كراكاس - مارك سعادة
كشف الزعيم السادي لواحدة من عصابات الخطف الأكثر رعبا في فنزويلا تفاصيل مروعة عن كيفية مطاردته ضحاياه وقتل من لا يدفعون الفدية، وأن لديه شبكة من الضباط الفاسدين الذين هم جزء لا يتجزأ من الشرطة.
وخلال مقابلة تقشعر لها الأبدان في الأحياء الفقيرة التي ينعدم فيها القانون في غرب كراكاس أوضح زعيم العصابة أنه لا يشعر بأي ندم بسبب سيطرته الإرهابية على المدينة المنكوبة، و"إذا لم يدفعوا بعد أسبوع نحفر حفرة عمقها مترين ونطلق النار عليهم في الوجه حتى لا يتعرف أحد على الجثة، ويظلوا في قائمة المفقودين إلى الأبد، وفي هذه المدينة أنا المسؤول".
وارتفعت معدلات الخطف في الدولة الاشتراكية منذ أن تسبب انخفاض أسعار النفط في نقص واسع النطاق في المواد الغذائية، وتعاني قوات الشرطة في مكافحة موجة الجريمة التي جعلت البلاد تركع على ركبتيها، وتعد كاراكاس المدينة الأكثر خطورة على وجه الأرض، ولديها أعلى معدل جرائم قتل في العالم مع وجود 3946 جريمة قتل في العام الماضي وحده في المدينة التي يبلغ تعداد سكانها 3.3 مليون شخصا. وأوضحت بيانات الشرطة أن 85% من الوفيات في المدينة بسبب العنف، واعترفت الشرطة علنا أنها لا تستطيع التعامل مع إحدى عصابات الخطف الأخطر في العالم، وأفاد سانتياغو روزاس مدير شرطة البلدية "إل هاتيلو" لجريدة ديلي ميل أن الشرطة يمكنها فقط حماية 9% من السكان.
وتفاخر زعيم العصابة (23 عاما) بقدرته على الاستفادة من فقر الناس حتى أنهم يبحثون عن الطعام في مقالب القمامة، وهو جالسا في الظل ووجهه مغطى بقناع "لا أشعر بأي ندم لأن من نخطفهم لديهم الكثير من المال، وعادة ما نحصل على المعلومات من شخص لديه ضغينة من شخص آخر؛ فيخبرنا أن لديه المال ويخبرنا عن تحركاته، ونحن نعرف الكثير من الحراس الشخصيين، وعندما لا يتم الدفع لهم بشكل كاف يعطوننا المعلومات التي نحتاجها لخطف صاحب العمل الغني لديهم ونعطي لهم جزءا من المال".
وأشار مدير الشرطة إلى أن العصابة ذكية وتركز على الاحتفاظ بالضحايا لفترات طويلة باعتبارها واحدة من أخطر عصابات الجريمة في كراكاس، وتنفذ معظم عمليات الخطف من قبل مُشغلين في وقت قصير لا تستغرق عملية الخطف أكثر من 24 ساعة، ويزعم رئيس العصابة أن لديه 300 عضو، ويقول ضابط الشرطة إن كان لدى العصابة 150 فردا فقط فهذا هو حجم قوة شرطة البلدية، وأعرب روزاس عن خطورة الوضع حتى أن الشرطة أصبحت قادرة فقط على حماية 9% من الشعب، وهناك 5 آلاف جريمة قتل في العاصمة العام الماضي، وزادت أسعار الفدية منذ بداية الانهيار الاقتصادي في بلد يبلغ متوسط الأجر فيه 14 جنيها إسترلينيا، ونُفذت أول عملية خطف بواسطة العصابة منذ 5 سنوات بفدية قدرها 117 جنيها إسترلينيا، وفي هذه الأيام بلغت الفدية 11.700 جنيه إسترليني على الأقل. وتضم العصابة المسماة بـ"ملوك المدينة" عملاء ومخبرين في جميع مناحي الحياة، بما في ذلك الجيش والشرطة، وتعد فنزويلا تاسع دولة أكثر فسادا في العالم وفقا لمنظمة الشفافية الدولية.
وتابع زعيم العصابة "هناك الكثير من المنافسة في مجال الخطف، فهناك رجال شرطة يفعلونها أيضا، وهناك نوعين من الشرطة منهم الأذكياء الذين يعرفون أن جعلنا أعداءهم ليس ذكاء وهناك الأغبياء الذين يحصلون على قنابل يدوية من خلال النوافذ، الأذكياء منهم يعطوننا أسلحة ورصاص ودروع واقية للبدن، ولدنيا أناس يعملون من أجلنا في شرطة البلدية والشرطة الوطنية والجيش ويجعلوننا مجهزين جيدا، ولدينا أسلحة أفضل بكثير من الشرطة، ولدنيا 4 منازل في هذه المنطقة وهي ترسانات لللأسلحة والمتفجرات".
ويعد هذا المشهد المروع مألوفا لدى شرطة البلدية فقد أوقف 41 ضابطا على مدى عامين في حملة على الفساد بتهمة الخطف والسرقة والقتل. وأضاف روزاس "الوضع كما قال بالضبط لديهم أفضل الأسلحة ونأمل ألا يكون لدينا الكثير من رجال الشرطة الأذكياء في بلديتنا، لكنه أمر خطير بمكان لتكون شرطيا نزيها"، وعند مراجعة ترسانة شرطة البلدية قبل عامين وجدت 20 بندقية و1000 رصاصة في عداد المفقودين، وغالبا وصلت إلى المجرمين. وفي علامة على مدى سوء الأمور العام الماضي عندما اتصلت امرأة بالشرطة بعد رؤية الباب الأمامي لمنزلها مفتوحا؛ قام 6 من ضباط الشرطة الذين حضروا للمشهد بسرقة منزلها بأنفسهم، ولدى الشرطة أخطر الوظائف في فنزويلا ما يجعل التوظيف صعبا، ويتقاضى الضابط فقط 11 جنيها إسترلينيا شهريا ما يعني أنهم مضطرون للعيش جنبا إلى جنب مع أعدائهم في الأحياء الفقيرة التي تنتشر فيها العصابات الإجرامية.
ويعد قتل شرطيا في عالم الجريمة شرطا للترقية لمكانة أعلى في العصابة، وفي عام 2015 قُتل 173 شرطيا في العاصمة، وقُتل في هذا العام 64 شرطيا حتى الآن؛ ما يعني زيادة عدد القتلى بنسبة 14% منذ حدوث الأزمة الاقتصادية، وتعرض في العام الماضي واحد من شرطة البلدية إلى كمين في منزله، وأطلق الرصاص على وجهه 14 مرة و12 مرة على جسده أمام زوجته وطفليه، وتتشابك الجريمة مع الحياة العادية في كراكاس. وأثناء إجراء المقابلة مع زعيم العصابة تحت تهديد السلاح كان الناس يمرون في الشوارع ذاهبين لأعمالهم والأطفال يلعبون أمام المنازل الفقيرة المطلية بالألوان الزاهية، وادعى زعيم العصابة أن عصابته تقتل العديد من الناس شهريا وتنفذ أسبوعيا عمليات خطف، وأنهم لا يفرقون بين الرجال والنساء أو كبار السن عندما يتعلق الأمر بالخطف، حتى أنهم يخطفون الأطفال إذا كانوا يجلبون المال. موضحا أنهم يبحثون عن خطف يجلب لهم صافي ربح 23.500 ألف إسترليني.
وأضاف زعيم العصابة "الخميس الماضي اختطفنا مديرة مدرسة لأن أحد طلابها أخبرنا أن لديها الكثير من المال، وطلبنا 12 ألف جنيه إسترليني فدية، ودفعت عائلتها خلال 7 ساعات وتم الأمر على نحو سلس للغاية وكان عملا جيدا"، وأوضح زعيم العصابة أنه تم الخطف بالقرب من فندق في منطقية تجارية في كراكاس، وزعمت العصابة أنها تدير عملا مزدهرا لتهريب المخدرات، وتفاخر الزعيم قائلا "أحيانا نقتل الضحايا إذا أغضبونا، وأحيانا أطلق النار على شخص ما لأنه توسل كثيرا من أجل حياته ولم يكن لديه أي شجاعة لذلك أطلقت النار عليه"، وأفاد زعيم العصابة أنه قتل ما يصل إلى 20 شخصا بيديه وتباهي بأنه أمر بإعدام المئات.
وشرح زعيم العصابة كيف تتم عملية الخطف. مشيرا إلى أن فريقا من مراقبي العصابة يتسكعون في الشوارع ويقضون أسابيع في جمع المعلومات عن الأشخاص الأثرياء في روتين يومي ثابت، ثم يتتبع فريقم من 4 رجال سيارة الضحية ويقودون أمامه على الطريق بدلا من القيادة خلفه، ويكونون بالفعل على علم بتحركاته، وعندما تكون الشوارع خالية نسبيا يتوقفون أمام سيارة الضحية ويضعونه في سيارتهم الخاصة ويتركون سيارته فارغة. متابعا "عندما نصل به إلى مكاننا في الأحياء الفقيرة نعاملهم كما نعاملك اليوم، ونجبرهم على خفض رؤوسهم ونجعلهم يجلسون على مقاعد معدنية، وتكون وجوهنا دائما مغطاة، وإذا قاوموا نطلق النار على أرجلهم، ولا نهتم بتعذيبهم أو قطع أذنهم وإرسالها إلى عائلاتهم كما نرى في الأفلام، ولكن إذا لم يدفعوا أو لم يتعاونوا فنحن نقتلهم وفقط". ويعد العديد من أفراد العصابة من المراهقين وبعضهم لا يتجاوز عمره 10 سنوات.
وأوضح مدير شرطة البلدية أن المجرمين يصبحون أكثر جرأة عند إحباط الشرطة من خلال الإفلات من العقاب، وأطلق سراح نحو 92 - 97% من المشبوهين المعتلقين مع أدلة إدانة دامغة بواسطة نظام العدالة المليئ بالفساد والمحسوبية، و"هذه هي عدالة فنزويلا، إنها واحدة من أكبر المشاكل التي نواجهها"، ويشعر رجال الشرطة بهذه الإحباطات شخصيا على خط الجبهة، وفي نيسان/ أبريل الماضي اعتقل رجال الشرطة واحدا من رجال العصابة على دراجة نارية، الذي أطلق النار على شخص حتى الموت، لكن أُطلق سراح المشتبه فيه بعد السجن لمدة شهرين عقب دفع رشوة، وما يجعل الوضع أكثر سوءا هو إدارة سجون فنزويلا من قبل السجناء أنفسهم، في ما تحتوي عليهم السلطات في الداخل وفقط، فهم يحصلون على السلاح والمخدرات؛ ما يجعل السجن بمثابة حاضنات للعنف.
وتعد فنزويلا الدولة الأكثر تسليحا على وجه الأرض مع وجود سلاح واحد لكل شخصين، ويتم تسليم معظم الأسلحة النارية إلى المدنيين سواء رسميا أو غير رسميا من السلطات، وأمر الحاكم الفنزويلي الشهير هوغو شافيز الذي توفي عام 2013 بإنشاء ميليشيات مدنية مسلحة للنزول إلى الشوارع والدفاع عن العقيدة الاشتراكية في وقت الأزمات؛ ما جعل امتلاك السلاح على نطاق واسع في البلاد وأسهم في رفع معدل جرائم القتل. ويقيم قسم شرطة روزاس في جزء من كراكاس يديره ساسة المعارضة الذين يمنحونه حق التحدث بحرية، لكنه أوضح أن الحكومة تحاول بشكل متزايد إخضاع قوات الشرطة المستقلة لسيطرتها، ويعتقد روزاس أن الحكومة هي السبب الرئيسي للأزمة الأمنية في فنزويلا.
وأفاد روزاس أن الشرطة سعت إلى تخفيف الاحتكاك بين الشرطة والمجرمين عام 2014 من خلال إعلان مناطق السلام في جميع أنحاء البلاد؛ حيث لا يُسمح للشرطة بالدخول، واتحدت بعد ذلك العصابات المحلية لتكوين تحالف أكبر وسيطرت على مناطق كاملة تتراوح بين بضعة كتل من المباني إلى مدينة صغيرة، وهناك 4 مناطق سلام في كراكاس وحدها تمتد لـ6 أميال مربعة، ويُسمح للضباط فقط بجمع الجثث. متابعا "لقد كان ذلك قرارا مجنونا في البلاد"، وتنتشر الجريمة بشكل كبير في فنزويلا حتى أنه يتم استدراج الأطفال في سن مبكرة، وأوضح زعيم العصابة نفسه أنه بدأ بيع المخدرات في الشوارع وسرقة المتاجر في سن 13 عاما بعد سوء معاملته في المنزل، لقد تخصص في سرقة السيارات والسطو المسلح والقتل قبل استخدام المال الذي جمعه لتجنيد بلطجية آخرين وتكوين عصابته الخاصة.
وزعم رئيس العصابة أن أول ضحاياه كان رجلا حاول منعه من سرقة متجر، مضيفا "أطلقت عليه النار بمسدس في المعدة واكتشفت بعدها أنه مات، وشعرت بالغضب والخوف من الشرطة لكني كنت أعرف أنه يستحق ذلك، لقد كان أكبر مني ولم يكن ينبغي له محاولة منعي". موضحا أنه يقوم بالقليل من الجهد هذه الأيام لتنظيف مسرح الجريمة لأنه يعلم أن الشرطة لن تحقق معه على أي حال. مضيفا "يجعلني هذا أشعر بالقوة، أنا أفضل من الناس الذين يعملون مقابل 14 جنيها إسترلينيا شهريا، لقد حصلت على الاحترام لكوني ذكيا ووحشيا، وإذا تخطاني أي شخص أقتله أمام الجميع حتى يعرفوا في هذه المدينة أنني المسؤول".