تونس -تونس اليوم
لم تعد معارضة إجراءات الرئيس التونسي قيس سعيّد مقتصرة على خصومه التقليديين، بل شملت حتى أنصاره السابقين وداعميه في انتخابات الرئاسة الذين تقدموا بمبادرة تهدف إلى وقف حالة الاستثناء التي تعيشها تونس منذ 25 يوليو/تموز. وتقدم حراك "مواطنون ضد الانقلاب" وعدد من الشخصيات الوطنية والناشطين السياسيين بمبادرة سياسية أطلقوا عليها اسم "المبادرة الديمقراطية"، والتي من أبرز فصولها؛ عودة البرلمان بصفة مؤقتة لإصلاح قانونه الداخلي واستكمال الإصلاحات السياسية العالقة على غرار القانون الانتخابي والمحكمة الدستورية، إلى جانب تنظيم حوار وطني جامع وتشكيل حكومة إنقاذ وطني.
انتخابات مبكرة
وفي تصريح لمصدر إعلامي، قال المستشار السابق للرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، رضا بلحاج، وهو أحد أطراف المبادرة الديمقراطية، إن هذه المبادرة بدأت بحراك احتجاجي قاده "مواطنون ضد الانقلاب" تنديدا بالإجراءات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس قيس سعيد والتي وصفها بالانقلاب. وأضاف: "تحول هذا الحراك إلى مبادرة سياسية تقترح خارطة طريق جديدة تتمثل في عودة الشرعية الدستورية برجوع البرلمان في مهمة محددة، وهي إعداد انتخابات سابقة لأوانها رئاسية وبرلمانية وإطلاق حوار وطني حول المسائل الاستراتيجية". وقال إن المبادرة الديمقراطية هي حركة سياسية جامعة تضم أطرافا من مختلف الاتجاهات اتفقت على ضرورة إنهاء حالة الغموض والفوضى التي تعيشها البلاد، ونجحت في تبليغ مقاصدها من خلال الوقفة الاحتجاجية الأخيرة بساحة باردو والتي جوبهت بمضايقات كبيرة من الوحدات الأمنية، على وصفه. واعتبر بالحاج أن الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس فاقمت العزلة الداخلية والخارجية للبلاد ووسعت من رقعة الاحتجاجات ضده، مضيفا: "تعنت الرئيس سينتهي إلى مأزق كبير لن ينتهي إلا بنهايته سياسيا". وبيّن بالحاج أن أعضاء المبادرة الوطنية يدعمون الحوار الوطني على شاكلة ذلك الذي دعا إليه الاتحاد العام التونسي للشغل قبل نحو سنة من اليوم، مشددا على ضرورة أن يكون هذا الحوار جامعا وغير مقصي لأي طرف، وأن يركز على أمهات القضايا في نطاق الشرعية الدستورية.
معارضون من أنصار الرئيس
بدوره، اعتبر مستشار الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي زهير إسماعيل (من أعضاء المبادرة) ، أن تونس تمر بفترة مواجهة بين الانقلاب وبين ما سماه بالشارع الديمقراطي.
وأضاف لـ"سبوتنيك": "هذا الشارع هو الخزان الانتخابي الأساسي للرئيس، وجلّ أعضاء المبادرة صوّتوا في الانتخابات الرئاسية لصالح قيس سعيد، وهو ذات الشارع الذي تحرك احتجاجا على قراراته إيمانا منه بأن تعثر الديمقراطية يقتضي إصلاحها وليس الغائها، وحتى الذين ساندوا لحظة 25 يوليو واعتبروها تصحيحا للمسار انفضوا من حوله". وقال إن المبادرة الديمقراطية تقدم خارطة طريق جديدة للمرحلة المقبلة في ظل الفراغ السياسي والأزمة الاقتصادية والمالية الخانقة والعزلة الداخلية والخارجية التي تعيشها البلاد، مشيرا إلى تعثر المفاوضات مع الجهات المانحة التي تشترط وجود شريك ديمقراطي لبدء التفاوض. وشدد إسماعيل على أن مرجعية المبادرة الديمقراطية هي الدستور الذي تم التصويت عليه سنة 2014 بأغلبية ساحقة داخل البرلمان، والذي تم تعليقه بمقتضى أمر رئاسي أصدره الرئيس قيس سعيد. وأضاف: "المطلب الأول لهذه المبادرة هو عودة المؤسسة الأصلية وهي البرلمان بإعادة بناء نظامه الداخلي، حتى يمنع كل الفوضى والبلطجة وما يمكن أن يعطل عمل هذه المؤسسة التي نتفق جميعا على سوء أدائها". وتقترح المبادرة أن يضطلع البرلمان بالقيام بالإصلاحات السياسية وخاصة منها، تركيز المحكمة الدستورية وبقية الهيئات التعديلية وإصلاح القانون الانتخابي. وقال إن البند الثاني للمبادرة ينص على فتح حوار وطني جامع لا يقصي أحدا وتشكيل حكومة إنقاذ وطني تتصدى آليا للإشكاليات القائمة اليوم وتكتسب مشروعيتها من البرلمان، معتبرا أن الحكومة الحالية التي تقودها نجلاء بودن غير شرعية.
ودعا إسماعيل جميع القوى والمنظمات الوطنية وعلى رأسها الاتحاد العام التونسي للشغل إلى دعم هذا الحل السياسي الذي قال إنه قابل للنقاش ولكن تحت سقف الدستور. إلى ذلك، اعتبر المحلل السياسي، بولبابة سالم، في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن المبادرة الديمقراطية يمكن أن تكون مخرجا حقيقيا للأزمة السياسية التي تمر بها البلاد، خاصة وأنها تعالج إشكالا جديا وهو النظام الانتخابي. وتابع: "هذه المبادرة وخلافا لغيرها تتفق مع مقولة الرئيس بأن لا عودة إلى الوراء، فهي بمثابة القفزة إلى الأمام، لأن عودة البرلمان ستكون لمدة زمنية حددت بستة أشهر وضمن جدول أعمال مضبوط جدا ينتهي بتنفيذ المهام الموكلة إليه ثم يصبح البرلمان الحالي لاغيا".
وبين سالم أن وضع سقف زمني محدد للإجراءات المقترحة، من قبيل إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في النصف الثاني من سنة 2022 بعد تعديل قانون الانتخابات واستكمال إرساء المحكمة الدستورية، خطوة إيجابية ومهمة تحسب لأصحاب المبادرة. واستطرد: "رغم أهمية هذه المبادرة وجمعها لقدر كبير من الطيف الديمقراطي والأحزاب السياسية التي تبنتها، إلا أنها ستبقى عرجاء نظرا لافتقارها لدعم الاتحاد العام التونسي للشغل الذي خيّر الانحياز إلى صف الرئيس". ولفت إلى أن هذه المبادرة ستصطدم أيضا بمعارضة رئيس الجمهورية قيس سعيد، والذي يرفض وجود وسيط مع الشعب سواء كان هذا الوسيط حزبا أو منظمة وطنية، بحسب سالم.
قد يهمك ايضا
المجلس الأعلى للقضاء التونسي يندد بحملات تشهير تستهدف القضاة
المجلس الأعلى للقضاء في تونس يقصي القضاة عن الوظائف السياسية