بيروت ـ فادي سماحة
تتكرر قصة أسرة "محمد" عشرات الآلاف من المرات عبر عكار ومنطقة الشمال الريفية في لبنان، حيث يعيش أكثر من 100 ألف لاجئ سوري، منتشرين في ما يسمى بـ"المستوطنات غير الرسمية" في المدن والقرى والأراضي الزراعية، كما تلقي الضوء على بقية الوضع المأساوي للاجئين في لبنان، حيث يعيش أكثر من 1.2 مليون لاجئ سوري، 90% منهم يواجهون ديونا شديدة و70% تحت خط الفقر، وفقا لمفوضية الأمم المتحدة.
لا توجد في غرفة محمد أي مرآة على الحوائط في منزل أسرته المكونة من 5 أفراد في قرية أل بايه اللبنانية، من أجل حمايته من رؤية انعكاس وجهه المشوهجراء إطلاق قذيفة من دبابة على منزل خالته في مدينة الرستن السورية في حمص، فيما تقول عزيزة، والدة محمد، 30 عاما، لصحيفة "ديلي ميل" البريطانية إنها "حماية بسيطة في معركته اليومية مع الصدمة وإصابات وجهه، يكفيه الألم الذي يصيبه عندما يأكل أو يفتح فمه"، تضيف عزيزة "عندما رأيته بعد انفجار قذيفة، وكان مغطى بالغبار خارجا من تحت الأنقاض، استطعت أن أرى عينيه، شعرت بالارتياح لنجاته، لكن بعدما غسلنا وجهه وجدنا جلده قد ذاب، وخصوصا حول العين اليسرى".
وتابعت: "كانت عمته تحمله، وضربت القذيفة بيتنا، كانوا على بعد خطوات منه، انهار السقف، وكان محمد محاصرا بين الأنقاض والحريق، ثم أنقذه الجيران، لكننا لم نتمكن من نقل محمد إلى المستشفى بسبب القصف العنيف، واجتهد طبيب محلي في محاولة إنقاذه بشتى الطرق، وكان عمره حينها 10 أشهر فقط". ومنذ ذلك الحين، خضع محمد، لعمليتين عندما كبر في السن. وقالت عزيزة إن جلده يحتاج لـ"تمدد"، والعلاج يسبب له تهيجا بانتظام.
هذه الأسرة، التي غادرت الرستن بحمص بعد أسابيع من الهجوم، كان بيتهم عبارة عن أنقاض ومع ذلك لم يكن ولديهم مال لدفع الإيجار أو شراء الطعام ولا حتى العلاج الذي يحتاج له ابنهم، تقول عزيزة: "نحن بحاجة للمساعدة"، تضيف دون أن تظهر أي انفعال وعيناها متصلبة "الجميع هنا يحتاج إلى مساعدة". ووفقا للصحيفة البريطانية، فإن هذه الكلمات التي رددتها هذه الأسرة كثيرا ما سمعها مراسلو الصحيفة أثناء سفرهم إلى الحدود الشمالية للبنان مع سورية، حيث عشرات الآلاف من الأسر التي تواجه وحشية الشتاء والفقر واليأس، وسط تحذيرات من أعظم 'اختبار إنساني في العالم".
ويحب محمد بشكل ملحوظ "الماصة"، لكنها لاتباع هنا على عصا، إنما في ورقة بلاستيك خضراء مساحتها 6 بوصات، وتخبر والدته عنه أنه "مصدوم مما حدث"، وأنه نبأها أنه لا يريد العودة إلى "أرض القنابل والقناصة". ويمشي محمد، الذي يرتدي سترة مقلدة من ماركة "دولتشي أند غابانا"، بتملل باستمرار بجانب والدت وأخواته ـ نور 5سنوات، وروان 3 سنوات ـ وغالبا ما يلمس وجهه بيده اليمنى، وفي بعض الأحيان ينفجر في البكاء ويدفع والدته بغضب طفولي.
وتشرح الصحيفة أن جزءا من معضلة هذه الأسرة هو عدم امتلاكها المال للحصول على الرعاية الطبية، ولا يعرفون ما العلاج الذي يحتاجونه في المستقبل، الجراحة التجميلية لمحمد في بيروت ضرورية، وهم مضطرون للانتظار حتى يتعافى من عملياته وينمو قبل أي عملية جراحية جديدة يمكن إجراؤها، وفقا لوالدته،التي أوضحت أن ابنها بحاجة إلى علاج عاجل متخصص حاليا، لعلاج الضرر النفسي والصدمة التي يعاني منها بشكل واضح، وبدا هذا بالفعل خلال زيارة الصحيفة لمنزلهم، "شهدنا نوبات متكررة من البكاء والعنف تجاه الأطفال الآخرين، بخاصة أخواته"، بحسب مراسل "دايلي ميل".
وتابعت عزيزة:"إنه قلق بشأن الذهاب إلى سوريا، وأحيانا يستيقظ في الليل، صارخا أنا خائفة من المنزل،و القصف، والبنادق، والانفجارات، والضجيج. أنا لا أريد أن أعود، أنها سيئة"، وأشارت أنهم "سمعوا منذ أسبوعين عن مقتل أحد أقاربهم هناك برصاص قناصة".
وتعيش اثنان من أسر الرستن في ملاجئ داخل بلدة لبنانية مسيحية، وإلى جوار مساكنهم شجرة عيد الميلاد عملاقة تمثل تذكيرا صغيرا بموسم العطاء وحسن النية، لكن بالنسبة لهم، فالواقع يتلخص في مجموعة من وكالات الإغاثة الدولية التي تواجه طلبا هائلا لتوفير الأمل والمساعدة في هذا الوقت من العام.