مارك زوكربرغ

زادت التوترات بين الـ"فيسبوك" وصناعة الأخبار هذا الأسبوع عندما وضع الـ”فيسبوك” صورة لحرب فيتنام حائزة على جائزة بوليتزر تحت الرقابة بسبب ظهور طفلة عارية فيها, ما ينتهك معايير المجتمع الخاصة بالموقع، وانتهى النزاع  الجمعة حول صورة فتاة النابالم والتي نشرها كاتب نرويجي في منشور عن الحرب عندما عكس الـ”فيسبوك” قراره معترفًا بالأهمية العالمية لهذه الصورة باعتبارها توثق لحظة معينة من الزمن، وكشف الخلاف ما اعتبره الصحفيون والأخلاقيون عيوب جوهرية في طريقة تحكم الـ”فيسبوك” في نشر الأخبار، وأوضح النقاد أن قرار الشركة كان بسبب مخاوف العلاقات العامة، وينبغي أن يكون بمثابة دعوة للاستيقاظ للمدافعين عن حرية التعبير بشأن مدى قوة الـ”فيسبوك” فضلًا عن سوء تجهيز الشركة لدورها في مجال الصحافة.

ويأمل البعض أن تكون هذه الفضيحة بمثابة نقطة تحول للمدير التنفيذي مارك زوكربرغ والذي يقول منتقدوه أن لديه واجب أخلاقي للاعتراف بدوره بصفته أقوى رئيس تحرير في العالم ويتخذ خطوات جادة لجعل الـ”فيسبوك” مسؤول عما ينشره، وتقول ايميلي بيل مدير مركز Tow للصحافة الرقمية في جامعة كولومبيا " ما يجب على الـ”فيسبوك” فعله هو التفكير فيما يعنيه أن تكون ناشر، وإن لم يفعلوا ذلك سيحدث لهم ذلك مرارا وتكرارا، نحن نحتاج أكثر من مجرد خوارزميات".

ويلعب موقع الـ”فيسبوك” حاليًا دورًا حيويًا في كيفية استهلاك الناس للأخبار، ووجدت الدراسات مرارًا وتكرارًا أن الـ”فيسبوك” أصبح مصدر الأخبار الرئيسي لكثير من الناس وأن عائدات الناشرين تضررت بشدة نتيجة لذلك، وبالنسبة لبعض الصحافيين يعد انخفاض إيرادات الاعلانات أقل خطورة مما كشف عنه الخلاف حول صورة الحرب، حيث اتسع تحكم الـ”فيسبوك”  في الأخبار حتى أنه أصبح يفرض رقابة على قصص بطريقة تهدد حرية الصحافة، ويعد السؤال المطروح هنا هل يعلم الـ”فيسبوك” ما يجب فعله بهذه السلطة؟، وأوضح جين كيرتلي، أستاذ أخلاقيات وسائل الإعلام والقانون في جامعة مينيسوتا " الأمر تقريبا مثل طفل يلعب بلعبة تفوق عمره، نحن بحاجة إلى شيء أكثر من الخوارزميات ، نحن أشخاص باعتبارهم كائنات حية والذين سيتوقفون عن تحليل هذه الأمور".

ورفض زوكربرغ الاعتراف بأن الـ”فيسبوك” هو ناشر أو شركة إعلامية لكنه تمسك بتوصيف شركة تكنولوجيا ومنصة، إلا أن فكرة وجود منصة غير متحيزة لوضع المشاركات أصبحت موضع تساؤل عندما تبين أن موظفي الـ”فيسبوك” ينسقون المقالات الإخبارية في قسم "trending"، ثم أقالت الشركة الفريق العامل في هذا القسم ودعت الخوارزميات تتولى الأمر، وبدأ الـ”فيسبوك” نشر قصص وهمية مبتذلة لدى المستخدمين، وقال جيم نيوتن محرر لوس أنجلوس تايمز الأسبق الذي يُدرس أخلاقيات مهنة الصحافة في جامعة كاليفورنيا " يرغب الـ”فيسبوك” في أن يحظى بمسؤولية الناشر وأن يُرى في الوقت نفسه كناقل محايد للمعلومات وليس في موضع إصدار أحكام على الأخبار، ولا أعرف كيف سيتنقلون خلال هذا على المدى الطويل".

وتابعت بيل " يعد الـ”فيسبوك” منظمة تحظى بموارد جيدة بشكل مذهل من منظور تكنولوجي، ويجب أن تعكس الجهود التحريرية الصرامة والتفاني في العمل، ودعا البعض إلى وجود مسؤول عن قرارات غرفة الأخبار كمحرر مسؤول"، وأضاف جيف غارفيس أستاذ الصحافة في جامعة سيتي في نيويورك "الـ”فيسبوك” يحتاج إلى محرر حتى يتوقف هو عن التحرير، نحتاج إلى شخص ما لينقذ الـ”فيسبوك” من نفسه  عن طريق جلب مبادئ  مناقشة القواعد".

وأفاد غارفيس أنه يجب على الـ”فيسبوك” السماح للمحريين من وكالات الأنباء ذات السمعة الطيبة اتخاذ القرارات الرئيسية المتعلقة بكيفية استخدام المنصة، مثل نشر صورة حرب تنتهك سياسة الموقع تقنيا، بحيث يمكن لمحرر الـ”فيسبوك” أن يتدخل عند وجود خلافات، وقال ادوارد واسرمان، عميد  كلية بيركلي للصحافة في جامعة كاليفورنيا " يجب على الـ”فيسبوك” إنشاء فريق من الصحافيين لمعالجة هذه القضايا المعقدة بدلًا من الاستجابة عند انتشار الخطأ بشكل فيروسي، إذا كانوا يعملون في قطاع الأخبار وهم كذلك فيجب عليهم الوصول إلى أحكام التحرير".

ويرى البعض أن أول خطوة مهمة على الطريق لجعل الـ”فيسبوك” ناشر صحفي محترم هي زيادة الشفافية، وبضرف النظر عن الوثائق المسربة لا يعرف الجمهور سوى القليل عن كيفية عمل خوارزميات الـ”فيسبوك” والدور الذي يلعبه الموظفون، فربما يكون كل من المحررين والخوارزميات منحازين بشكل كبير، وحتى يكون الـ”فيسبوك” أكثر انفتاحا حول كيف ولماذا يسمح لبعض الاخبار بالنشر والترويج ستستمر الشركة في كسب غضب الصحفيين الذين يمكن أن تعيش أو تموت قصصهم عبر الـ”فيسبوك”، وأوضح جوناثان تابلين، المدير السابق لمختبر آننبيرغ للابتكار في جامعة جنوب كاليفورنيا " فيسبوك وغوغل مثل الصناديق السوداء، فلا أحد يفهم الخوارزميات إلا من يعملون في الداخل"، ودون معرفة كيف يحدد الـ”فيسبوك” أن صورة الحرب إباحية هناك افتراض بأن جهاز أو موظف أجرى هذه الدعوة ولم يكن هناك أحد للمسائلة.

وتابع تابلين " ربما كان شخص عمره 22 عاما وليس لديه أدنى فكرة عن أهمية صورة فتاة النابالم"، وفي حين تعمل منظمة مثلا الغارديان بأمانة عامة إلا أن الـ”فيسبوك” لديه أجندة مختلفة، وأشار تابلين إلى أن مجلس الـ”فيسبوك” يضم ملياردير التكنولوجيا بيتر تيل، وبينت كاثلين كلفر، مديرة مركز أخلاقيات الصحافة في جامعة ويسكونسن ماديسون " من مصلحة الـ”فيسبوك” على المدى الطويل أن يصبح منظمة إخبارية ذات ثقة وسمعة طيبة، ويحاول الـ”فيسبوك” إطلاق منصة يرغب الناس في الإعلان فيها"، وأشارت كلفر إلى شبكة ماي سبيس التي فشلت في جذب عائدات إعلانية لأنها كانت غير منظمة وفوضوية، إلا أن صورة رب فيتنام لم تبسط المعلنين أو المستخدمين بينما استمر تدفق المزيد من القصص الوهمية أو البذيئة، وتابعت كلفر " إذا ذهبنا للموضوعات الرائجة يمكننا أن نجد نظرية المؤامرة والتضليل"، وفي ظل استمرار رقابة الـ”فيسبوك” على صورة الطفلة كيم فوك (9 سنوات) وهي تهرب من هجوم قنابل النابالم نشر الموقع الجمعة قصة هجومية أخرى تشير إلى أن هجمات 11/9 كانت بسبب تدمير تم التحكم فيه.

وتعهد الـ”فيسبوك” بمناقشة هذه المسألة مع الناشرين إلا أن الصحافيين أوضحوا أن هذه الحالة تسلط الضوء على أهمية الضغط الإعلامي على عملاق وسائل الاعلام الاجتماعية لإعادة النظر في ممارساته، وأشارت كلفر إلى رسالة ابسين ايغل هانسن محرر صحيفة افتنبوستن النرويجية التي أثارت جدلًا عندما عرضت خطة قوية لمكافحة رقابة وسائل الاعلام الإلكترونية، وأضافت كلفر " من المهم للغاية للصحفيين ووكالات الأنباء الدفاع عن حرية التعبير بشكل كامل".

ونشرت وكالات الأنباء بما في ذلك صحيفة الغارديان  واشنطن بوست و NBC موضوعات تضمنت صورة فتاة النابالم على صفحاتها على الـ”فيسبوك” بعد انتشار توبيخ هانسن لزوكربرغ، وأضاف تابلين " يجب أن يقف الكثير من الناس ويقولون أن هذا ليس هو الدور الذي يفترض أن يلعبه الـ”فيسبوك”"، وعلى الرغم من أن رسالة صحيفة افتنبوستن دفعت الفيسبوك للتراجع إلا أن واسرمان ظل مشوشا بسبب تعصب الشركة قائلا " يجب عدم أخذ الصفحة الأولى كتعبير عن الاشمئزاز للحصول على انتباههم".