دمشق - نور خوام
استطاعت القوات السورية أن تستعيد السيطرة على بلدة "القريتين" التي كانت واحدة من معاقل داعش في وسط سورية ، ولكن يبدو أن الأوان قد فات لوقف المتطرفين عن هدم دير قديم وكنيسة مسيحية.
ودمرت قوات "داعش" دير القديس اليان الذي يعود للقرن الخامس في أب/أغسطس عام 2015 باستخدام متفجرات والجرافات، وهي ذات الطريقة التي دمروا فيها الأضرحة والمباني الدينية الأخرى في أماكن أخرى.
وكانت بلدة القريتين" رمزا للتعايش السلمي بين المسيحيين والمسلمين، وتعتبر من المدن التي تمتلك مكانة في الدين المسيحي، واستطاع وفد من الصحفيين مع أعضاء من الحكومة السورية زيارة أطراف المدينة، والتي تقع على بعد 125 كيلومتر شمال شرق العاصمة دمشق، لأن خبراء الجيش مازالوا يعملون على تطهيرها من المتفجرات والألغام.
وتصاعد دخان أسود من الجانب الغربي للقرية حيث تتواصل الاشتباكات بالقرب من الساحة المركزية، والى جانب الدير دمرت بعض المباني السكنية والحكومية فيها، وخربت بعضها الأخر نتيجة للضربات المدفعية المباشرة وبعدها تعرض للكثير من النيران، وتكسرت أعمدة الكهرباء والكابلات وتمزقت، فيما قطعت الكثير من الأشجار.
وتقع "القريتين" في منتصف الطريق بين تدمر والعاصمة دمشق، وكانت مقرا لعدد كبير من المسيحيين قبل أن تسيطر عليها "داعش" في اب/اغسطس الماضي، ويصل عدد سكانها الى 40 ألف نسمة من المسلمين والمسيحيين، وكذلك الاف النازحين الذين فروا من المدينة القريبة من حمص.
وتعرضت البلدة لهجوم المتشددين فاضطر العديد من المسيحيين الى الهرب، واختطف المتطرفون أكثر من 200 نسمة أغلبهم من المسيحيين من سكان القرية، بما في ذلك الكاهن السوري القس جاك مراد الذي احتجزه المتطرفون لمدة ثلاثة أشهر.
وأطلق سراح بعض المسيحيين المختطفين خلال الثمانية أشهر التي سيطر فيها "داعش" على القرية بعد أن وقعوا على عريضة يتعهدوا بدفع الجزية، وبعد أيام من اعدام عالم الآثار المشهور في تدمر، نشر المسلحون صورا على وسائل الاعلام الاجتماعية لتدمير دير القديس اليان بالجرافات وعبثوا بمحتويات كنيسة قديمة بجوار دير مسيحي آشوري وتدنيس مقبرة مجاورة وكسر الصلبان وتحطيم الشواهد.
وفجر المسلحون أبواب ونوافذ الكنيسة واستخدموا هيكلها كمكان لتصنيع القنابل والشراك الخداعية، وتناثرت على أرضيتها قنابل الغاز والغلايات المعدنية وأواني القهوة والدلاء الزرقاء، وعثر على بقايا رفات القديس اليان وهو مسيحي من محافظة حمص قتل على يد الرومان لرفضه الكفر.
وصرح رئيس "دير الريان" الكاثوليك الأب جاك مراد " هذه هي رفاة القديس اليان." ونجا الأب جاك الذي يعيش في ايطاليا اليوم بأعجوبة من قبضة داعش في تشرين الثاني/أكتوبر عام 2012 بعد أن قضى 84 يوما في المدينة وواجه خطر الموت الوشيك لأنه رفض اعتناق الاسلام.
وتابع " انا حزين جدا وقررت الصمت لان في مواجهة كل ما يحدث، فالصمت هو الحل الأكثر ملائمة." وجرى ترميم الكنيسة في 9 أيلول/سبتمبر عام 2006 علي يد مسؤولين مسيحيين ومسلمين، حتى أتى مقاتلو "داعش" وعاثوا فساداً في أرجائها.
ودُمر جزء من الدير الذي يتكون من 16 غرفة جراء القصف، وعثر على بقايا أدوات المطبخ التي استخدمها مقاتلو "داعش" في المكان، وعثر أيضا على أكياس من بقايا عظام، ونقلا عن الاب مراد، فان مقاتلي "داعش" أشعلوا النيران في كنيستين أخريين في الأسبوع الأول من احتلالهم للقرية.
وعُثرت على احد الجدران الخارجية للكنيسة كتابة بالطلاء الأزرق لكلمات شاعر مصري معروف باسم شاعر الاسلام من القرن ال19 وتقول " لقد واجهناكم في معركة مثل الأسود الجائعة التي وجدت أن لحم أعدائها الألذ." ووقع باسم " أسود الخلافة".
وكتبوا على جدران أخرى بالطلاء " دائمة وتتوسع" وهو شعار "داعش" مع تاريخ 15 أب/أغسطس عام 2015، وأظهر جندي سوري للصحفيين بطاقة هوية تركها أحد المقاتلين ورائه مختومة بشعار داعش، وسيتحول الجيش السوري الى الشرق على الطريق بين تدمر ودير الزور قرب الحدود العراقية.