كيب تاون - عادل سلامه
تتلألأ صومعة الحبوب "موكا"، مثل صفوف الأباريق الزجاجية المزخرفة بشكل جيد، والنوافذ ذات القمم في أعلى متحف الفن المعاصر، في كيب تاون ترتفع كمنارة من الكريستال فوق خليط من الأرصفة والمستودعات ومراكز التسوق، وتتألّق النوافذ من قمة صومعة حبوب خراسانية مهيبة نصبت هنا منذ عشرينيات القرن العشرين، وهي أطول مبنى في أفريقيا في جنوب الصحراء الكبرى، وها هي يعاد استكشافها من جديد الآن كرد فعل القارة على متحف تاتي موديرن، والذي سيفتتح الأسبوع المقبل.
وأكّد المصمّم البريطاني لمتحف زيتز للفن المعاصر "تكلّف 28 مليون جنيه إسترليني"، توماس هيثيرويك، أنّه "بإمكاننا بسهولة أن نهدمه بالكامل ونبنى سفينة فضائية كبيرة لامعة لمتحف بدلا من ذلك، ولكن الخطر الذي واجهنا هو أن الناس كانوا يأتون إلى هنا لالتقاط صورة "سيلفي" وكانوا لا يدخلون إلى الداخل. في مكان كهذا ليس لديه ثقافة قوية للذهاب إلى المتاحف، كان التحدي الذي يواجهنا هو كيف سنتمكن من إقناع وجذب الناس لرؤية ومشاهدة الفن".
وحفر المصمم هيثيرويك أتريوم "الأتريوم في العمارة هو فسحة سماوية في قلب مبنى بيضاوي عملاق وسط الصوامع"، وكشف هذا الأتريوم عن مساحة مثيرة من اسطوانات خراسانية تهبط من السقف مثل المقرنصات المنحوتة "المعروفة في العمارة الإسلامية"، والتي نري من خلالها دوامة من السلالم والمصاعد الزجاجية، ومن المشاكل التي واجهوها أيضا أن الأنابيب الخراسانية المتهالكة التي بنيت منذ عشرينات القرن الماضي، التي يبلغ سمكها 180 مم فقط، لم تكن قادرة على تحمل عملية التفتيت هذه، لذلك كان من المفترض أن يتم صب 250 ملم جديد من الخرسانة داخل كل من هذه الاسطوانات، وقد تم تجديد المبنى بشكل أساسي قبل أن يتم تقطيعه. ومع ذلك، فإن النتيجة، مهما كانت اصطناعية، فهي قطعة معمارية قوية شيدت في علم الآثار.
والعقبة التالية كانت كيفية صنع صالات العرض، كما يعترف هيثيرويك، " كانت هذه الأنابيب الخراسانية مساحات غير مناسبة جدا لعرض القطع الفنية،" حتى أنه تم إبعاد ثلثي الصوامع لإفساح المجال لصالات العرض المكعبة البيضاء التقليدية، ويقول مدير التطوير في الشركة مارك نوبل، "كانت الصومعة كاتدرائية، ولكن لم يكن لدينا أي فكرة عما يجب أن نضعه فيها. لذلك لجأنا إلى المصمم البريطاني هيثيرويك - الذي كان مسحورا بتلك الأطلال المهجورة الباهتة عندما زار كيب تاون في عام 2007 - من أجل التوصل إلى خطة، وبعد النظر في كل شيء بدءًا من فكرة مزرعة للفطر إلى موقف للسيارات، توصل أستوديو العمل الخاص به لفكرة متحف، وأفاد نويل بأنّ "المؤسسات الكبيرة المعتادة مثل غوغنهايم قد توصلت لهذه الفكرة، لكنهم جميعا خافوا من إنفاق الملايين على رسوم الترخيص. ولحسن الحظ، تم إجراء اتصال من خلال مارك كويتزي، وهو أمين كابتونيان ومدير المتحف الآن، مع يوكن زيتز رجل أعمال ألماني، حقق ثروته من ماركة بوما للملابس الرياضية والذي يضم المبني الآن مجموعته الكبيرة من الفن الأفريقي المعاصر، وقد اتضح أن المتحف سيكون بمثابة مرساة ثقافية ذات قيمة مضافة لتنمية تجارية أكبر بكثير، وهي منطقة "سيلو" التي تبلغ تكلفتها 195 مليون جنيه إسترليني وتضم المكاتب والمحلات التجارية والشقق التي تشغل الآن البرج الخراساني الأنيق".
ولا يقتصر الاتجاه التجاري للمؤسسة بأكملها على المناطق المحيطة بها, فكذلك الفوانيس البلورية المتوهجة فوق المتحف ليست، في الواقع، مساحات المعرض ولكنها غرف نوم من فندق فخم يحتل النصف العلوي بأكمله من المجمع. والذي يُدار من قبل العلامة التجارية ذات الملكية الحصرية في جنوب أفريقيا Royal Portfolio ، وعن ديكورها الداخلي (ليس من تصميم المصمم هيثيرويك، حرص فريقه على التأكيد على ذلك) هو مشهد لقمة البذخ بعينه. تتألق غرف النوم، التي تكلف ما بين 680 و8.000 جنيه إسترليني في الليلة، مع الثريات المصرية وريش النعام الأخضر. ومن خلال النظر في إطارات النوافذ المكتنزة من الصلب , يجعلك هيثيرويك تشعر وكأنك في قفص الطيور تغني وتغرد.