دمشق - نور خوام
بدأت كوكب حسن، 9 سنوات، في مص إبهامها مرة أخرى، لأنه شيئا يشعرها بالراحة، إذ تستيقظ من نومها ليلا باكية؛ لافتقادها مدرستها كثيرا، فيما يشعرشقيقها راسم، الذي ساعدها على الهرب من مخاطر دمشق، لمستقبل غير مضمون في مدينة فوجتي في وسط ألمانيا.
وقال راسم: "هي تشاهد الرسوم المتحركة، ولكن عندما ترى مشهدا حيث يتناول الأطفال طعامهم مع والديهم تنفجر في البكاء وتطفئ التلفزيون". وأضاف:"فهي تأكل قليلا، ولا تكف عن مطالبتي بإعادتها إلي والديها في لبنان".
يأتي ذلك فيما تبدو الأمور أفضل قليلا للصبي علي الشافعي، 11 عاما، الذي يحاول أن يستقر في غوتنبرغ بعد رحلة 2000 ميل عبر أوروبا من سوريا، فلقد اشترى له عمه والواصي عليه طائرا من نوع كوكتيل، لكن قطة الجيران أكلته في يوم من الأيام، ولا عزاء لعلي. وقال:" مستاء جدا لا أستطيع كبح جماح نفسي كلما أرى القط، ولكنني لم أستطع لمسها لأنني أحب القطط تماما".
وحسب صحيفة "غارديان" البريطانية، وصل أكثر من 370 ألف طفل لاجيء في أوروبا العام الماضي، نحو 90 ألف منهم دون ذويهم، كما أن غالبيتهم من أفغانستان وسوريا وإريتريا والعراق. ولكن بعد رحلات البحر الغادرة، ومخاطر الطريق، أصبحت مسألة الاستيطان أصعب قليلا.
فوفقا لمقابلات الصحيفة مع عدد من الأطفال اللاجئين خلال الأسابيع الأخيرة، فإن الأرق، والحنين إلى الوطن، والخوف من الانفصال والصدمة الثقافية أكثر ما تدمي نفوسهم، وعلى الرغم من مغادرتهم للقنابل والمسلحين، فإن هناك تهديدات جديدة.
فكثير منهم يتعرضون للترهيب جراء الأعمال العدائية المحلية، في حين يتصارع آخرون مع التحديات الثقافية، متمثلة في: مواد دراسية جديدة، و مطبخ غريب ومراوغات لغوية غريبة،كما أن الانتظار للحصول على حق قمعي، ونقص الملابس مهانة. فبينما يشكو عدد عدد كبير من الأرق، من الصعب العثور على مساعدة نفسية أو حتى الرعاية الصحية الجسدية، إلا بعد الموافقة على طلب الحصول على اللجوء.
فاضطراب الأطفال أمر مثير للنقاش في بريطانيا وخاصة وإن كان 300 قاصر دون ذويهم. وتشير تجاربهم في بريطانيا، إنهم ليسوا في حاجة إلى جيش صغير من حالات العمالة، والأسر الحاضنة والأطباء النفسيين، وإنما أيضا المسار السريع للبيروقراطية للتعامل بسرعة مع طلبات اللجوء.
"أشعر بأن قلبي في سباق كلما أغمضت عيني وأحاول النوم"، هكذا وصفت أثاري بسيم، عراقية في الـ15 من عمرها، حالتها بعدما أرسلها والديها إلى هولندا العام الماضي. وقالت:"الكوابيس المتكررة تدفعني إلى الجنون، فمنذ اللحظة التي أذهب بها إلي السرير ، أبدأ أحلم برجال الميليشيا مع وجوه قبيحة تطاردني بأسلحتهم، وهم دائما يجدونني أي مكان اختبئ فيه ".
وأُرسلت أثاري إلي هولندا بعد خطف أخها الأكبر وتعذيبه من الميليشيات في العراق. وقضت أيام طويلة في البحر، إذ على طول بلدان كاملة، ونامت في الغابات وعلى جوانب الطرق، وتجنبت اللصوص والشاربين، بينما تراقبون كل العناصر التي خلفتها موجات سابقة من اللاجئين على الطريق إلى الشمال الغربي.
وبطبيعة الحال، لم يلق اللاجئين ترحيبا عالميا في جميع أنحاء أوروبا، حتى في ألمانيا، التي استضافتهم أكثر من أي بلد آخر، تلوثت (ثقافة الترحيب) بالعداء و ضدهم في بعض المناطق.
وقال راسم حسن إنه يواجه نوبات عدائية منتظمة في شوارع مدينة فوجتي، ويتساءل كيف يمكنه حماية شقيقته. وقال: "هناك دائما أشخاص ألمان في الشوارع يتحدثون بشكل سيء عن اللاجئين السوريين، وكوكب مجرد طفلة صغيرة".
ويشعر حذيفة واز، صبي سوري في 15 عاما من عمره، بالصدمة الثقافية في شمال شرق المدينة الألمانية مكلنبورغ، حيث الخوف من النازيين الجدد يجعله مترددا في السفر في جميع أنحاء وحدها.
وقال:"نغادر للمدرسة في 7 صباحا في مجموعة من 17 لاجئ ونستقل نفس الحافلة، فهذا يعطينا شعورا الحمايةن فعندما غادرت للمدرسة ذات مرة مبكرا وأخذت الحافلة بمفردي، أساء لي بعض الأِشخاص النازيون شفهيا وانتقلت إلى الوقوف إلى جانب السائق حتى وصلت إلى المنزل".
وفر حذيفة من سوريا مع شقيقه منذ 8 أشهر، بعدما بعثا بهما والديهما إلي هناك بسبب قلقهم المتزايد من حالات خطف وتجنيد الأطفال في أنقاض حلب. ويفتقد حذيفة أمه وطهيها، ولكن المشكلة الأكبر لدي في الحصول على الأوراق.
وقال:"اعتقد والدي أنه سيكون من السهل إلى حد ما للحصول على الإقامة في ألمانيا، فلم يكنا يعلمان بوجود عدد كبير من اللاجئين الذين وصلوا إلى ألمانيا، ما أثر بشكل خطير على نظام اللجوء هنا". أما أثاري فترى أن الوضع أفضل قليلا في هولندا، وقالت:"ـأعتقد أن هيتم فرز كل مشاكلنا منذ وصولنا إلى هولندا، ولكن عملية اللجوء بطيئة جدا". وحسب الصحيفة، فإنه دون الحصول على حق اللجوء، من الصعب الحصول على الرعاية الصحية، فالدول المختلفة لها قواعد مختلفة.
وقال فهمي علي، 16 عاما،طبيب في معسكره في هولندا ببساطة، إذ "ما احتاج أحد اللاجئين الباراسيتامول حتى لو كان يموت، وبعضهم يكونون بحاجة لعملية جراحية، ولكن علينا لانتظار لحين الحصول على تصريح الإقامة".
وهرب فهمي من ضاحية في دمشق، في تموز/يوليو الماضي، بعد نجاته من قذيفة سقطت بجواره لكنها لم تنفجر، فسافر مع شقيقته البالغة من العمر 23 عاما، جيهان، إلي أخيهم الأكبر في هولندا.
و خسر على13 كيلو،ويفكر في كل ثانية في والديه العالقين في منزلهما في العاصمة السورية. وقال علي:"أنام بالكاد خمس ساعات كل ليلة، و أسأل نفسي في كل وقت لماذا وافقت على ترك والدي وحيدا في دمشق، ومتى سأكون قادرا على إحضارهما إلي هنا"؟
أما هادي ديببيس، فعانى من القرحة والطفح الجلدي خلال رحلة مضنية من سوريا إلى ألمانيا العام الماضي. وقال: "سألت الضابط الألماني في مركز للأطفال بالسماح لي برؤية الطبيب، لكنه لم يجيب لي لأنني ما زلت لا أحمل تصريحا بالإقامة ".
وأضاف:"أفقد صبري كلما تطول المدة، فلم يتم عمل أي شيء خلال ستة أشهر منذ لجوئي، إذ قيل لي لا بد لي من الانتظار لمدة سنة للحصول على الإقامة ثم أستطيع إحضار عائلتي للم شمل أسرتي، ولكني في حاجة لرؤية والدي وأخوتي"، وبالتالي فإن لعبة الانتظار تطول.
ويملأ حذيفة وقته في ناد للياقة البدنية، فيما انضم فهمي ناد لكرة القدم، ويمارس هادي السباحة ويدخن، في حين أن أثاري تحب التزلج ومشاهدة الأفلام على موقع يوتيوب، أمت علي فيرعى حاليا اثنين من طيور أو يمشي في الغابة مع عمه.
أما أسيل أحمد، لاجيء عمره 10 عاما من مخيم اليرموك للفلسطينيين في دمشق، تقضي وقت فراغها مع خالتها مشاهدة الأفلام في ألمانيا، حيث وصلت في نهاية العام الماضي. وكانت غادرت سوريا بعدما لقت عائلتها حتفها في انفجار قنبلة، وعرفت في وقت لاحق أنهم لا زالوا على قيد الحياة"
وقالت:"أفتقدهم، فأنا أشاهد الرسوم المتحركة، وأؤدي فروضي المنزلية، ثم أعانق دميتي وأذهب إلي حتى أستطيع أن أكون متحدة مع عائلتي في دمشق في أحلامي".
ولدى أسيل "ضامن" الألمانية، وهو نوع من الملاك الحارس الذي يأخذها في بعض الأحيان لها إلى حمام السباحة. و هو نظام مُطبق في هولندا والسويد أيضا. فأثاري"راعية" هولندية ساعدتها على التسجيل في المدرسة، وقالت:"لديها العديد من الأطفال الآخرين تعتني بهم، لذلك وجدت من الصعب أن أشرح لها أنني محبطة وذكريات من الماضي تُدمر حياتي".
وفي السويد، على أيضا لديه "راعية" معروفة باسم "امرأة جيدة"، تأتي لزيارته كل أسبوعين أو ثلاثة أسابيع. وقال إنها "تجلب لي الشيكولاته والألعاب، وأعطتني 1100 كرون [94 استرليني] لشراء ملابس مستعملة"، إذ أن نقص الملابس هي إحدى العديد من المضايقات التي يواجها اللاجئين الشباب دائما.
وأضاف:"منذ وصولي إلى هولندا في تشرين الأول/
ديسمبر الماضي، لم أحصل على أي أموال لشراء ملابس"، وتابع:" لا أزال أكتفي بسترة رثة وأحذية حصلت عليها من الصليب الأحمر في المجر"، وهو نفس الشيء لأثاري، فالنظام الهولندي هو أقل سخاء بكثير من ذلك الموجود في ألمانيا أو السويد. وأوضحت:"لا أستطيع شراء أي قطعة من الملابس، لا أملك فلسا واحدا منذ أن كنت هنا، فيمكنني استخدام الملابس القديمة، أنا أقبل ذلك".
ويعد التعليم أساسيا بالنسبة للاجئين، فقالت أثاري:"ندرس الرياضيات ولكن من دون وجود معلم يشرح لنا، فالمعلم يعطينا أجهزة كمبيوتر محمولة مع تمارين الرياضيات، نحن نحلها وفي اليوم التالي نحصل على تصحيحها، فنحن لا نختلط مع أي الطلاب الهولنديين، فالمدرسة في الواقع عبارة عن غرفة في ملعب كرة السلة ". أما آسيل فقالت: "أنا أتعلم اللغة الألمانية والرياضيات والقراءة والكتابة والغناء وكرة المضرب، و دائما ما أ رسم منزلنا في سوريا على لوحة". ولكن هناك بعض اللاجئين يشعرون بالصدمة من طبيعة الفصول الدراسية.
وحسب الصحيفة، فإن اختلاف الثقافة غالبا ما يكون محيرا للاجئين، فارتفاع الأسعار وحظر التجول مساء، والغذاء الغريب ، ولغات جديدة هي ضمن جوانب نضال بعض الوافدين الشباب. فقال علي:"معظم الوقت عمي يحصل لنا الوجبات السريعة مثل الهمبرغر والبطاطس والبيتزا، فأنا أكلم والدي يوميا ، وأطلب من أمي ماذا كنت تطبخ لأخوتي، فأنا افتقد الوجبات العائلية". وأضاف:""لا توجد حياة في هولندا بعد الساعة 6 مساء، فهذا محبط للغاية بالنسبة لي، في سورية، الشوارع تبقى مزدحمة في ساعة متأخرة من الليل".
أما راسم حسن فيشعر بالقلق حيال التأثير الثقافي على كوكب، 9 سنوات. فقال:" لو كانت لا تزال في سورية، لتعلمت كيفية الصلاة والتصرف بطريقة لائقة، فلا أريد لها أن تراقب ما يجري في الشوارع، حيث الفتيان والفتيات الألمانية يشربون الكحول ويقبلون بعضهم البعض، فأنا نفسي أشعر بالخجل عندما أرى هذا".