال، حيث العمالة باهظة الثمن، بالإضافة إلى توفر بلادنا على الطاقة المطلوبة لتغطية كافة الاحتياجات سواء الذاتية او المعدة للتصدير ، علما وان نسبة الكهرباء الخضراء في ألمانيا والمستخرجة من طاقة الرياح والطاقة الشمسية ومصادر أخرى متجددة، تراجعت في الأشهر الستة الأولى من العام الحالي إلى 43% ، ويأتي ذلك بعد أن كانت حركة الرياح قد سكنت على نحو غير مألوف كما قلت ساعات ظهور الشمس في الربع الأول على وجه الخصوص.

ايرادات ضخمة وخلق مواطن شغل جديدة

وأوضحت الحسابات الأولية لمركز أبحاث الطاقة الشمسية والهيدروجين الالماني، أن إنتاج الكهرباء من طاقة الرياح على اليابسة وفي البحر تراجع بنسبة 20%، ويمكن لتونس على سبيل المثال ان تستغل هذه العوامل مستقبلا في تصدير الطاقة الخضراء التي تدر اموالا ضخمة بالعملة الصعبة ، كما سيسمح الاستثمار في هذه الطاقات البديلة والمتجددة في توفير اكثر من 45 ألف موطن شغل مع حلول عام 2030 ، لا سيما في المناطق الداخلية ، وذلك في مجالات تركيب وصيانة الألواح الشمسية والكابلات الكهربائية، ومد أنابيب المياه وأنابيب الغاز لنقل H2 الثمين الى أوروبا وباقي دول العالم.

وإذا اختارت تونس ان ترفع من درجة شراكتها مع أوروبا الى درجة شريك استراتيجي أساسي في خطة التعافي الأوروبية الجديدة ، فسيكون بإمكانها الوصول إلى بعض الصناديق الهيكلية للاتحاد الأوروبي. وبإمكانها الوصول إلى الجهات المانحة من القطاع الخاص، والحصول على تمويلات من الصناديق السيادية، وبمجرد أن تنخرط بلادنا في هذا المجال المغري للطاقات المتجددة ستتحول الى قطب في إنتاج وتوزيع الهيدروجين النظيف ، والذي من شانه ان يجذب اهتمام أي مزود لرأس المال في العالم ، سواء في الغرب أو الشرق.

وتلقت تونس ، مؤخرا ، دعما جديدا في سياق خططها الطموحة المتعلقة بمشاريع الطاقة المستدامة، لتحقيق أمن الطاقة من المصادر النظيفة رغم التحديات التي تواجهها وخاصة مع استمرار تداعيات فايروس كورونا على الاقتصاد المنهك أصلا ، ووقعت افتراضيا ، على اتفاقية مع الحكومة الألمانية تهدف إلى تطوير قطاع إنتاج الهيدروجين الأخضر من خلال إنشاء تحالف مشترك يقوم بتنفيذ المشاريع، وستتحصل بموجبها الدولة التونسية على هبة بقيمة 98 مليون دينار (30 مليون يورو).

ويهدف الاتفاق إلى وضع مشاريع للأبحاث والاستثمارات في استعمال هذه المادة التي تعدّ مصدرا للطاقة النظيفة، ولدى تونس إمكانات كبيرة تمكنها من أن تصبح منتجا للهيدروجين الأخضر، كما هو الحال في المغرب، نتيجة وفرة مواردها من الطاقة المستدامة. وبموجب هذه الاتفاقية ستكون قادرة على الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في المجالات الصناعية، علاوة على النجاح في انتقالها الطاقي.
وتتجه تونس ، التي تعتمد أساسا على الغاز في توليد الطاقة ، ببطء لاستغلال مصادر الطاقة المتجددة في توليد الكهرباء، ووفق البيانات الرسمية، فإن حجم الإنتاج من الطاقة البديلة لا يزيد حاليا عن نحو 4 % من حاجيات البلاد، أي ما يعادل 148 ميغاواط فقط.

وينصح جل الخبراء في المجال الطاقي ، بضرورة ان تكتسح بلادنا بقوة هذا المجال لما يدره من قيمة مضافة عالية، كما انه سيحولها الى قطب مميز لتصدير الطاقة النظيفة لدول اوروبا، ويفتح آفاقا كبيرة في بعث مواطن شغل جديدة ، وتحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة النظيفة ، وكذلك مضاعفة موارد الدولة المالية على المدى القصير.

قد يهمك ايضا 

وزارة البيئة التونسية تعتزم الإنطلاق في إستقصاء لإحداث محميات بحرية وساحلية

التّونسيون يواجهون كابوس الـ''النّاموس'' بأكثر حدّة هذا الصيف