الدوحه ـ قنا
للمرة الأولى ومنذ بداية ازمة اللاجئين والمهاجرين الى أوروبا، تخطى عدد الاطفال والنساء المتنقلين عبر أوروبا عدد البالغين الذكور، وفقا لتقديرات منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف"، التي أكدت أن الأطفال والنساء يشكلون الآن ما يقترب من 60 في المئة من اللاجئين والمهاجرين الذين يعبرون الحدود من اليونان إلى مقدونيا، ويمثل الاطفال حاليا 36 في المئة من الذين يخوضون رحلة البحر ليعبروا بين اليونان وتركيا.
وفي هذا السياق دعت المنظمة إلى تعزيز انظمة الحماية والصحة للأطفال المتنقلين.. مشيرة الى انه وعلى الرغم من ان العدد الدقيق للأطفال غير المصحوبين والمنفصلين ليس معروفا، سعى 35400 شخص الى اللجوء في السويد، معظمهم من الشباب الافغان، في حين أن هناك اكثر من 60 ألف فتى غير مصحوب من ذويه في المانيا، أكثرهم من سوريا ثم أفغانستان فالعراق.
ويؤشر ارتفاع نسبة الاطفال والنساء من المهاجرين وفقا لتحليلات اممية الى ان مزيدا من النساء والاطفال هم بشكل واضح أكثر عرضة للخطر في عرض البحر، وبالتالي فإنهم يحتاجون إلى الدعم على اليابسة، مما يستدعي تعزيز أنظمة الحماية والصحة، لاسيما وأن انظمة حماية الأطفال عبر أوروبا تعاني بشكل كبير، اذ تؤكد تلك التحليلات ضرورة وجود آلية فعالة تدعو إلى نظام يتعلق برعاية للأطفال المتنقلين الذين يجب حمايتهم في كل خطوة من طريقهم حتى وصولهم لنقطة استقرار مستهدفة.
ومنذ شهر يونيو من العام الماضي كان الرجال يشكلون حوالي 73 في المئة من تدفق الهجرة، يقابله ارتفاع كبير في أعداد الاطفال والنساء المتنقلين، وكانت نسبة الاطفال حينها واحدا من كل عشرة مهاجرين، لكنها الآن أكثر من ثلث جميع اللاجئين والمهاجرين.
وتأتي هذه الأرقام المنذرة بالخطر في وقت تعاني فيه أوروبا من اكبر ازمة هجرة عرفتها منذ الحرب العالمية الثانية مع فرار مئات الآلاف من الحرب والعنف والفقر مخاطرين بحياتهم للوصول إلى شواطئها طلبا للأمان، اذ تبلغ نسبة الاطفال المهاجرين من الذين يجازفون بعبور الممرات البحرية الخطرة بين اليونان وتركيا 36 بالمئة ، كما أنه وللمرة الأولى منذ بدء ازمة الهجرة في أوروبا، اصبح عدد الأطفال والنساء الذين يعبرون الحدود من اليونان إلى "غيفغليليا" في مقدونيا، يفوق عدد الرجال وفقا لـ "اليونيسيف" التي أكدت مصادرها خطورة تبعات هذه الزيادة في نسبة الأطفال والنساء المهاجرين، ما يعني أن عددا أكبر يواجهون الخطر في البحر، خاصة في فصل الشتاء، ويحتاجون بالتالي للمزيد من الحماية على الارض.
بدورها أكدت المنظمة الدولية للهجرة مؤخرا أن واحدا من بين كل خمسة أشخاص قضوا غرقا في المياه اثناء محاولتهم العبور من تركيا إلى اليونان في يناير الماضي، وكانوا من الاطفال، حيث غرق 60 طفلا من بين 272 شخصا، وبهذا يرتفع عدد الاطفال الذي غرقوا في المياه خلال الأشهر الخمسة الماضية الى أكثر من 330 وكان العديد منهم على بعد أمتار قليلة من الشاطئ ، كما قضى في العام المنصرم نحو اربعة آلاف شخص اثناء محاولتهم الوصول إلى اوروبا بحرا، وكان ديسمبر منه أسوأ شهر حيث توفي خلاله 82 طفلا تقل أعمارهم عن 18 عاما شرق المتوسط، معظمهم من الرضع.
ومما يزيد خطورة هجرة الاطفال أن عددا كبيرا منهم وصل الى أوروبا دون ذويهم الامر الذي يجعلهم عرضة للاستغلال من قبل عصابات تتاجر بالأطفال، وذلك كما أفادت العديد من التقارير ذات الصلة برواج هذه الظاهرة التي كانت من اسوأ نتاجات الهجرة عليهم، مشيرة الى أن نحو 62 الف مهاجر ولاجئ دخلوا أواخر العام الماضي الى أوروبا عبر اليونان، منهم 20 الفا كانوا من القاصرين وبدون رفقة أهلهم وغالبيتهم من سوريا وافغانستان والعراق، وسط تحذيرات من تعرضهم للاستغلال من قبل المهربين والمتاجرين بالبشر ما يعرضهم للضياع وللمصير المجهول.
ومن تداعيات الهجرة على الاطفال ما أوضحته نتائج دراسة اجرتها جامعة المانية على عينة من 100 من الاطفال اللاجئين السوريين، وصلوا لمدينة ميونيخ، حيث خلصت الدراسة إلى أن واحدا من بين كل 5 أطفال يعاني من "اضطراب ما بعد الصدمة "، بسبب مشاهد الحرب والتعذيب ورحلات الموت البحرية ، بينما يحاول نحو 30 بالمئة منهم مقاومة المشاكل العقلية الخطيرة، فضلا عن تعرضهم لأمراض الجهاز التنفسي بسبب العديد من العوامل ومنها الاختباء في الشاحنات، حيث يطلب من الطفل أن يكون هادئا، وألا يبكي رغم الخوف الذي يسيطر عليه، بجانب الهزال الذي يعانون منه وعدم تلقيهم التطعيم الوقائي اللازم، اضافة الى شعورهم بالعزلة والتمييز .
وتطرقت الدراسة ذاتها الى أن بقاء الأطفال في مراكز الاستقبال الاولية، يمثل مشكلة كبيرة، حيث ان الإقامة لأكثر من 200 يوم في سكن الايواء الاولي، قد تصيب الاطفال باضطرابات عقلية دائمة، ناصحة بضرورة تغييره ، وعرض الاطفال على مراكز العلاج النفسي المكثف، وتوفير خدمات المشورة لهم حال حدوث مشاكل .
وكانت "اليونيسف" اعلنت نهاية الشهر الماضي انها ستطلق نداء تطلب فيه 2.8 مليار دولار لتتمكن من الوصول لحوالي 43 مليون طفل يعيشون في حالات طوارئ إنسانية في مختلف أنحاء العالم ، ولأول مرة في التاريخ، سيخصص القسم الأكبر من المبلغ المطلوب " 25 بالمئة " لتعليم الاطفال في حالات الطوارئ ، اذ تخطط "اليونيسف" لزيادة اعداد الأطفال القادرين على الوصول للتعليم من الاطفال الذين يعيشون في حالات الطوارئ من 4.9 مليون في بداية 2015 إلى 8.2 مليون عام 2016 ، اكثر من نصفهم سيكونون من الأطفال السوريين في سوريا أو دول الجوار.
وفي هذا السياق قالت ادارة برامج الطوارئ في "اليونيسف" ان "ملايين الاطفال يحرمون من التعليم، مع ان التعليم هو احد التدابير الضرورية لإنقاذ الارواح، ويتيح لهم فرصة التعلم واللعب وسط مذابح البنادق والقنابل، ولذا سيخصص ربع ندائنا هذه السنة للتعليم ، فمن خلال تعليم اذهان الاطفال والشباب نبني آمالهم ليتمكنوا من تصور مستقبل افضل لهم ولأسرهم ولمجتمعاتهم، ولنساعد في كسر حلقة الازمة المزمنة".
وبهذا فقد تضاعفت قيمة نداء "اليونيسف" سنة 2016 عما كانت عليه في مثل هذا الوقت قبل ثلاث سنوات، فالمحركان الرئيسيان - النزاع والظروف الجوية القاسية - يدفعان اعدادا متزايدة من الاطفال لترك منازلهم، وتعرض الملايين الآخرين منهم لشح الطعام، ومستويات عالية من العنف والامراض والاذى إضافة إلى تهديد مسيرتهم التعليمية .
وتشير تقارير الى ان طفلا واحدا من كل 9 أطفال يعيش الآن في مناطق تسودها النزاعات ، وفي السنة الماضية، كان احتمال وفاة الأطفال الذين يعيشون في الدول والمناطق المتأثرة بالنزاعات اعلى بمرتين - لأسباب يمكن الحيلولة دونها- من اولئك الذين يعيشون في الدول الاخرى، كما ان التغير في المناخ يعد تهديدا متناميا، حيث يواجه ملايين الاطفال في مناطق معينة خطر التعرض للفيضانات، في الوقت الذي يعيش فيه ملايين من الاطفال في مناطق معرضة للجفاف بشكل كبير ، وسط ازدياد اعداد الاشخاص الذين يضطرون للفرار من ديارهم بسبب العنف وعدم الاستقرار، حيث استقبلت اوروبا وحدها اكثر من مليون لاجئ ومهاجر العام الماضي .
وبهذا فإن نداء "اليونيسف" للعمل الإنساني من اجل الأطفال لسنة 2016 يستهدف حوالي 76 مليون شخص في 63 دولة ، اذ سيتم تخصيص القسم الأكبر من المبلغ المطلوب في النداء وهو "1.16 مليار دولار أمريكي " للإغاثة الضرورية لإنقاذ الارواح في سوريا، واللاجئين السوريين في مصر والعراق والأردن ولبنان وتركيا، وتتضمن الاحتياجات الرئيسية مثل المياه والتحصينات والتعليم وحماية الطفل.
وكانت "اليونيسف" اوصلت المساعدات الإنسانية لملايين الاطفال في العام المنصرم، حيث أتاحت لحوالي 22.6 مليون شخص الوصول للمياه المأمونة، ولقحت 11.3 مليون طفل ضد الحصبة، وعالجت مليوني طفل من احد اشكال سوء التغذية، وقدمت لحوالي مليونين منهم الدعم النفسي الضروري،ومكنت 4 ملايين طفل من الوصول للتعليم الأساسي،ورغم ذلك فإن حوالي 24 مليون طفل من الأطفال الذين يعيشون في مناطق الأزمات لا يذهبون للمدرسة .
وتخشى "اليونيسف" من أنه وما لم يتم إعطاء الاولوية للتعليم في حالات الطوارئ، فإن جيلا كاملا من الاطفال الذين يعيشون في مناطق النزاع سيكبرون دون ان يكتسبوا المهارات التي يحتاجونها ليشاركوا في دولهم واقتصادهم، الامر الذي سيزيد وضع ملايين الاطفال سوءا، مع العلم ان التعليم لا يزال واحدا من القطاعات التي تعاني من اقل قدر من التمويل في نداءات تمويل اعمال الاغاثة الإنسانية ، حيث يعاني التعليم في اوغندا على سبيل المثال والتي توفر فيها " اليونيسف " خدمات للاجئين من جنوب السودان- من فجوة في التمويل تصل إلى 89 بالمئة .
ولا يخفى على أي متابع أو مراقب ما قد تتعرض له النساء المهاجرات أو اللاجئات بسبب النزاعات والحروب حيث أنهن معرضات بصورة خاصة للمخاطر، وذلك بسبب وضعهن الاجتماعي بالإضافة إلي جنسهن، فغالبا ما يكون عرضة للعنف والاعتداء الجنسي والاستغلال في سبيل الحصول على حق المرور أو الوصول إلى بلد اللجوء، كما أن هذا هو الوقت الذي قد ينفصل فيه أفراد الأسرة عن بعضهم البعض.
وكثيرا ما تجد النساء أنفسهن أمام مسؤوليات جديدة وكبيرة وقد يضطلعن بأدوار جديدة إضافية بوصفهن لاجئات، كإعالة أسرهن، وتلبية احتياجاتهم، فالرجال أو الأبناء من الذكور في تلك الأسر اما قد ينضمون إلى الجماعات المتحاربة أو يقعون في الأسر، او يفقدون او يموتون، فيما تواجه النساء مطالب جديدة في سبيل اعالة انفسهن واعالة اطفالهن وكبار السن من الاقارب، وتتزايد الاعباء الملقاة على عاتقهن مع تضاؤل فرصة الانتفاع بالخدمات،او الحصول على مصدر دخل، او الانتساب لعمل تجني منه قوت اليوم، وفضلا عن ذلك فإن الصراع وانهيار القانون والنظام في كثير من البلدان يجعل النساء والفتيات معرضات لتزايد خطر الاغتصاب.
وبناء على ذلك ولما كان من تداعيات اللجوء تعرض النساء والفتيات لسلسلة اوسع من مخاطر انتهاكات حقوق الإنسان، فإن المنظمات الدولية المعنية بهذا الشأن تدعو الى تأمين حماية اكبر للنساء بسبب تعرضهن للاستضعاف في كل مراحل اللجوء المختلفة، سواء في بلد المنشأ او في الطريق الى البلد المستهدف، او حين الوصول اليه ، كلها مراحل تكون فيها المرأة عرضة للاستغلال بسبب حاجتها للأمان والمأكل والملبس والنجاة بشكل عام ، الامر الذي يؤكد اهمية تسليط الضوء على الانتهاكات العديدة التي تتعرض لها المرأة اللاجئة او المهاجرة خلال المراحل المختلفة في رحلة الترحيل القسرية وذلك من اجل منع هذه الانتهاكات ووضع التدابير والإجراءات التي تضمن حفظ حقوقهن ، في الوقت التي تعلو فيه الاصوات لضمان امن ورعاية وحياة النساء والاطفال في ظل استمرار الازمات وعدم وجود حلول سلمية في الافق القريب للنزاعات في بلدانهم