موسكو - حسن عمارة
استطاع الثري الروسي ميخائيل يوسف لزين أن يكون أحد اللاعبين المؤثرين في صعود الرئيس فلاديمير بوتن الى السلطة، وقيل أنه أقيل فجأة في ما بعد من منصبه في جهاز وسائل الاعلام القوية في الكرملين، ومما زاد الأمر سوءا" هو استعداده للعيش حياة جديدة في أميركا.
واستطاع أن ينشئ في منفاه شركة في لوس انجلوس لشراء المنازل باهظة الثمن، وعاش هناك مع ابنه وابنته، وسافر بانتظام مع حبيبته الى أميركا والتي أنجبت له طفلا في أيلول/سبتمبر، وصرح النائب السابق في البنك المركزي الروسي والذي انتقل الى أميركا بعد مشاركته في احتجاجات ضد بوتن ويدعى سيرجي الماساشويوف " انهى عمله في روسيا وكان يبحث عن حياة جديدة في أميركا."
ويبدو أن الأمور لم تسر كما أراد الرجل ففي صباح 5 تشرين الأول/نوفمبر وجدت جثته داخل غرفة في فندق في واشنطن حيث كان متجهة لتلبية دعوة لحضور حفل عشاء لجمع التبرعات لمركز وودرو ويلسون الدولي للباحثين في فندق ريتز كارلتون في المدينة.
ولم يظهر ميخائيل في الحفل ولم يرد على المكالمات الهاتفية أو الرسائل التي ارسلها زميله الذي دعاه بيوتر فين وهو مصرفي كرّم في نفس الحفل المرعي بقيمة 10 الاف دولار.
واستغرق الامر أكثر من اربعة اشهر على الطبيب الشرعي في المدينة للإعلان عن سبب الوفاة التي لم تكن نوبة قلبية كما ذكرت وسائل الاعلام الروسية في البداية، وأبقي تشريح الجثة على سبب الوفاة غير محدد، مما زاد التكهنات أن الرجل قتل على يدي منافسيه الماليين أو السياسيين، وأثير الكثير من النظريات حول أعماله في عاصمة تصفها وسائل الاعلام التي أسسها في روسيا بأنها العدو المعادي لروسيا.
ولا تأتي هذه التكهنات في روسيا بدون سبب فحتى بغياب الأدلة فان قتل شخص بارز في النخبة الروسية في ظروف غامضة ليس غريبا فقد سبقه الكسندر ليتفينينكو الذي مات مسموما بمادة البولونيون المشمع في عام 2006، والكسندر بيربيلنشني الذي لقي حتفه أثناء ممارسته لرياضة الركض في بريطانيا عام 2012، وعلى ما يبدو مات مسموما ايضا.
وجاء سقوط ميخائيل في روسيا بسرعة وبشكل غير متوقع مع القليل من التفسيرات الرسمية، فتنحى عن منصبه كرئيس لشركة تدير وسائل عملاقة بعد اقل من عام على الوظيفة والتي كانت قد دفعته الى مركز الكرملين للمشاركة في تشكيل صورته قبل دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في سوتشي في عام 2014.
وبدا أنه كان على وشك الانضمام الى مجموعة جديدة من المنفيين الاقتصاديين والسياسيين الذين تدفقوا من روسيا بعد موقف بوتن وسياساته من الغرب، ويشير الصحفي البارز يفجينا الباتس " من الواضح أنه كان يهرب."ولعب لزين دورا بارزا في صعود بوتن الى السلطة، فهو الذي أسس شركة الاعلانات في التسعينات والتي أصبحت الاكثر أهمية في البلاد، وهبطت عليه وظيفة العمل مع وكالة الانباء الروسية الرسمية ريا نوفوتسي ثم التلفزيون الرسمي وشركة البث الاذاعي، واتهم فيما بعد بالاساءة لاستخدام منصبه لتمرير عقود لشركة الدعاية الخاصة به والتي تسمى فيديو انرتناشونال.
وعين لوزين في عام 1999 كوزير للصحافة في عهد الرئيس بوريس يلتسين، وبالرغم من أنه لم يكن من الدائرة المقربة من بوتن الا أنه بقى وزيرا خلال ولاية بوتن الأولى والذي كان له دور أساسي لانتزاع السيطرة على شبكات التلفزيون الوطنية من كبار رجال الأعمال التي يديرونها.
وزار ميخائيل صاحب شبكة أن تي في المستقلة فلاديمير جوسينسكي عندما القي القبض عليه في عام 2000 في السجن وضغط عليه ليوقع اتفاق مشكوك فيه من الناحية القانونية لإسقاط التهم الجنائية مقابل بيع محطة للغاز.وعمل لوزين كمستشار رئسي بارز في الكرملين خلال ولاية بوتن الثانية وأنشأ قناة روسيا اليوم التي تعمل على مدار الساعة بعدة لغات، وأصبحت الشبكة سلاحا فعالا في حرب المعلومات التي يقاتل بها الكرملين ضد الغرب.
وانتهى منصبه في الكرملين في عام 2009 بعدما فاز ديمتري ميدفيديف، وأشار أحد مساعدي مدفيدف بالقول ان السبب كان عدم احراق القواعد والسلوك الأخلاقي لخدمة الدولة في اشارة الى استمراره في مصالحة التجارية في صناعة الاعلام.وعاد مرة أخرى بعد تولي بوتن لفترة رئاسية ثالثة في تشرين الأول/أكتوبر عام 2013 وتولى غازبروم ميديا التابعة لعملاق الطاقة التي كانت ملك لاحد المقربين من بوتن وهو يوري كوفالتشوك المساهم الرئيسي في البلك الروسي والذي واجه عقوبات أميركية بسبب علاقته مع بوتن.
وأشرف لمدة شهرين على بروف ميديا التي تتبع واحدة من أغنى رجال الصناعة في روسيا وهو فلاديمير بوتانين، التي تملك أن تي في روسيا وكذلك محطات للردايو ومجلات، وتبلغ قيمتها 600 مليون دولار، وفي ذلك الوقت كان يجهد الكرملين لجلب وسائل الاعلام الأكثر استقلالا تحت السيطرة السياسية والمالية للدولة.
ويوضح كاتب في صحيفة موسكو تايمز يوليا لاتينينا " هناك خطر من أن لوزين يستخدم الموارد الادارية لخدمة مصالح رؤسائه، ولتصفية حسابات قديمة." واصطدم وزير الصحافة مع الاثار المتبقية من وسائل الاعلام المستقلة، فبين الكسي فنديكتوف رئيس تحرير اذاعة صدى موسكو المملوكة جزئيا لشركة غابروم ميديا التي تعتبر مستقلة ظاهريا أن لوزين دعاه لتناول العشاء في افخم المطاعم في موسكو وضغط عليه لرفض العديد من الصحفيين الذين ظهروا على الهواء أو على مواقع الكترونية من بينهم لاتينينا، وقاوم الكسي هذا الأمر مما ادى الى طرده من الراديو، ويعتقد هذا الاخير ان استحواذ لوزين على وسائل الاعلام جلبه الى صراع مع كوفالتشوك صاحب بروف ميديا، وأشار " جعل لزين من الجميع عدوا له في المحطات التلفزيونية بسبب ساسيته."
ونشر زعيم المعارضة الكسي نفالني في تموز/يوليو عام 2014 سجلات تظهر ان لوزين استطاع أن يشتري منازل في لوس أنجلوس وهذا ما لا يغطيه راتبه كوزير لأكثر من 15 عام، وقبل ثلاث سنوات من هذا التاريخ كان ميخائيل لوزين ادرج الشركة في كاليفورنيا والتي تدعى داستيل في المقام الاول لشراء العقارات، فيما اسس شركة في نفس العام تحت اسم أتش اف سي تحت اسم ابنته.
واستطاعت الشركات الثلاث أن تشتري منزلين في بيفرلي هيلز بتكلفة قدرها 13 مليون دولار و 5 مليون دولار وأخر بقيمة 9 مليون دولار، واستطاع ابنه انطون أن يترك لنفسه بصمة في هوليوود، واستطاع بالتعاون مع شريكته ساشا شابيرو أن يشكل شكرة لتمويل الأفلام والداعية تسمى ميديا كونتانت كابيتال، وفي عام 2012، استحوذا على حصة في شركة كيد انترناشونال التي تنتج وتوزع الأفلام مقابل 25 مليون دولار.
وكشفت استثمارات لوزين في لوس أنجلوس في وقت العداء المتصاعد تجاه الغرب في روسيا نتيجة الحرب في اوكرانيا فيما يواجه الكثير من المسؤولين ورجال الاعمال الروس عقوبات فرضتها عليهم أميركا، وفي نفس الوقت الذي شدد فيه بوتن على هؤلاء بإبقاء ثرواتهم في روسيا.
وكشفت الصحافة الروسية عن وثائق حول تمرير لوزين لأعضاء الكونغرس الأميركي بيانات لاقناع أميركا بفرض عقوبات ضد مزيد من المسؤولين الروس، ويدعا السيناتور روجر ويكر الجمهوري من ولاية ميسيسيبي علنا في تحقيق لوزارة العدل في اشتباه في مخالفات بموجب قانون الممارسات الأجنبية وتساءل عن علاقة لوزيرن بالسيد كوفالتشوك الذي حددته وزارة المالية بأنه أكبر شخصية مصرفية في روسيا، وأحيلت هذه المسألة الى وزارة العدل والاف بي أي بدون نتيجة.
وقيل أن الاجراء كان شكليا فلم يكن هناك رغبة في متابعة القضية في أمريكا، ويوضح مدير مبادرة الفساد الحكومي في معهد هدسون في واشنطن جولي ديفيدسون أن الادعاءات ضد السيد لوزين لم تصل الى التحقيق، ولم تظهر أي ادلة تدينه.
وانسحب من الساحة العامة في عام 2015 وسافر بانتظام الى أمريكا بتأشيرة سياحية، وزارها أربع مرات في العشر اشهر الاولى من العام، وعادة الى لوس أنجلوس عدة مرات، وكانت أخر مرة في 21 تشرين الاول/أكتوبر أي قبل اسبوعين من وفاته.
وتزوج الرجل مرتين وكان على علاقة بعارضة أزياء تسمى فيكتوريا راكينافيا من سيبيرا، وأنجبت له ابنه، وبالرغم من ابتعاده عن الساحة العامة الى أن المشاكل في شركة غازبروم ميديا تبعته الى أميركا، ففي عام 2015 واجه قضية هناك تنطوي على شركة الانتاج التي أسسها ابنه، ولم يعرف الكثير عن ايامه الأخيرة، وقال احد أصدقائه أنه اجتمع مع بعضهم في واشنطن وشرب الكثير من الخمر ليلة 2 تشرين الاول/نوفمبر، وقد كان معروفا بتهوره عندما يسكر، وذكروا أنه سقط وأصاب نفسه بسبب حالة السكر الشديدة.
ولم يوضح التشريح اذا كانت السقطة هي السبب في الموت أم كان الضرب أم حادث سيارة، ووفقا لمعلومات من وزارة الخارجية فان ميخائيل لوزين ذهب لشراء الخمور صباح 3 تشرين الأول/نوفمبر أي يوم العشاء وعاد الى الفندق مع الكحول وهو ذات اليوم الذي لم يحضر فيه الفعالية.
وعثر عليه الحراس في الليلة التالية في حالة سكر شديدة وفي اليوم التالي عثر عليه ميتا في غرفته، ويتساءل أصدقاؤه كيف لم يتصل بالدكتور او الحراس أو أي أحد، ولم يعلق أي شخص من الفندق على موته، واختبر فحص الكحول في دمه كمسألة روتينية ولكن رفضت المتحدثة باسم عائلته مناقشة تفاصيل الاختبار حفاظا على الخصوصية ولكنها قالت ان الكحول لم يكن عاملا مساهما في وفاته.
وتتعامل الشرطة في العاصمة الأميركية في حادثة وفاته على انها وفاة طبيعية على الرغم من أن القسم الجنائي هو المسئول عن التحقيق، ولم يتدخل الاف بي أي في التحقيق مما يشير أنها ليست جريمة فيدراليه، وأظهر شريط فيديو عودة ميخائيل لوزين الى الفندق الذي يقيم فيه بحالة شعثاء مما يدل على وقوع شجار في الليلة التي سبقت وفاته، بالإضافة الى صدمة حادة في الرأس وبعض الكدمات على الجذع والذراعين والساقين.
ويستغرق تشريح الجثة في العادة 90 يوما ولكن تشريح لوزين أخذ وقتا طويلا حيث قام المحققون باجراء سلسلة من اختبارات السموم ليكونوا متيقنين من الحدث، وفي أذار/مارس طلب المدعي العام الروسي ووزارة العدل المزيد من المعلومات حول القضية ووفقا للمتحدث باسم وزارة الخارجية يوري ملنيك أن الشرطة والمسؤولين الاتحاديين لم يقدموا معلومات أو اجابات.
وأثار مجرد وجود لوزين في أمريكا نظريات المؤامرة، وقيل أنه انتقد بوتن وأسكت قبل أن يتعاون مع السلطات الاتحادية بالتحقيق في قضايا فساد، وذهبت رواية للقول أنه لم يمت بل أخفى تحت بند حماية الشهود ولكن المسؤولين يرفضون هذا الخيار.
ولا يزال هناك الكثير من الشكل في وجود جريمة نفذها أعداء الرجل في موسكو، ولكن بعضهم نفى ذلك قائلا انه كان يلتقي بلوزين في موسكو قبل أسابيع من ذهابه الى واشنطن وأنه لو كان سيقتله لقتله في موسكو.