كامبالا ـ ريتا مهنا
كشف موسى ربا، عن آثار ندبة في وجهه بالقرب من عينه والممتدة إلى عظام الوجنة عندما هاجم متمردين معارضين للرئيس سلفا كير، في جنوب السودان، سيارته بالقرب من منزله في بلدة نمولي الجنوبية الصغيرة، حيث أراد المتمردون سرقة سيارته وهو ما رفضه ربا، ويضيف "رفضت ذلك ولذلك أطلقوا النار علي وعلى المركبة"، وانشطر زجاج السيارة وأصابت وجهه قطعة من الزجاج بالقرب من عينيه ثم أشعلوا النار في السيارة، وقرر ربا بعدها مغادرة وطنه مع زوجته وثلاثة أطفال، وقام برحلة قصيرة محفوفة بالمخاطر إلى أوغندا، وأضاف ربا "إنهم أرادوا قتلنا وهذا ما دفعنا للمغادرة".
ويعيش ربا حاليًا بعد شهرين مع أكثر من 270 ألف لاجئ في مخيم "بيدي بيدي" للاجئين على بعد 40 كيلو مترًا من الحدود، وعندما تجددت أعمال العنف في جنوب السودان في يوليو/ تموز الماضي أصبح موطن ربا رقعة ترابية بالقرب من قرية صغيرة، ومن المتوقع أن يضم مخيم "بيدي بيدي" 40 ألف شخص، وبعد افتتاحه في أغسطس/ أب تزايد العدد إلى الضعف شهريًا، وحاليًا يسكن المخيم مترامي الأطراف نحو خمس سكان جنوب السودان المقدر عددهم بـ1.3 مليون نسمة والذين هربوا من العنف والجوع والتضخم السريع في وطنهم.
ويعد مخيم "بيدي بيدي" أكبر مستطونة للاجئين في العالم وتم بناءه خلال 6 أشهر، ويعد النمو السريع في الأعداد انعكاسًا للأزمة المستمرة في جنوب السودان والتي حذرت الأمم المتحدة من أنها على وشك الإبادة الجماعية، واندلع العنف بين حكومة كير والقوات الموالية لزعيم المعارضة ونائب الرئيس السابق رياك مشار لأول مرة عام 2013، وتجددت مرة أخرى عند انهيار اتفاق سلام في يوليو/ تموز الماضي، ويعبر آلاف الأشخاص يوميا الحدود إلى أوغندا، وتتوقع الأمم المتحدة هذا العام وصول 300 ألف لاجئ من جنوب السودان إضافة إلى أكثر من 600 ألف موجودين بالفعل منهم 86% من النساء والأطفال.
ويوضح روبرت باريموسيغا، قائد مخيم "بيدي بيدي": "هؤلاء النساء والأطفال الذين يفرون يحتاجون إلى موطن وحياة طبيعية لأنهم أبرياء، إنهم ليسوا سياسيين، لكنهم مجرد ضحايا"، وعاني المخيم منذ تأسيسه من انتشار طفيف لوباء الكوليرا فضلا عن إمدادات المياة المحدودة، وفي الأسبوع الماضي أعطي بعض السكان فقط 10 لترًا من المياه يوميًا وهو أقل بكثير من مستوى الطوارئ المقدر بـ15 لترًا، وتحظى أوغندا بسياسة فريدة للاجئين حيث يُسمح لهم بالعمل والسفر والاختلاط بالمجتمع المحيط، وتحصل العائلات على مساحة 30×30 مترًا من الأرض لبنائها كمنزل مع مساحة إضافية للزراعية، ونتيجة ذلك أصبح المخيم أشبه بمجموعة قرى بجانب متاهة من الخيام الضيقة، وهناك بعض المتاجر الصغيرة المبعثرة لبيع الخضراوات والأغذية المعلبة والمدارس، وأسس أصحاب الأعمال محلات صغيرة لإصلاح الدراجات النارية وبناء الأثاث، وتم إنشاء مدارسا وملاعبا ومراكزا طبية بواسطة الجماعات المساعدة لتلبية مطالب آلاف الناس.
ويعمل ربا في أحد المتاجر الجديد ويدير كشك صغير لبيع القمصان والفساتين، كما يعمل بشكل جانبي مع بعض الأوغنديين المحليين الذين يتوقون إلى عملاء جدد ويأملون أن تعني موجة النشاط المدارس والمياه والرعاية الصحية لعائلاتهم، ويوضح إيلي لومور صاحب الـ35 عاما، والذي يبيع الجينز المستعمل في كشك بجوار ربا "نحن جميعا سواسية ونبقى معا"، وسار لومورو وأسرته ومعه طفل صغير لعدة أيام للوصول إلى أوغندا، وتجنبوا الطرق الرئيسية خشية التعرض للسرقة أو القتل، ولذلك عبروا وسط الأدغال في جمهورية الكونغو الديمقراطية ومعهم ما يستطيعون حمله فقط، وكان لومورو في أوغندا من قبل خلال عقود من الحرب الأهلية قبل استقلال جنوب السودان عام 2011، حيث كان ضمن آلاف اللاجئين الذين يحتمون هنا، حيث ظل هناك لمدة 5 أو 6 أعوام حتى أجبر على الخروج من وطنه مرة أخرى قبل 3 شهور.
وأغلق مخيم "بيدي بيدي" أبوابه في ديسمبر/ كانون الأول أمام اللاجئين الجدد باستثناء من ينضمون إلى عائلاتهم الموجودة في المخيم بالفعل، ويتم إرسال المهاجرين الجدد إلى مستوطنة جديدة على بعد ساعة، وحاليا يتحول "بيدي بيدي" من كونه مركز أزمة إلى ما يشبه مجتمع مزدهر حيث يعيش الناس لأعوام، ويحتاج السكان إلى مدارس وتدريب مهني لصقل مهاراتهم، كما يحتاجون إلى الحماية البيئية لضمان إمداد الأرض لهم في الأعوام المقبلة، وهم بحاجة إلى هياكل مصنوعة من الطوب والخرسانة بدلا من الطين والخيام، ويضيف روبرت " قضيت معظم الوقت في الأنشطة المُنقذة للحياة مثل استقبال الناس ومنحهم المياة والإغاثة والمواد الغذائية، وحاليا تم ذلك ثم ماذا؟ هل يمكننا دعم هذه الأرواح التي قمنا بحفظها، وبصفة عامة يعد مخيم "بيدي بيدي" مجرد بداية".