طهران - مهدي موسوي
هددت دولة إيران المملكة العربية السعودية وآل سعود بـ "عواقب وخيمة"، وذلك بعد أن أعدمت السعودية رجل الدين الشيعي البارز نمر النمر، السبت، ما أثار الكثير من الإدانات الدولية والغضب الطائفي في المنطقة. حيث أعدمت الرياض نمر جنبًا إلى جنب مع 46 آخرين، من بينهم عشرات من أعضاء تنظيم "القاعدة"، في أكبر عملية إعدام جماعي في البلاد منذ ثلاثة عقود.
وتعد الرياض المنافس الاقليمي الرئيسي لإيران وحلفائها الشيعة، التي ردت على الفور بإدانة قوية، إذ هددت المملكة العربية السعودية وآل سعود بـ "عواقب وخيمة"، في احتجاجات وصلت مناطق بعيدة مثل الهند. واتهم المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية حسين جابر الأنصاري، الرياض بـ "النفاق"، مضيفًا أن "الحكومة السعودية تدعم الحركات الإرهابية والمتطرفين، ولكن تواجه المنتقدين في الداخل بالاضطهاد والإعدام".
ويعد النمر، القوة المحركة للاحتجاجات التي اندلعت عام 2011، في شرق المملكة، حيث تشكو الأقلية الشيعية من التهميش، وتم اعتقاله في تموز/يوليو 2012، ما أثار أيامًا من الاحتجاجات. وتظاهر مئات الشيعة في منطقة منزل النمر في القطيف احتجاجا على تنفيذ حكم الإعدام. وقال شهود عيان لوكالة "رويترز" للأنباء، إنهم هتفوا، "يسقط آل سعود" في إشارة إلى الأسرة الحاكمة في السعودية.
ووصف المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان، الإعدام بأنه "خطأ فادح"، فيما قال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، إنه سيكون لها تداعيات على الأمن الإقليمي. ورأى وزير الخارجية البريطاني في حكومة الظل هيلاري بن، أن الإعدام "خطأ جسيم"، كما عارضت وزارة الخارجية البريطانية الرسمية عقوبة الإعدام "تحت أي ظرف، وفي أي دولة". كما ووصف رجل الدين السعودي البارز، مفتي البلاد الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، عمليات الإعدام بأنها إعمال لـ"الرحمة" للسجناء، الذين ربما ارتكبوا هذه الجرائم، بما يتماشى مع الشريعة الإسلامية وضرورة الحفاظ على الأمن في المملكة.
وقال مسؤول في وزارة الخارجية الألمانية، إن تنفيذ حكم الإعدام في النمر يعزز "المخاوف النابعة من تزايد التوتر وتعميق الخلافات في المنطقة". ويتم تنفيذ الإعدام في 12 مدينة في السعودية في أربعة سجون باستخدام الرمي بالرصاص وقطع رؤوس الآخرين.
وشملت قائمة من نفذ بحقهم حكم الإعدام أشخاص من الطائفة السنية، أدينوا بالضلوع في هجمات لتنظيم "القاعدة"، كان قُتل فيها سعوديين وأجانب في المملكة خلال عامي 2003 و2004، من بينهم المتطرَف عادل الدحوبتي، الذي أدين بإطلاق الطلقات التي قتلت المصور الحر الذي يعمل مع هيئة الإذاعة البريطانية، سيمون قمبر، كما أصيب بشدة المراسل الأمني في الهيئة ذاتها، فرانك غاردنر بينما كانا يصوران قصة في عام 2004.
كما ضمت القائمة نمر سهاج آل بوجمي، الذي أدين بالمشاركة في هجوم على مجمع للنفط في منطقة الخبر، في نفس العام، التي قتل فيها 22 شخصا، من بينهم البريطاني مايكل هاميلتون. وأدلى القتلة، في وقت لاحق، إفادات بروايات مروعة عما ارتكبوه، بما في ذلك الدور الذي لعبه بوجمي شخصيا في قطع رقاب الأسرى.
وتعاطف الغالبية العظمى من الذين أعدموا لأسباب تتعلق بالتطرف مع تنظيم "القاعدة"، من بينهم رجل الدين البارز فارس الشويلي، الذي تعتبره السلطات السعودية تهديدا مساويا للشيخ نمر، لنشره التطرف بين الشباب السعودي، ومعظمهم من السنة.
وفسر غاردنر، خلال مقابلة صريحة مع صحيفة "صنداي تلغراف" بعد فترة وجيزة من الإدانة، إنه لا يمكنه مسامحته. مضيفًا، إن " الدحوبتي، غير نادم تماما، وقال إنه" لم يقل آسفا أبدا"، موضحًا أنه "لا يزال يعيش في نفس العقلية التي هاجموننا، لذا فإن مسألة مسامحته ليست في الحقيقة خيارا". حيث لم تشمل القائمة على النمر، ابن شقيق النمر، الذي أُلقي القبض عليه في سن 17، وتداولت مزاعم حول تعرضه للتعذيب خلال اعتقاله، الأمر الذي أثار إدانات جماعات حقوق الإنسان والولايات المتحدة.
وأعلنت كثير من الدول الحليفة للسعودية دعمها للرياض، ففي الإمارات، اعتبر وزير الخارجية الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية، إن عمليات الإعدام "رسالة واضحة ضد الإرهاب". كما دعمت البحرين، التي واجهت اضطرابات من سكانها الأغلبية الشيعية، الرياض في "كل رادع أو تدابير لازمة لمواجهة العنف والتطرف". واستخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع لتفريق مظاهرات صغيرة يدين تنفيذ أحكام الإعدام. وكانت هناك أيضا احتجاجات في باكستان وكشمير الهندية.
وقارن الزعيم الايراني الاعلى اية الله علي خامنئي، في تصريحات استفزازية نشرها على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، السعودية بتنظيم "داعش"، المشهور بتنفيذ عمليات الإعدام الجماعية. ونشرت وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية تغطية إعلامية تضمنت انتقادات من رجال الدين والمسؤولين العلمانيين، وتوقعت سقوط الأسرة الحاكمة في المملكة العربية السعودية. وأغلقت إغلاق المعاهد الدينية في إيران، الأحد، احتجاجا على إعدام النمر.
وذكرت مصادر بوجود مخاوف من استفزاز عمليات الإعدام لـمتشددي "القاعدة"، ما ينتج عنه تنفيذ هجمات انتقامية لأعضائهم، إذ هدد فرع الجماعة المتطرفة في اليمن، تنظيم "القاعدة" في شبه الجزيرة العربية، باستخدام العنف ضد قوات الأمن السعودية الشهر الماضي، إذا ما نفذت عمليات إعدام ضد أعضاء التنظيم.
ويسمح القانون السعودي المستند على الشريعة الإسلامية المتشددة بتنفيذ أحكام الإعدام كعقوبة في جرائم المخدرات والاغتصاب والقتل والسطو والمسلح، كما يتم تطبيق هذه العقوبة أحيانا في جرائم الزنا والردة والشعوذة أيضا. وانتقدت جماعات حقوقية كثيرا النظام السعودي لطبيعته الغامضة وعدم مراعاته القواعد القانونية.
وتعد المملكة من أبرز الدول التي تضم "جلادين" في العالم، كما أنها تحتل المرتبة الخامسة في أكثر دول العالم تنفيذا لعقوبة الإعدام، إذ أعلنت السعودية مؤخرا عن ثمانية جلادين جدد للتعامل مع تصاعد هذه الأعمال. حيث قالت مديرة قسم الشرق الأوسط في المنظمة "هيومن رايتس ووتش" سارة ليا ويتسن، إن "سجل حقوق الإنسان مثير للقلق في السعودية"، وإنه تم إدانة نمر في محاكمة "غير عادلة" التجربة، وإن إعدامه "يزيد الفتنة الطائفية القائمة والاضطرابات".
وبيَن شقيق رجل الدين محمد النمر، أنه يأمل أن يجد أي رد سلمي، ووصف النمر، بأنه "كان رجل دين متواضع، عاش حياة بسيطة، مما يجعله جذابا لكثير من الشبان". واعتبر أن إعدامه "سيثير غضب الشباب (الشيعة)" في المملكة، داعيا بدلا من ذلك إلى "حركة احتجاج سلمية".
يشار إلى أن عمليات الإعدام تأتي في السعودية في مطلع عام 2016، فيما يعد تأكيدا لما ترصده جماعات مراقبة لعقوبة الإعدام، التي تزعم أن عمليات قطع الرؤوس، بلغت أعلى مستوى لها في المملكة خلال عقدين. وتم إعدام 157 شخصًا على الأقل خلال العام الماضي، ما يعد زيادة كبيرة مقارنة بمقتل 90 شخصا في عام 2014.