حضرموت ـ مجدي بازياد
قدمت شركة نفطية تسمى "مول للتنقيب" عن النفط في منطقة الضليعة شرق حضرموت، فاستبشر الأهالي خيرًا وحلموا بنعيم وافر سوف يتدفق عليهم كونهم يستضيفون شركة نفطية ستعود عليهم بالنعيم وأحلام الترف والبذخ والرخاء وكانت أول مطالبهم الماء، فالمنطقة جبلية مرتفعة والوصول إلى المياه يتطلب حفارات متطورة وتصوروا أن الشركة النفطية "مول" بمعداتها الجبارة سوف تحقق لهم ذلك المطلب إلا أن ذلك الحلم تبدد سريعًا بعد أن كشرت الشركة عن أنيابها وامتدت أياديها لعدة أراضي تابعة للأهالي تم بسط سيطرتها عليها لحاجة الشركة لذلك وفرض مبالغ ضئيلة لاستئجار تلك الأراضي بدعم من شخصيات متنفذة تتعرض للأهالي بالتهديد والوعيد.
بل تجاوزت الشركة ذلك إلى أن تركت بقايا مواد كيماوية ونفايات ومخلفات أعمالها مكشوفة حول الآبار مع العلم أن المنطقة لم تعرف مرضًا فتاكًا كسرطان الدم إلا بعد عام 2004م عقب أعمال شركة مول للبترول وأعمال التنقيب عن النفط في المنطقة.
وبيّن سيناريو الخوف والرعب والهلع عاش الكثير من أهالي مناطق حضرموت في الضليعة وساه، بعد أن رصد نشطاء حقوقيون ومؤسسات مختصة في علاج أمراض السرطان تزايدًا متسارعًا في أعداد الإصابات بالمرض الخطير بسبب التعامل السيء من قبل الشركات لمخلفات أعمال التنقيب بحثًا عن الذهب الأسود دون أي اعتبار لحياة المواطنين ومطالباتهم في ظل غياب الرقابة من الدولة وموقف السلطات المحلية والأجهزة الأمنية المنحاز دائمًا لمصلحة تلك الشركات لحصول على مردود مادي
عبث يستمر وصمت حكومي جشع شركات الموت
وبعد 3 سنوات ظهر عبث شركة أخرى تسمى الكويت أندري جاءت لتضع أوزارها في منطقة يغر(قرص) في مديرية الضليعة للتنقيب عن النفط بعد أن عبثت قبلها شركة مول للتنقيب عن النفط دون حسيب ولا رقيب.
وذكر الشاب محسن أحمد باضان المتضرر بدرجه أولى من الشركة الجديدة لـ"العرب اليوم"، "غرست هذه الشركة أنيابها في أرضي دون أذن وفرض اتفاقية مجحفة للموافقة رغم الشكوى التي تقدمت بها للسلطات المحلية آنذاك لكن لا فائدة ومع هذا أنهت الشركة أعمالها ولم تمنحني بعض حقوقي المتأخرة وفي حال اعتراضي ومطالبتي بحقوق يتم احتجازي وسجني الأمر الذي دعاني للصمت".
وبدأ مسلسل الاستهتار بحياة الناس من قبل الشركة حين رصد الأهالي مخلفات نفطية أثناء وبعد عملية الحفر وأهملت وحين تقدم المواطنين بشكاوي قامت الشركة ببعض الإجراءات إلى حين حتى فوجئ الأهالي بمواد سوداء تطفح وتنتشر في الموقع حتى وصلت إلى إحدى المزارع أمام صمت السلطات المحلية التي كانت تتجاهل نداءات واستغاثات الأهالي على الدوام بحجة أنها تلقت توضيحات من الشركة بأن تلك المواد غير ضارة وغير سامة رغم أن الشركة أطلقت صفارات الإنذار حين شوهدت هذه المواد تنتشر في المنطقة.
ومع كل هذا العبث سجلت في هذه المنطقة والمناطق المجاورة حالات إصابة بأنواع مختلفة من السرطانات وفي مقدمتها سرطان الدم اللوكيميا.
عمليات قتل شنيعة
وزار "العرب اليوم" المنطقة والتقت أحد المسؤولين المحليين الذي طالب بعدم ذكر اسمه وأكد أن ما يتعرض له الأهالي من قبل الشركات هي حالات قتل شنيعة.
وقال المسؤول المحلي لاندري، ما هي الأسباب الحقيقية التي تدفع معظم الشركات النفطية التي تعمل في مجال الحفر والتنقيب عن النفط في بلادنا إلى أن تتعمد عدم الالتزام بالاتفاقيات المبرمة بينها وبين الحكومة اليمنية, ويبدو أن غياب هيبة الدولة وعدم وجود مسؤولين يعملون بنية صادقة وبروح المسؤولية من أجل مصالح المواطنين وما يحفظ أرواحهم وحقوقهم الآدمية، هو ما شجع هذه الشركات على التمادي في ممارساتها التي أودت بحياة العشرات إن لم نقل المئات من أبناء الضليعة وساه في محافظة حضرموت حي سجلت الكثير من حالات الإصابة بالسرطان متسائلا: لماذا لم تتخذ الحكومة الإجراءات اللازمة للحد من انتشار هذا المرض القاتل بعد الاعتراف بوجوده وتورط الشركات فيه ؟ وما هي السياسات التي تعمل بها الشركات النفطية في بلادنا رغم الشكاوى المثبتة ضدها لكن لا مجيب ولا حسيب.
ارتفاع متزايد للمرضى والوفيات
وذكر الدكتور وليد عبدالله البطاطي، أنه مع كل ذلك العبث والإهمال والاستهتار بحياة الإنسان تزايدت حالات الإصابة وارتفعت معدلات الوفاة من جراء انتشار أمراض خطيرة ناتجة عن مخلفات الحفر وأعمال التنقيب التي تقوم بها الشركات النفطية العاملة في منطقتي الضليعة وساه في محافظة حضرموت والتي نصنفها في مؤسسة حضرموت لمكافحة السرطان كأحد الأسباب الرئيسية للإصابة بهذا الداء الخطير نظرًا للارتفاع المتسارع في الحالات بعد وصول تلك الشركات النفطية سيئة الصيت والسمعة والتي لاتضع في أولوياتها إلا المال فقط والاهتمام بصحة الإنسان وحياته.
وأضاف ورغم تصاعد صراخ الأهالي بالشكاوى أن الشركات المنقبة عن النفط في مناطقهم تقوم بترك مخلفات حفرياتها مكشوفة وعرضة للشمس والأمطار مما تسبب في انتشار العديد من الأمراض الفتاكة بينهم وأهمها وأخطرها سرطان الدم "لوكيميا الدم الحادة" حسب تقارير طبية محلية وأجنبية وشبه المرض بالكارثة الإنسانية أو طاعون العصر الذي لازال يحصد الأرواح حيث توفيت حالات كثيرة جراء المرض، فيما البعض لازالت تخضع للعلاج فضلًا عن تزايد حالات الإصابة وانتشارها شهريًا ولم تقتصر الإصابة على الأهالي فحسب بل طالت الحيوانات والمواشي في المنطقة.
صمت الدولة وعجز السلطات المحلية ؟
وأضاف الناشط الحقوقي والإعلامي الشاب عبدالله باكرشوم أن أهالي مناطق "الضحايا" كانوا يعتقدون أنه بمجرد أشعار المسئولين بنبأ الكارثة سينطلقون لإنقاذهم ولذلك تعالت الصيحات والصرخات بتقديم المناشدات والمذكرات العديدة إلى المسئولين في محافظة حضرموت، مطالبين بإجراءات عاجلة لإنقاذهم ومحاسبة المتسببين في هذه الجريمة لكن مع الأسف لم يحدث شيء يذكر ولايجد الأهالي إلا الصمت والتجاهل
وحيث طالب الأهالي السلطة المحلية بالمحافظة بالإسراع في إرسال بعثة طبية لفحص المواطنين والتربة والمياه والمحاصيل الزراعية وتوفير الحماية والوقاية من تلك الأمراض ووضع الإجراءات اللازمة للحد من انتشار هذه السموم، وكذلك العمل على التخلص من النفايات السامة التي تركتها الشركات النفطية في المنطقة وشددوا على ضرورة محاسبة المتسببين في انتشار ذلك المرض القاتل ومحاكمة مرتكبي الجريمة التي تكاد تهلك الحرث والنسل ولكن أتضح للجميع أن المسئول الأول عن هذه الجريمة هي الحكومة التي تقدم تسهيلات لشركات الموت وتغض الطرف عن مخالفاتها فمن يحاسبها ؟.
المطالبة بحياة خالية من الأمراض
بعد أن ضاعت أحلام أهالي منطقة الضليعة في حضرموت في حياة هانئة بعد زيارة الشركات النفطية ولم يبق لهم إلا المرض والموت تبقى لأولئك الأهالي حلم بسيط يتمثل في حقهم في الحياة خالية من الأمراض لكنه كان حلمًا بعيد المنال في ظل جشع شركات الموت.
اعترافات دون عقاب أو ردع
السلطة اعترفت بوقوع الجريمة ولكنها لم تحاسب المجرمين ففي رسالة من وزير النفط السابق تفيد بصرف عشرة آلاف دولار للمصابين بهذا المرض مع أربع تذاكر سفر لهم ومرافقيهم لغرض العلاج لتضررهم بسبب التلوث البيئي الحاصل في المنطقة, وكذلك مخاطبة المحافظ والذي وجه بدوره مذكرة للمدير التنفيذي لشركة مول المجرية يطلب فيها من الشركة دفن هذه المخلفات, وبهذه الاعترافات الرسمية وهذه الأوامر والتوجيهات التي تؤكد علم السلطة ويقينهما بأن الكارثة قائمة ومتزايدة إذا بقيت المخلفات مكشوفة، ولكن هذه الأوامر لم تحترم ولم تنفذ .
مغالطات وتعتيم
ورغم اللجنة التي شكلت تحت الإلحاح المستمر من الأهالي تم أخذ عينات من بقايا الحفر ومن المياه الجوفية ـ كما تفيد رسالة مختبر الصحة بالمكلا إلى رئيس اللجنة الوطنية للطاقة الذرية ـ وأرسلت إلى العاصمة صنعاء لإجراء الفحوصات عليها من حيث التلوث الإشعاعي والعناصر الثقيلة ولكن لم يطلع أحد على نتائج الفحص وتم التعتيم عليها, غير أن نتائج الجريمة واضحة للعيان وتؤكدها التقارير الطبية عن حالات الإصابة والتي تعرض لها العديد من مواطني المنطقة.
وقد أكد الأهالي في رسالتهم إلى محافظ حضرموت بأن مجموعة من الأفراد قدموا إلى المنطقة وأخذوا عينات من التربة لفحصها لمعرفة مدى تلوثها لكن العينات أخذت من مكان بعيد عن موقع النفايات وبهذه الطريق المستهترة بحياة المواطنين تبقى الكارثة لتحصد أكبر عدد من الأرواح كما أن المقاول الذي كلف بدفن المواد طلبت الشركة منه شهادة انجاز من السلطة المحلية حتى يستلم مخصصاته المالية وبالفعل حصل على الشهادة فمن يحاسب هؤلاء ؟
ضحايا المرض
كل هذا العبث بلاشك خلف الكثير من المرضى من الأطفال والرجال والنساء فمنهم من غادر الحياة بعد صراع مرير مع المرض ومنعم من يصارع وهو يتحمل أعباءه المالية الكبيرة ومنهم من يرى طفله بين يديه يتوجع ولايستطيع تخفيف أوجاعه
وتابع الأخ صالح باكرشوم : "فقدت طفلتي التي تبلغ من العمر 14 عامًا والتي كنت أحلم وأطمح بأن تكون ربة بيت وتنجب أحفادًا لي، فيما غادر الحياة كلًا من علي أحمد بابدر وعلي سعيد بلملس وصالح عمر با صالح وسعيد علي بلحرك ومحمد سالم بلعجم وسالم عبدالله بابدر بسبب هذا المرض القاتل مخلفين ورآهم أسرًا وأيتام.
وفي الختام
يبقى في ختام هذا التحقيق أن نقول إن معاناة أهالي الضليعة وساه ستبقى مسجلة بقلم أسود في تاريخ هذه الحكومات التي تبين أن بعض وزرائها متواطئون مع تلك شركات الموت النفطية لتحقيق مكاسب مالية على حساب البسطاء والفقراء من المواطنين ويبقى ما تتعرض له الضليعة وساه وغيرها من مناطق الامتياز في حضرموت يؤكد بيت الشعر القائل كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ والماء فوق رؤوسها محمول وهي كذلك حضرموت لم تجد من الثروات التي في باطنها إلا استمرار الفقر وتزايد المرض وأصبحت أحلام الحضارمة بمستقبل واعد كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء !!.