أثينا - سلوى عمر
تبدو الصور التي تعرضها صفحات شركات السياحة على موقع الـ"فيسبوك" في إطار الترويج لأعمالها التجارية عبر الانترنت من خلال تقديم رحلات للسياح إلى اليونان بأسعار معقولة، ولكن الواقع أن هؤلاء من مهربي البشر الذين يستدرجون عائلات اللاجئين إلى حتفهم ويقدمون لهم وعودًا كاذبة برحلات سريعة وسهلة إلى أوروبا.
وأوضح أحد مهربي البشر لصحفي متخفٍ، أنَّ هناك أمًا عراقية لديها طفلان تسعى إلى الوصول إلى اليونان، وبرغم الأنباء الأخيرة عن غرق المهاجرين إلا أن المهرب أكد لها أنها ستكون في آمان على متن قاربه.
وتنتشر صفحات تهريب البشر على الـ"فيسبوك" ويرتادها آلاف المستخدمين ومن بينها صفحة مشهورة بعنوان "التهريب من تركيا إلى أوروبا بأرخص الأسعار"، وتضم الصفحة أكثر من 4 آلاف معجب بها قبل أن يتم إغلاقها من قبل إدارة الـ"فيسبوك" أمس الاثنين، وتعلن الصفحة المشبوهة عن خدماتها مع الإفلات التام من العقاب وحصلت على تقييم 4.3 نجوم من أصل 5 نجوم بواسطة المستخدمين.
وصرَّح الوزير الجديد لشؤون اللاجئين المعين من قبل رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، أمس أن الحكومة ستفحص الأمر كجزء من التحقيقات العاجلة في الاتجار وتهريب البشر، مضيفا: "إنها مسألة خطيرة ولا يقتصر الأمر على الفيسبوك فقط، إنهم أشخاص يستهدفون الضعفاء بغرض جمع كميات كبيرة من المال، ونحن نسعى بالتعاون مع البلدان المجاورة لمعالجة هذا الأمر ".
وتقدم بعض صفحات شركات السياحة على الفيسبوك نصائح للاجئين وكان من بينها "اذهبوا إلى أزمير ستجدون هناك الكثير من المهربين، عليكم إيجاد قارب سياحي لأنفسكم ثم اتجهوا إلى ألمانيا وتوجهوا إلى أقرب مركز شرطة، وسوف تعيشون هناك وكأنكم ملوك".
وجاء في إعلانات أحد المهربين "قارب سريع يأخذك إلى اليونان في 25 دقيقة بسعر معقول للعائلات فقط، ونقوم برحلة واحدة كل يومين ويستوعب القارب 10 ركاب فقط"، وكتب مهرب آخر "أيها الأخوة هناك رحلة يومية على متن يخت مباشرة من أزمير إلى اليونان بتكلفة 2000 دولار للفرد"،
وكتب آخر في حالة عدم وجود ما يكفى من المال وزيادة عدد الركاب " إذا لم يكن لديك ما يكفي من المال فنحن هنا للمساعدة بتكلفة 750 دولارًا للفرد و20 راكبًا في القارب"، بينما يعرض آخر رحلات إلى اليونان في أيام الجمعة والأحد والثلاثاء، ويقول أحد المهربين " أسرعوا السور في المجر على وشك الاكتمال، والمعبر يقترب من الإغلاق".
وتستهدف بعض الإعلانات جنسيات معينة مثل هذا الإعلان الذي جاء فيه " إلى جميع الأخوة العراقيين والسوريين هناك رحلة مرتين أسبوعيا على يخت سياحي بأسعار معقولة إلى جزيرة أندروس".
ويخاطر المهاجرون بأنفسهم في هذه الرحلات المميتة للهروب من العنف في بلادهم مدفوعين بالصور البراقة التي يرونها على صفحات المهربين لليخوت الفاخرة والمياه الهادئة، وبالطبع لا تشير تلك الصفحات إلى صورة الطفل الغريق إيلان الكردي، بينما يظهر في الصور الأطفال وهم يرتدون سترات النجاة ويبتسمون أمام الكاميرا ويلتقط البعض الآخر السيلفي وهم فرحون، ولا تشير الصور إلى أي نوع من المخاطرة بالطبع.
وعندما يستجن العملاء لأحد هذه الإعلانات فيتصلون بأرقام أحد المهربين، وانتحلت صحافية صفة لاجئة واتصلت بأحد المهربين الذي أكد لها أنه ينظم رحلات إلى اليونان من بودروم في تركيا، وأوضح لها أنه تم تأجيل الرحلات لمدة ثلاثة أيام لأن الماء ليس هادئا، وأبلغها المهرب أن مقعدها سيتكلف 2000 يورو و 1000 يورو لكل طفل من أطفالها في عمر 10 أعوام و12 عامًا.
وأعربت الصحافية للمهرب عن قلقها بسبب التقارير التي تقرأها عن اللاجئين الذين يموتون غرقا إلا أنه أكد لها أنه لا يقلقه ما يظهر على شاشات التليفزيون وأن الرحلة آمنة، كما أكد لها وجود سترات نجاة لها وللأطفال لكنه رفض الحديث في تفاصيل الرحلة قائلا " عندما تصلي هناك يمكنك الاتصال بي".
وكتب بعض الأشخاص الذين دفعوا المال بالفعل إلى المهربين على صفحاتهم على الفيس بوك " إنهم حفنة من اللصوص ويسرقون أموال الناس"، وكتب مستخدم آخر مشيرا إلى اسم أحد المهربين " إنه من مهربي البشر وهو محتال من أزمير، كونوا على حذر إنه يأخذ الناس إلى نقطة التهريب ثم يهددهم بالسلاح ويأخذ كل ممتلكاتهم".
وكتب مستخدم آخر " تحذير: صدر اليوم قرار بخصوص اللاجئين في أزمير واعتقل عدد كبير من المهاجرين اليوم، كونوا على حذر لأن الشرطة التركية تعتقل المهاجرين وتأخذ بصمات أصابعهم وتنشرها بعد يومين في وقت لاحق".
وذكر مدير برنامج اللاجئين في منظمة العفو في بريطانيا ستيف سيموندز: "زاد هذا الاستغلال لاحتياجات الناس إلى الوصول إلى مكان آمن بشكل ملحوظ في العامين الماضيين، ونتج هذا عن رفض الحكومات الغربية الاعتراف أو التعامل مع فكرة أن الكثير من الناس يضطرون للهروب نتيجة الصراعات الوحشية، في حين ازدحمت مخيمات اللاجئين في دول مثل الأردن وأثيوبيا وباكستان وأصبحت تعانى من نقص في التمويل بشكل يرثى له لعدة سنوات".
وتابع ستيف: "يتصرف المهربون بقسوة ولا مبالاة بشأن حياة الناس ويجب على الدول بما فيها بريطانيا ألا تتنصل من مسؤوليتها في الوقوف بجانب اللاجئين وتوفير بدائل قانونية آمنة لهم بدلا من الهروب".
وأعلن رئيس الوزراء الأسبوع الماضي أن المملكة المتحدة ستعيد توطين 20 ألف لاجئ بحلول عام 2020، وفي تحذير لهؤلاء الناس الذين يتجهزون إلى الهروب من خلال شركات السياحة عبر الفيسبوك بيّن السيد هارينغتون أنهم لن يحصلوا على الحق في العيش في بريطانيا إذا سافروا إلى القارة بأنفسهم.
وأضاف هارينغتون: "نحن نأخذ فقط اللاجئين من المخيمات حول سورية؛ لكننا لم نأخذ الناس الذين عبروا أوروبا بطرق ووسائل مختلفة، وتعتبر عملية اختيار اللاجئين عملية مهمة جدا ونتبع إجراءات معقدة لتنفيذها تشمل التحقيق في كل شيء من الصحة وأفراد الأسرة أنفسهم وخلفياتهم"، وأكد متحدث باسم موقع الفيسبوك أن صفحات التهريب قد أزيلت بالفعل.