بغداد - نهال قباني
تُحاول السلطات العراقية التخلص من تنظيم "داعش" المتطرف وذيوله المتبقية والمتمثلة في عائلات المقاتلين وأصدقائهم وكل من ينتمي إليهم، وهنا تروي بعض السيدات مصيرهن بعد توقيفهنّ إذ كانت زوجات للمقاتلين.
أخبرت أمينة حسن، وهي امرأة تركية، ربة منزل تبلغ من العمر 42 عاما، القاضي العراقي أنها وعائلتها دخلوا سورية بطريقة غير شرعية، وعاشت في ما يسمى بدولة الخلافة الإسلامية لأكثر من عامين، لكنها أكدت أنها لم تحصل على أي أموال من تنظيم داعش، فقط أحضرت أموالها معها من تركيا.
استغرقت محاكمتها أقل من 10 دقائق قبل أن يصدر القاضي حكما بالإعدام شنقا عليها، وكانت هناك سيدات تركيات أخريات في قاعة المحكمة، وفي غضون ساعتين حكم على جميعهن بالإعدام وبلغ عددهن 14.
الوضع كما هو عليه منذ انتصارت الجيش العراقي
ولم تتهاون المحكمة العراقية بإدانة التطرف منذ انتصارات الجيش العراقي على داعش في العام الماضي، وإلقائه القبض على الآلاف من صفوفه بجانب العائلات، وتتهمهم السطات بالمساعدة في دعم التنظيم المتطرف لأكثر من ثلاث سنوات.
ويصعد رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، جهوده الواسعة للملاحقة القضائية للمنتمين لداعش، في الوقت الذي يحاول فيه ملايين العراقيين التعافي من إراقة الدماء والدمار الناتج عن تلك الفترة.
وفي هذا السياق، قال اللواء يحيى رسول، المتحدث باسم قيادة العمليات العراقية "ارتكبت داعش جرائم ضد الإنسانية وضد شعبنا في الموصل والأنبار وصلاح الدين، وفي كل مكان، ولنكون أوفياء لدماء الضحايا، يجب أن يحصل هؤلاء المجرمون على عقوبة الإعدام، وهو عقاب يردعهم ويردع المتعاطفون معهم".
المحاكم لا تراعي الحالات الاستثنائية والفردية
ويقول النقاد إن المحاكمات روتينية في محاكم مكافحة التطرف، والتي تشمل الأقارب وغيرهم وتصدر عقوبة الإعدام ضدهم، كما حذر مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان من أن العيوب العملية القضائية ستؤدي على الأرجح إلى إجهاض العدالة.
وانتقدت منظمة هيومن رايتس ووتش العراق لاعتماده على قانون يعتمد إيقاع أقصى عقوبة على الناس، ويسمح قانون مكافحة التطرف في البلاد بتوقيع عقوبة الإعدام على أي شخص يرتكب أعمال متطرفة أو يحرض عليها أو يخطط لها أو يمولها أو يساعد في ارتكابها، لذا فإن المحاكم العراقية تفرض عقوبة من نوع واحد يناسب جميع مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية، ولكون المتهامات زوجات مقاتلي داعش يتم الحكم عليهن بالإعدام".
وقالت بلكيس ويلي، باحث في الشأن العراقي لهيومن رايتس ووتش: "لا تهم المحكمة بالظروف والحالات الفردية، حيث الطباخين، والعاملين في المجال الطبي، فالجميع تطبق عليهم عقوبة الإعدام"، وأضافت أن الحد الأدنى للإدانة بموجب القانون، يعني أيضا أن المحاكم لا تكلف نفسها عناء للتحقيق في بعض الجرائم التي يُعتقد بأن أعضاء داعش ارتكبوها، مثل الاسترقاق والاغتصاب والقتل خارج نطاق حكم القضاء.
الحكومة العراقية ترفض الانتقادات ولا تعلن عن عدد المعتقلين
وترفض وزارة العدل العراقية مثل هذا الانتقاد وتعلن عن نزاهة قضاتها ومعاييرها القانونية الواجبة، وقال عبدالستار البيرقدار، وهو قاض ومتحدث باسم وزارة العدل "إذا كان هناك دليل فإن المشتبه بهم سيحاكمون، وإذا لم يكن هناك دليل فسيطلق سراحهم".
ولم تعلن الحكومة عن إحصائيات محتجزيها المتطرفين، لكن شخصين على دراية بالإحصاءات وفي نفس الوقت غير مرخص لهما بالتحدث إلى الصحافيين، قالا إنه تم اعتقال ما يقرب من 13 ألف شخص للاشتباه في صلتهم بداعش منذ عام 2017.
وقدرت هيومن رايتس ووتش في ديسمبر / كانون الأول أن السلطات العراقية احتجزت ما لا يقل عن 20 ألف شخص متهمين بصلات بداعش في الشهر الماضي، ذكرت وكالة أسوشيتد برس أن العراق قد احتجز أو سجن ما لا يقل عن 19 ألف شخص منذ 2014 بتهمة صلاتهم بداعش أو غيرها من الجرائم المتعلقة بالتطرف، وتم القبض على العديد من هؤلاء المعتقلين في ساحة المعركة، واحتُجز بعضهم بعيدا عن ساحة القتال، استنادا إلى معلومات تم جمعها من المخبرين والاستجوابات في السجون.
ويقول مسؤولو الاستخبارات العراقية إن المعتقلين ذوي الخطورة العالية، والأشخاص المتهمين بالضلوع في هجمات متطرفة محددة، يُحتجزون بمعزل عن غالبية السجناء الذين يُشتبه في أنهم كانوا مدربين على مستوى منخفض في داعش، ومنذ صيف عام 2017، تمت إحالة أكثر من 10000 حالة إلى المحاكم، حسبما قال الأشخاص المطلعون على المحكمة، وأكدوا أنه حتى الآن، تم الانتهاء من محاكة نحو 2900 محاكمة، بمعدل إدانة يبلغ نحو 98%.
ولم يذكروا عدد الذين تلقوا عقوبة الإعدام، ولا عدد عمليات الإعدام التي نُفذت، وقالت وزارة العدل في بيان إن الحكومة صرحت بأن 11 شخصا أُعدموا الإثنين بتهمة "ارتكاب جرائم متطرفة"، ومن بين المعتقلين باستثناء السجناء العامين ما يقرب من 1350 امرأة أجنبية 580 طفلا، واستسلم معظمهم إلى قوات الأمن العراقية في أغسطس/ آب الماضي أثناء العمليات العسكرية لتحرير بلدة تلعفر، والغالبية العظمى من هؤلاء المعتقلين من تركيا وروسيا وآسيا الوسطى.
العراق يصر على موقفه
ويقول العراق إنه مصمم على معرفة إذا كانت الأدلة تربطهم بداعش، لكن بعض بلدانهم، بما فيها المملكة العربية السعودية، طلبوا تسلم بعضهم، وقال مسؤولون من البلدين إن دولا أخرى مثل بريطانيا وفرنسا تتردد في إعادة مواطنيها، وفي حالات نادرة، أُعيد الأفراد إلى بلدانهم الأصلي، مثل مجموعة من أربع نساء روسيات و27 طفلا في فبراير / شباط، بعد أن خلصت السلطات العراقية إلى أنه قد تم خداعهم للوصول إلى أراضي داعش، وتعمل تركيا على إعادة القاصرين الذين أخذهم آباؤهم إلى الخلافة، بالإضافة إلى أولئك الذين أُثبتت براءتهم.
وبالنسبة إلى دولة ظلت لأكثر من 15 عاما حاضنة للمتطرفين، ومزقها التفجيرات المتطرفة، لم يعد لدى العراقيين رغبة في التساهل أو القلق بشأن الظروف المخففة التي قد تكون في دول أخرى، ويُفترض على نطاق واسع أن الأجانب هم أكثر أتباع داعش حماسا منذ انتقالهم إلى العراق للانضمام إلى دولة الخلافة.
النظام متحيز ضد الأجانب
وقالت السيدة ويلي، التي راقبت عشرات المحاكمات المتعلقة بالتطرف "أكثر ما يقلقني في هذه المحاكمات هو أن النظام متحيز بشكل أساسي ضد الأفراد الأجانب، فالافتراض بأنك أجنبي، وكنت في إقليم داعش، لا يشكل حاجة لتقديم المزيد من الأدلة".
كانت النساء الأربعة عشر اللاتي أدينّ في هذا الشهر، 12 من تركيا واثنتان من أذربيجان تتراوح أعمارهن بين 20 و44 عاما، عشن في الرقة، العاصمة السابقة لإقليم الجماعة في سورية، وعندما تصاعدت الغارات الجوية الدولية هناك وقتل العديد من أزواجهن، انتقلوا إلى العراق وكانوا من بين أولئك الذين استسلموا خارج تلعفر.
وعندما تم استدعاء السيدة حسن، سلمت طفلها إلى معتقلة آخرى لرعايته، وقال محاميها المُعين من قبل الدولة، علي سلطان، إنه لم يستعد للمحاكمات، مضيفا أنه لم يتمكن من الوصول إلى الأدلة ضد موكلته لأن المعلومات المتعلقة بالتحقيقات المتعلقة بالتطرف مصنفة.
وأوضح أن راتبه يبلغ 25 دولارا بغض النظر عما إذا كانت القضية ستستأنف، وهو لا يشجعه على بذل الكثير من الجهد، ويتم دفع الرسوم فقط بعد استنفاد الاستئناف النهائي، كما أن الدفع للمحاكمات السريعة، يمكن أن يستغرق شهورا إن لم يكن سنوات.
وقالت نازلي إسماعيل، أحد المتهمات، للقاضي إن زوجها دفع أسرتها للذهاب إلى سورية، مضيفة أن ثلاثة من أطفالها قتلوا في غارة جوية، والشخص الوحيد الذي بقي على قيد الحياة هو أصغرهم، وهو صبي يبلغ من العمر عامين يدعى يحيى، وكان ينتظر في الخارج في الردهة.
وسأل القاضي نازلي "هل أنت بريئة أو مذنبة؟"، أجابت "أنا بريئة"، ولكن حكم عليها القاضي بالإعدام، وتقبلت السيدة إسماعيل الحكم بابتسامة، قائلة "هذا يعني أنني سأذهب أخيرا إلى الجنة".
وغادرت الأم والطفل مبنى المحكمة تحت الحراسة المسلحة، وكان من غير الواضح ما هو مصير الطفل.