دمشق ـ نور خوام
غيَّب الموت بعد ظهر الأحد، الشاعر السوري الكبير عمر الفرا، عن عمر ناهز 66 عامًا إثر أزمة قلبية حادة، لتكتب نهاية مرحلة مهمة في تاريخ الشعر العربي، تميّز خلالها الفرا بشعره المحكي، وحكايات أشعاره التي تسرد مع كل قصيدة قصة.
ولم تكن كلماته يومًا وليدة خيال محض بل تجيء طيفًا محملًا بألوان البادية وريح قهوتها وشجو صوت ربابتها، لتخرج صوتًا يحاكي الناس بل هي صوت الناس وما يودون قوله؛ لكن لا يستطيعون التعبير عنه بالشعر.
وهذا ليس غريبًا عن شاعر خرج من رحم البادية السورية، وتحديدا من تدمر عام 1949، وهكذا خرجت أشعاره تحاكي ذاك الأصيل في كل إنسان، وتلامس الوجدان ونبض أفراح وأوجاع الناس بنكهة بيضاء بدوية.
وكتب الفرا، الشعر في سن مبكرة فبدأ مع الشعر المقفى؛ لكن سرعان ما اتجه إلى الشعر المحكي؛ لأنه الأصدق والأقرب للوجدان، وهذا الإيقاع الذي أحسه الفرا اتخذه منهجا له؛ لكنه سرعان ما أحب أن يدخل ميدان الشعر بهوية تشبه روحه ومنبته، فاتجه إلى الشعر المحكي الأشبه بالقصة القصيرة، وتلك الطريقة أوصلته من دون وساطة إلى قلوب الناس.
وكانت البداية مع قصيدة "حمدة" التي كانت بطاقة دخوله إلى ميدان الشعر كمحارب من الصف الأول، ويحكي فيها قصة فتاة بدوية أجبرت على الزواج بابن عمها من دون رغبة منها فآثرت كسر تلك التقاليد والعادات والإعلان بصمت أن قتل جسدها أهون من أن تعيش من دون قلب وهكذا فعلت وانتحرت.
واشتهر الفرا بطريقة إلقائه المميزة والسلسة للشعر، وكلماته المعبرة القوية والصادقة في الآن ذاته، إضافة إلى لكنته البدوية، تلك اللهجة المعشقة ما بين الفصيح والعامي، وتعرف بالبيضاء وهذا ما سرّع في انتشاره لأنها تعيش في البقاع العربية يتحسسها كل عربي عرف معنى القهوة واستطيب المر فيها.
وكانت انطلاقته الجماهيرية بعد لقاء لافت أجراه يومها مع التلفزيون الأردني، وبعدها ذاعت شهرته في العالم العربي، كشاعر أول في المحكي البدوي، إضافة إلى التسجيلات الصوتية التي واظب محبوه على تسجيلها عبر أمسياته الشعرية لتتوج تلك المسيرة التي عاشها عمر الفرا في العطاء بين التدريس وكتابة الشعر.
ونال الشاعر الفرا ألقابًا عدة كان آخرها "شاعر المقاومة"؛ لأنه مع كل نداء ونضال يرفع صوت الوطن أولًا وعاليًا وقد استطاع تجسيد كل هذه الرؤى بقصيدة الوطن التي رواها لابنه الإعلامي السوري عمر الفرا، قبيل دخوله غرفة العمليات كوصية.
من أعماله ديوان "قصة حمدة" و"الأرض إلنا" و"حديث الهيل" و"كل ليلة" بالعامية و"الغريب" و"رجال الله" بالفصحى. ومن أشهر قصائده "الهبل والياسمينة".