بغداد – نجلاء الطائي
تزايدت في العراق ظاهرة "التحرش الجنسي بالأطفال" وذلك في ظل التحولات الاجتماعية السريعة وانعدام الأمن وانتشار الفوضى وغياب دور القانون، ما يثير الحرج والحياء وتستفز الأعراف، الأمر الذي تنبذه المجتمعات المدنية بكل أشكالها، وقد كان المجتمع العراقي أكثر المجتمعات العربية والشرقية نبذا وأقلها تعاطيا لظاهرة "التحرش الجنسي بالأطفال"، كونه محافظًا متمسكًا بأعراف وتقاليد كان بالأمس القريب يحكي ويتفاخر بها، واليوم مع دخول شتى التقنيات والانفتاح على أفكار تكاد تدوس بعجلتها على ما تبقى من أصالة وحضارة عرف بها الإنسان العراقي.
وتفشت هذه الظاهرة في الشارع والمدرسة والدائرة والجامعة والبيوت، لذا كان من الأهمية بمكان الالتفات إلى خطورتها، ومعرفة أسبابها ومؤشرات انتشارها، وأسباب هذا الانتشار ونتائجه وطرق الحد منه وعلاجه لما يمثله من تهديد واختراق لهيكلية النظام الأخلاقي في المجتمع العراقي.
وبدأت هذه الظاهرة تجتاح عالمنا العربي بلا خجل، تقتل البراءة في الصغار وتغتال بلا رحمة ابتسامات الطفولة الجميلة، والأخطر من ذلك أن معدلات التحرش بالصغار ترتفع بين الأقارب، فلا عجب في أن يكون المتحرش هو الأب أو الأخ الأكبر أو الخال أو العم أو زوج الأم، في المقابل يقف الأهل مكتوفي الأيدي لا حول لهم ولا قوة، فكيف يلجؤون إلى الشرطة لرد حقوق أبنائهم الصغار، فالصمت أحيانًا يكون هو الحل الأمثل خوفًا من الفضيحة والعار.
وأجرت "العرب اليوم" استطلاعًا بسيطًا حول أكثر الأماكن خصوبة لهذه الظاهرة، وأظهرت النتائج أنها المدارس والأحياء الصناعية والشعبية والشوارع بعمومها حيث تنتشر "عمالة الأطفال" وهي في حد ذاتها تمثل خرقًا لمواثيق "حقوق الإنسان". ويجري التكتم على معظم حوادث التحرش، وقد تروى بتحفظ شديد لغرض حماية الضحية من نظرة المجتمع، باعتبارنا مجتمع شرقي محافظ، وبذلك يُترك "الجاني" بلا عقاب أو توبيخ ولا يجري فضحه في أغلب الأحيان، ولذا فقد يكرر فعلته لأن "من أمن العقاب أساء الأدب".
وذكرت مدرّسة في إحدى المدارس الابتدائية، رفضت ذكر اسمها في حديث مع "العرب اليوم" أنه "في إحدى مدارس بغداد قام أحد حراس المدرسة بالتحرش بطالبة في الصف الرابع الابتدائي في "حمامات المدرسة" حيث كان الدوام على وشك الانتهاء، ولم يتبقى سوى أعداد قليلة من الطالبات".
وتابعت المدرّسة "دخل الحارس إلى الحمام بحجة ما، فوجد هذه الطالبة تخرج فمسك يدها ودفعها إلى الداخل، وبدأت الطفلة تصرخ بشدة فسمع الحراس الآخرون صوت الطالبة، فركضوا إلى داخل الحمام، ووجدوا أن صديقهم يحاول التحرش بهذه الطالبة، فحاول أحدهم التستر على الموضوع، ولكن الآخر رفض هذا الأمر، وقام بتوصيل الطالبة إلى منزلها وأخبر أهلها بما حدث".
وأضافت "بعد ذلك حدثت الكثير من الأمور ما بين أهل الطالبة وأهل هذا الحارس، ولأسباب كثيرة جعل الصمت يخيم على أهل الفتاة، وفقط الإجراء الذي اتخذوه هو نقل ابنتهم إلى مدرسة أخرى، وبعد ذلك اتضحت الأمور بأن هذا الحارس ينتمي إلى إحدى المليشيات، فتم تهديد أهل الطالبة في حال البوح عن هذا الموضوع، فلم يكن أمامهم خيار آخر سوى الصمت خوفا على أفراد العائلة".
وبينت الموظفة أم حسين في حديث لـ "العرب اليوم "، أن "من أبشع القصص التي سمعتها في حياتها، قصة طفلة تبلغ من العمر (9 أعوام) والتي تم اغتصابها من قبل عمها الذي كان يبلغ من العمر (15 عاماً).
وتابعت "بينما كانت تجلس بمفردها في المنزل لكون والدتها موظفة ووالدها سائق تاكسي، وليس لديها أخوة، فقط أخوات أصغر منها سنًا، فجاء العم بحجة زيارتهم، وهو على علم بألا أحد في المنزل سواها، فدخل وبقي يحاول إغرائها، ومن ثم قام باغتصابها، ولكنني لم اسمع عن تفاصيل هذه القصة إلا أن في ذلك الوقت كانت الفضيحة كبيرة جدا".
وأشارت أم حسين إلى أنه "في هذه الحالة المجتمع سيحاسب هذه الطفلة المسكينة أم هذا الرجل "الأرعن"؟، وبالتالي لم تمر أيام على هذه الحادثة، حيث قامت الفتاة وأهلها بالتحول من المنطقة التي يسكنون فيها إلى منطقة أخرى، وانقطعت أخبارهم، ولم نعد نعلم ماذا حل بهذه الفتاة، وما إن تم رفع قضية على عمها أم لا؟".
وروت السيدة (ش .ش) التي هجّرت من بغداد بعد مقتل زوجها في أحداث الطائفية، "عبثا حاولت إجبار إبني (الصف الثاني الابتدائي) للمواظبة على الدوام في المدرسة الجديدة وذلك بعد فترة أقل من شهر على انتقالنا من بغداد، وبدأ ابني يفتعل شتى الأعذار ليتغيب من المدرسة، كان يبكي بحرارة ويتحمل الضرب والتوبيخ ويصر على مرافقته وانتظاره في باب الصف، وإذا لا أفعل كان يهرب من المدرسة ويذهب إلى مدرسة أخته المجاورة لمدرسته".
وأكملت "كانت شكوكي في البداية تحوم حول أسلوب المعلمة معه والتهرب من الواجب المدرسي، ولكن تبين أن المعلمة متعاطفة معه ولا تطلب منه غير الحضور في الصف، ورغم تدخل المدير وتعاونه لم يتغير ابني، حتى أصبحت مرافقًا دائمًا على مستوى المدرسة والمنطقة".
واستمرت "فشلت كل المحاولات والمغريات والهدايا لتشجيعه على الدوام، بل على العكس كان يتوسل كي أنقله إلى مدرسة أخرى مع أبناء أقاربنا، وحينما كنت أسأله عن الأسباب، وهل هناك أحد يضربه أو يضايقه، ينكر، حتى اكتشفت بالصدفة البحتة بأن تلميذين "من الصف السادس" كانا يتحرشان به بطريقة مبتذلة جدًا، وقد هدداه بالضرب وتصفية "أمه" فيما لو أخبرها، وقد صدّقهم صغيري المسكين، ولذا خاف من مصارحتي".
وتحدثت (ش. ش) عن معاناتها وشعورها بالحرج لمكاشفة مدير المدرسة بالأمر، حيث قام بضربهما وطردهما من المدرسة مع استدعاء أولياء أمورهما، وتبين أنهم من عوائل فقيرة، أحدهم ابن حارس المدرسة الذي يسكن في البناية ذاتها مع أسرته المكونة من ثمانية أبناء وأمهم في غرفة واحدة.
وتعتبِر (ش. ش) رد فعل الإدارة لم يكن بمستوى السلوك المنحرف والضرر النفسي الذي لحق بطفلها، ويبدو أن ذلك ليس بجديد ولا غريب، وتتساءل لماذا لم يعد للإدارة دورا فعالا في رصد وتوجيه السلوكيات الخاطئة كما في السابق؟
ويقول أبو سرمد لـ "العرب اليوم" وهو صاحب محل لتأجير الدراجات النارية "بحكم عملي لاحظت معظم حالات "التحرش بالأولاد" تبدأ من هنا، حيث يستغل المنحرفون حاجة الضحية ورغبته في ركوب الدراجة، وغالبا ما يكون "المنحرف" معرفا للضحية، كأن يكون من أهالي المنطقة جارا أو قريبا، يطمئن له الطفل ثم يتم استدراجه والإيقاع به شيئا فشيئا، لقد ضاع الأمان بضياع الضمير والقيم، وأنا بدوري وكواجب إنساني حذرت الأطفال ونبهت أسر الذين أعرفهم لمتابعة أبنائهم".
ويوضح المحامي علي الخزاعي في حديثه لـ "العرب اليوم" أن "في حالات الاعتداء على الأطفال من الممكن أن يتعرض المتهم لعقوبتين مشتركة "عقوبة حد، وعقوبة تعزيرية"، أما العقوبة الحدية فهي واضحة في الشرع بنص صريح، وأما العقوبة التعزيرية فترجع لاجتهادات القضاء وملابسات القضية".
وأضاف الخزاعي "إن كان المتهم متزوج واغتصب فمن الممكن أن يكون العقاب عقاب الزاني أو عقاب الحرابة وفق ملابسات القضية"، مبينا أنه يجب أن "يتم تشريع قانون للأخلاق، وأن يكون هذا القانون صارماً لهذه القضايا ولما دونها، كي يحمي الناس، فيتقدم على إثره كل من يتعرض لسوء فيما يتعلق بمجال الآداب وبموجب هذا القانون ببلاغ للقضاء والجهات المعنية لمجازاة الجاني".
وأكدت الباحثة الاجتماعية، نوال العبيدي في تصريح لـ "العرب اليوم" أنه "يجب البحث في المشكلة من جذورها الأولى للوصول إلى أسبابها الواضحة التراكمية، فالشخص الذي يتعرض للتحرش في الصغر يكره المجتمع ويحاول الانتقام في المستقبل بتكرار الفعل ذاته مع أطفال صغار، وهكذا تصبح لدينا دائرة غير منتهية من الأمراض النفسية والاجتماعية التي تتوغل في المجتمع".
وأردفت العبيدي أن "تواجد الطفل وحده بعيداً عن رقابة الأهل أو في مكان منفرداً يشجع المتحرش على النيل من فريسته لتهيؤ الظروف لهذا الفعل، وقد يحدث ذلك بالتهديد أو باتباع أسلوب الإغراء، حتى تسقط الفريسة في شباك المتحرش بسهولة، لذا على الأسرة أن تتفاعل مع الطفل وتفتح أبواب التفاهم معه كيلا يقع في هذه المشكلات".