التنمية التدريجية أصبحت تدفع أفق المدينة اليوم

وسط الانقاض، وبعد الحرب العالمية الثانية، يحلم المصممون بقوة الانتقال للمنصات، والطرق السريعة في السماء، ولكن التقشف دفع برؤيتهم بعيدا، وسلم المستقبل الى تنمية العصابات.

يحدق حفنة من الناس في المستقبل الذي لم يأت أبدا، حاملين العاب مجسمات محاكاة متصلة بصف من خمسة أجهزة "ماكينتوش أبل"، ويهيمون على وجوههم عمليا في منطقة الترفيه المبهرة في مانشستر التي تقع بالقرب من محطة السكك الحديدة الرئيسية، فيما اثنتان من الطرق السريعة المرتفعة تحمل حركة المرور عبر المباني الحديثة

.

ويتركز التأثير الكلي في مكان ما بين "غراند ثيفت أوتو" و "ماينكرافت"، مع تطور رئييس واحد. ففي الستينات لم تكن هذه البيئات اللامعة من نسيج الخيال ولكنها جزء من التخطيط الحضري اليومي، وعلى مدى الايام العشرة المقبلة فان مانشستر ستكشف عن ماضيها في مهرجان تاريخي سنوي، والذي سيعرض كل شيء من التيه المحلي لكارل مارك وفريدريك انغلز الى الهزات التي صاحبت سيكس بستول في عام 1976.

وستشهد كل عناصر المهرجان على التاريخ الثري لمانشستر، وسيكون معرض مانشستر ما بعد الحرب هو الاروع في كل المهرجان، والذي سيعيد رؤى مدينة الحياة الى خطط طويلة كانت طي النسيان لإعادة اكتشاف المدينة، بما في ذلك انتقال أعمال الشغب والأرصفة وطائرات الهليوكوبتر على السطح.

وسيكون ريتشارد بروك هو المحاضر الرئيسي في كلية مانشستر وسيؤدي مارك دودج عمله في قسم الجغرافيا في جامعة مانشستر، وهما القائمان على المعرض، ويقول الاخير " انا معجب بالجرأة بشكل عام، اليوم التنمية الحضرية تفتقر الى الطموح ولكن اذا نظرتم الى بعض الاشياء من الستينات وتفكرون انه كان هناك طموح هائل في ذلك الوقت."

وبدأت الخطط في عام 1945 بعد مقترحات لإعادة بناء مانشستر التي دمرها القصف خلال الحرب، وكانت الطموحات عملاقة في ذلك الوقت لدرجة انها شملت هدم قاعة فيكتوريا للاحتفالات، ولكن التقشف ولوائح البناء الصارمة لما بعد الحرب اجلت كل شيء حتى عام 1961، عندما وافقت الحكومة المركزية في وقت متأخر على الخطة مع تحديثات جذرية

.

واضاف بروك: " تخيل الفرق الاجتماعي والثقافي بين عام 1945 و الستينات، فالكومبيوتر اخترع في ذلك الوقت والطاقة الذرية كان لها أثرها، والناس تميل نحو الملكية لأشياء مثل السيارات والتلفزيون، وكان هناك تغير اجتماعي كبير."

وعكست الخطط التي خرجت عن مركز تخطيط مدينة مانشستر هذه الاضطرابات، والتي رأي فيها رئيس الوزراء انذاك هارلود ويلسون بانها " الحرارة البيضاء للتكنولوجيا الجديدة."

وعين مركز المدينة لاستكمال اعادة البناء استنادا الى الأفكار الماضية مع القليل من التحديثات، والتي يرى فيها بروك ودودج أفكارا مثيرة للدهشة، فامتلك المخططون فكرة استشرافية عن اقتصاد التعليم للمدينة والطموحات الرائعة للنقل العام والمناطق المخصصة للمشاة، والإيمان بشيء تعتبره معظم المدن أمرا مفروغا منه اليوم ألا وهو أن البيئة الحضرية تعني مناطق متصلة تخدم كل منها غرضا ثقافيا أو اقتصاديا.

وتحققت بعض الخطط بالفعل في منطقة السوق، ومركز ارندايل والهندسة المعمارية الحديثة لمنطقة الجامعات، ولكن حدثت أزمة النفط والاقتصاد العالمية في عام 1973 مما اضطر الحكومية البريطانية الى اعادة التنظيم ووضعت حدا لإيرادات المخططين القديمة، وبالتالي أهملت الكثير من الخطط الكبرى، وبحلول نهاية السبعينات كان الحلم قد مات الى حد كبير، فغاب خط الحديد الأحادي الذي يربط بين مطار مانشستر ولانغلي على الحافة الشمالية للمدينة، ولا ارصفة متحركة تحمل الناس على طول طريق اكسفورد للخروج من المحطة ولا مسارات جوية في المناطق الحضرية التي تنقل السيارات.

واكتشف بروك ودوج أثناء بحثهما في كل هذا ان الوثائق ذات الصلة يصعب ايجادها، فيقول بروك انه في احدى زيارته لمهندس متقاعد قبل بضع سنوات للعمل على احدى المشاريع وكان هذا المهندس يعمل في مكتب تخطيط مانشتسر ويمتلك بعضا من الرسوم الأصلية للخطط القديمة تحت سريره، وأخذ بروك نسخا عنها، وأضافها الى معرضه والتي حولها طلاب الماجستير لديه الى بيئات افتراضية في هذا المعرض، عرضوها على أجهزة المكنتوش.

ويشير دودج الى ان " هناك الكثير من الناس الذين عملوا على هذه الخطط، ولا يزالون يحتفظون بها وحريصين على رواية قصتها، بعضهم يشعر ان هذه القصة قد حرفت في كل السياقات المعمارية، ويريدون أن يظهروا حسن نواياهم لاعادة كتابة التاريخ، وكانوا يريدون أن يجعلوا العالم أفضل من خلال عملهم."

ويجعل كره عمارة ما بعد الحرب المرأ يتساءل، نظرا للاعتقاد الراسخ بأن بريطانيا تأرجحت فيما مضى على حافة الكابوس الحضري السوفيتي، لماذا تحمس هؤلاء المهندسان الى هذه الفترة؟ ويجيب بروك بابتسامة " انا شخص مولع بالخرسانة، احد الأشياء النادرة، والأشياء التي يكرهها الناس على الفور، انا اقدر لماذا يجد بعد الناس هذه الخطط قبيحة

."

ويتساءل المرأة أيضا عن الشعور المشترك لدى الناس بأن هذه الرؤى الحداثية تحولت في كثير من الاحيان الى ادوات قمعية وغير انسانية وتؤدي الى نوع من الكوارث التي حصلت للكثير من المدن مثل برمنغهام على سبيل المثال.

ويصر دودج " ولكن هل يمكن قول الشيء نفسه عن التطوير التدريجي الذي جرى في لندن ومانشستر الان، وقد أثرت فترة الستينات فيه، كان هناك رؤية استراتيجية شاملة في ذلك الوقت، اما اليوم فإنها مجرد رأسمالية خام وتطوير عصابات، اذا كان الشخص يمكنه أن يطور موقع فهو يستطيع."

وأخذ لحظة للتفكير والقى بعينه الى جهاز الكومبيوتر الذي يحاكي نموذجا للقرن العشرين والذي لم يبنَ أبدا وقال " انهم كانوا يريدون مدينة أفضل."