بغداد - نجلاء الطائي
لا تختلف أحلام أطفال العراق عن أحلام أطفال جميع دول العالم، أحلامهم بسيطة إلا أنها صعبة التحقق، في ظل بلد ما مر عام إلا وفيه موت وحرب وأصوات مدافع وزئير طائرات دمرت منازلهم، ودمرت معها تلك الأحلام البريئة.
ولا يتجاوز عمر الطفل حيدر السنوات السبعة، إلا أن كلامه يفوق سنين عمره، يبيع (اللبان والكلنكس) في شارع الأمام الأعظم في منطقة الأعظمية شمال العاصمة بغداد، اختصر أحلام أقرانه العراقيين بالقول:"نريد أن نفرح ونلهو ونلعب ونغني ونشاهد ونذهب إلى الحدائق"، متسائلًا: "أليس من حقنا أن نحلم بهذا؟"
ومع اختصار حيدر احلام اطفال العراق بهذه الكلمات البريئة، اختصرت المنظمة العالمة للطفولة "اليونسيف" وصف اطفال العراق ، بالقول "مشردون وخائفون وبائسون - هذا هو حال كثير من الأطفال النازحين من جراء العنف الدائر في العراق".
وأعلن المشرف التربوي قصي الزيدي،لـ"العرب اليوم" "الطفل العراقي دفع ويدفع ثمنا غاليا لاخطاء السياسيين الذين توالوا على حكم العراق، بدءا من حرب الخليج الاولى والثانية، واستمرارا لمشاهد القتل والعنف اليومي الذي يمر في بلاده".
وأوضح،"الطفل العراقي يختلف عن اطفال العالم بان مشاهد القتل اليومي يشاهدها فيرسم في مخيلته الغضة صورا لها؛ لتبقى مخزونة في ذاكرته الى امد طويل". فهو بحسب الزيدي،"تراه لا يحب اللعب الا بلعب العنف والدمار والقتل، ولايطلب من والديه هدية الا ان تكون مسدس او رشاشة او طيارة ودبابة".
وأكد، "إن أخطر آثار الحروب على الأطفال ليس ما يَظهر منهم وقتَ الحرب، بل ما يظهر لاحقًا في اجيال مقبلة ممَّن ينجَوا من الحرب، وهم يحملوا معهم مشكلات نفسية لا حصر لها، تتوقف خطورتها على قدرة الأهل على مساعدة أطفالهم في تجاوز مشاهد الحرب واثارها".
وأكد المشرف التربوي قصي الزيدي، ان "اغلب العوائل العراقية ترى بالطفل انه قليل الادراك غير واعٍ بما يدور حوله وهذا خطأ كبير لدى الكثير من العوائل، وهذا نتاج عدم وعي الآباء والأمهات، بأهمية الطفولة في المجتمع وتأثيرها المستقبلي".
وشددت الناشطة المدنية عهود الفلاحي لـ"العرب اليوم" على أن "الطفل العراقي محروم من ان يعيش ظروف طبيعية كالظروف التي يعيشها اقرانه في دول العالم"، مشيرة الى انهم "يودون العيش في ظل احلام صغيرة كانت او كبيرة، وينتظرون تحقيقها في سنوات لاحقة من عمرهم".
وأضحت، أن "أطفال العراق بعد الاحتلال الاميركي لبلادهم عام 2003 شاهدوا مشاهد حرب وعنف لم يشاهدها اقرانهم في دول العالم، وهي مشاهد حية في منازلهم أحيانا وفي الشوارع العامة أحيانا أخرى"، مستدركة بالقول: "هذا لايعني انهم كانوا اوفر حظا قبل 2003 وما عانوه من حروب الثمانينيات، والقصف المتواصل من الطائرات الاميركية على العراق، فضلا عن سنوات الحصار الذي حرمهم حتى من الغذاء والدواء، وقتل منهم الكثير بسبب عدم توفر الدواء، الا ان السنوات التي تلت الاحتلال كانت الاكثر عدوانية وشراسة، فضلا عن تعرضهم للقتل وتهديم منازلهم، والنزوح القسري الى مناطق اخرى".
وأعلنت الفلاحي، وهي أيضا ماجستير في علم نفس الاطفال، أن "ما تعرض له العراق من الصراعات الطائفية والسياسية لا ينتج عنها تدمير المنازل والنزوح ومشاهد القتل فحسب، بل هي تحطيم النفوس، وأفسدت وتفسد اجيالًا لاحقة بكاملها".
وتساءلت "ومع هذا الضياع وفقدان براءة الاطفال والقيم الجمالية في اعينهم وهم يشاهدون مجازر مرعبة في فنون القتل،كم من السنين نحتاج لنرتقي بالطفل العراقي الى ما نتمناه كغيره من اطفال دول العالم،كم من بحث علمي لدراسة نفس الطفل العراقي في ظل واقع يزداد يوما بعد يوم تعقيدا؟"
وأوضحت: كنت في حاجة لبحث معمق عن نفسية الطفل العراقي ، وصعقت حقا حين وجدت ان "غالب التلاميذ في المرحلة الابتدائية "لا يميلون إلى الألعاب السلمية، وإنما يفضل أحدهم أن يلعب أدوار العنف أو يرسم صوراً تمثل الحرب والدمار والقتل، بدلا من ان يرسم شجرة وعصفوراً ونخلة".
واختتمت القول: "الطفل العراقي ضحية المجتمع ضحية سياسيين دمروا العباد قبل البلاد، دمروا براءة الاطفال، وحرموهم من ابائهم واخوانهم".
وأكد ممثل "اليونسيف" في العراق مارزيو بابيل، في 27 حزيران/يونيو 2014 ، خلال زيارة الى (تل كيف، وهي بلدة تقع على بعد كيلومترات عدة شمالي الموصل": "إن الأسر النازحة التي التقيت بها تحكي القصة نفسها عن الخوف وعدم اليقين. كان الرعب واضحاً على الأطفال. وكان الأشخاص الذين عاشوا أصعب السنوات في العراق يعيشون كوابيس كانوا يعتقدون أنهم لن يمروا بها مرة أخرى. وقال كثيرون إن المعارك والتقارير الواردة عن عمليات الخطف والإعدامات الفجائية دفعتهم للفرار".
وتشير إحصاءات وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي، إلى أن عدد الأطفال الأيتام في العراق بلغ قرابة أربعة ملايين ونصف المليون طفل بينهم 500 ألف طفل مشرد في الشوارع.
وأوضح الطفل حسام الدليمي، عمره تسع سنين، وهو يشارك والده في كشك صغير لبيع الشاي في الشارع المؤدي الى وزارة الثقافة العراقية في منطقة العلاوي وسط بغداد، "تركت الدراسة بعد نزوحنا من الرمادي منذ عام تقريبا لاساعد والدي في البيع، حيث قتل اثنان من اخواني، واصيب والدي بعد سقوط قذيفة هاون على منزلنا"، مضيفا وهو يتحسر "كنا نسكن في منزل جميل ووالدي موظفا في الصحة ونلعب ونقرأ من اصدقائنا في المنطقة ولا اعرف عنهم الان شيئا لان كل منا نزح الى مناطق مختلفة من العراق".
وعن سؤاله ماذا تتمنى الان، قال: "اتحسر للعودة الى الرمادي لاعود الى مقاعد الدراسة، واشارك اقراني اللعب واللهو والدراسة، ولكنني لا ارى ان ذلك سيتحقق".
أما نزار وهو بعمر العشر سنوات ، يتيم يسكن في دار صغير مع عائلته بعد نزوحها من الموصل عقب سيطرة متطرفي "داعش" على المدينة، "قتل داعش والدي لانه كان من عناصر الامن في المدينة، وطلب خالي منا النزوح الى بغداد واستاجر لمنا دارا قريبا من منزله في الاعظيمة، وعلى الرغم من ان خالي يشارك في دفع ايجار المنزل الا انني اتفقت مع والدتي على ان اعمل عاملا في محل نجارة لاساعد اهلي في مصروف العائلة، ومساعدة اخي الصغير واخواتي لتكملة الدراسة".
ولدى سؤاله ماذا تتمنى، قال: "يصعب تحقيق امنيتي"، اغرقت عيناه بالدمع واضاف "اتمنى ان انام في احضان والدي، فهو كان لاينام الا بعد ان يطمأن علينا ومن دراستنا"، وتابع "فقدت حنان الوالد وانا في هذا العمر الصغير، وحرمنا من توجيهاته لنا".