بغداد – نجلاء الطائي
عزت جهات حكومية مختصة، تزايد أعداد المتسولين في أنحاء العاصمة بغداد واتساع تلك الظاهرة إلى تدني مستوى خط الفقر وعدم تصويت العراق على بروتوكول حماية الطفل، واكدوا أن جهاز الإحصاء المركزي لا يملك قاعدة بيانات بشأن أعدادهم، لافتين إلى أن الإجراءات القضائية واطلاق سراح الكثير من المتسولين بـ"كفالة شخصية"، أسهمت في نمو وتفاقم تلك الظواهر.
وأكد مدير أحداث بغداد، العقيد عدنان حمود، أنه "بالرغم من الجهود التي تبذلها القوات الأمنية للحد من الظاهرة لكننا نصطدم بالقضاء دائما الذي يقوم بإطلاق سراح المتسول بكفالة"، ووصفت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ظاهرة التسول بـ "الخطيرة"، مشيرة إلى أنها تحتاج إلى جهود الدولة والمجتمع لمواجهتها، وفيما كشفت عن افتتاح قسم معني بالتسول وتقديم مقترحات لتعديل قانون الرعاية الاجتماعية، دعت إلى إيجاد إجراءات قضائية للحد من هذه الظاهرة.
وكشفت إحدى المتسولات العراقيات لـ "العرب اليوم" أن "الأماكن على الطرق أصبحت ملكا لهذه المجموعة من المتسولين أو تلك، وهناك مافيات موجودة في أحد فنادق البتاوين تدير عملية توزيع المتسولين في بغداد، حاولنا الوصول إلى الفندق لكن جوبهنا بتعتيم حتى من مفارز الشرطة المتواجدة هناك".
*فندق لعوائل الظاهرة
وأوضح سائق سيارة الأجرة عدنان النعيمي أن "العديد من المتسولين والمتسولات ينتمون إلى مجموعات ولكل مجموعة قائد يشرف على المجموعة، يقوم بجمع المال بعد نهاية يوم عملهم بالتسول وتوزيع الوراد عليهم"، مشيرًا إلى "أنهم يقومون بتأجير بعض الأطفال المعوقين أو المشوهين من بعض العوائل مقابل (15) الف ديناراً لكل طفل ،وما يدفع تلك العوائل المحترمة هو العوز المادي وأحيانا الطمع، حيث أن أغلب المتسولات اللواتي نراهنّ في الشارع هن من النازحين الذين كانوا يسكنون مناطق الساخنة النزوح دفع تلك العوائل إلى ممارسة مهنة التسول بإشراف أولياء أمور تلك العوائل الذين يقومون بتوزيعهن على الساحات والتقاطعات صباحا ثم يصحبونهن عند المساء إلى اماكن سكناهم الخيم او الفندق الذي يقيمون فيه بعد ان يقوموا بتسوق طعام العشاء والفطور من احد محال الأغذية الموجودة في البتاوين، النعيمي الذي رافقهن في رحلة العودة أوضح بأنهن نزلن من العجلة في شارع السعدون ورفضن أن أوصلهن خشية أن أعرف مكانه لكونه والكلام للسائق يضم العديد من العوائل المتسولة".
*حكاية متسوّلة سوريّة
ورفض غالبية المتسولين الحديث عن مهنتهم، باستثناء لاجئة سورية أكدت أن اسمها أم لميس وهي مقيمة في احد الفنادق مع عائلتها التي نزلت معها بأفرادها الأربعة "صبي وثلاث بنات"، مشيرة إلى أنها "جاءت إلى بغداد عن طريق كردستان هاربة من الشتاء القارس الذي عاشه مخيم دوميز في دهوك"، ومبيّنة أنها "أرملة وزوجها قتل أثناء الحرب الحاصلة الآن في سورية ،وكان يعمل مدرّسًا، أما هي فكانت تعمل في إحدى دوائر التربية" وعن واردها اليومي وتعامل العراقيين معها أفادت أن "الجميع يتعاطف معنا لكن نتعرض للاضطهاد من قبل المتسولين العراقيين ،وأحيانا يقومون بضربنا وتهديدنا لكنها أثنت على دوريات الشرطة التي تقوم بحمايتهم من بطش المتسولات والمتسولين العراقيين، الذين قاموا بضرب ولدها فائز مما أدى إلى جرحه في الوجه" متمنية أن تستقر الأوضاع في بلدها حتى تعود هي وعائلتها إلى سورية ،لأن الغربة لا تحتمل في ظل هكذا حياة.
*الداخلية تقوم بالمراقبة
وأكد المتحدث الرسمي لوزارة الداخلية العميد سعد معن، أن ظاهرة التسول مشخصة من قبل أجهزة الوزارة وهي أساسا ظاهرة غير حضارية ،وقد قامت الوزارة بالعديد من الحملات للحد من هذه الظاهرة بالتنسيق مع الأجهزة والدوريات المكلفة لهذا الغرض التي تقوم بدورها بتسليمهم إلى وزارة العمل ، مبيّنًا وجود بعض الجنسيات العربية التي تقوم بالتسول عند إشارات المرور أو في الأماكن المزدحمة ،فهناك تنسيق أيضاً مع دائرة الإقامة التي منحت المقيمين شهرا لتصحيح وضعهم القانوني ،وقد تم تمديده إلى فترة أخرى لهم .
وأوضح معن أن الأجهزة الأمنية تشخص وترصد جميع الحالات المشبوهة سواء في تجمعاتهم أو في الشوارع العامة ،أما عن وجود متسولين في أماكن محددة بالقرب من الدوائر الرسمية فإن القطاعات التابعة للوزارة تأخذ بدورها الإجراءات الكفيلة للحفاظ على الأمن والحد من هذه الظاهرة
وأشارت "أم أحمد" احدى ساكنات حي تونس في بغداد، إلى أنها استغربت من حالة تتكرر كل يوم في أوقات متعددة ،وهي قيام شابات سوريات بمنتهى الجمال وبمختلف الأعمار بطرق باب البيت للبحث عن مساعدة مالية في حين ان منظرهن لا يوحي للناظر أنهن بحاجة للمال أو العوز لأنهن بكامل الأناقة ،وهذا مقلق جداً لنا لاسيما ان العديد من العوائل تتجه إلى أعمالهم منذ الصباح ويبقى في البيت الأبناء من الطلبة ،وعليه نطالب الأجهزة المتخصصة بمتابعة هذه الحالة خصوصاً في المناطق المعروفة في بغداد .
وكشف الباحث في الشؤون الاجتماعية حيدر العيساوي: "لا ننكر أن ظاهرة التسول في المجتمع العراقي لم تكن بالشيء الجديد برغم أن البلد يمتلك ثاني أكبر مخزون نفطي في العالم، ولكن تعاقب الحروب على هذا البلد المنكوب زاد من حجم تلك الظاهرة في المجتمع العراقي فأصبحت منتشرة بشكل تجمعات لهم مسؤول يقوم بالتحكم بمجموعة من المتسولين البنات والأولاد من مختلف الأعمار ويقوم بعد ذلك بإعطاء توجيهات معينة، وفي نهاية اليوم يجمع محصول عملية التسول ويعطيهم الأجر اليومي، ولقد استفحلت ظاهرة التسول بشكل خطير داخل المجتمع العراقي بسبب الفقر، والبؤس، والبطالة، والانحراف، والجهل، والطلاق، والمشاكل العائلية".
· مافيات لاستغلال الأطفال
ويحذر اختصاصيون وباحثون اجتماعيون من تنامي ظاهرة التسول التي يرون أنها نتاج الأزمات والحروب التي مر بها المجتمع في العقود الماضية، التي ذهب ضحيتها كثير من معيلي العائلات ، فضلا عما خلفه العنف من آثار سلبية أجبرت كثيرين على التسول ، للبحث عن لقمة عيش عجزت الحكومة عن تقديم المساعدة لهم للحصول عليها ، وأكدت السيدة سناء حامد التي تعمل في احدى منظمات المجتمع المدني غير الحكومية : "أصبح عدد الأطفال المتسولين في الشوارع لافتا للنظر ولا يمكن تجاهله بأي حال من الأحوال، إنهم يتحدثون مثل البالغين، وفي بعض الأحيان، عندما يصل الطفل إلى مرحلة من الجوع لا يجد ما يسد رمقه سيضطر إلى السرقة"، محذرة من وجود "مافيات" تقوم باستغلال الأطفال في التسوّل وتوزيع المخدرات والاستغلال الجسدي والجنسي.